"الدزيرة" اسم ارتبط بمعتقل استعماري استعمل فيه الاحتلال الفرنسي كل أساليب وممارسات القمع والاستبداد الاستدماري، وشاهد تاريخي يروي جرائم فرنسا التي اقترفتها في حق أبرياء عزل، ذنبهم الوحيد أنهم دافعو عن أرضهم وأرض أجدادهم، وزنزانته لازالت راسخة في أذهان من نزلوا بها وما عانوا من تعذيب وتنكيل. معتقل استعملت فيه كل أنواع التعذيب النفسية والطبيعية والمادية من أجل الظفر بمعلومات عن المجاهدين وتحركاتهم، إنه معتقل العار أو غوانتنامو فرنسا في الجزائر. منطقة العين الصفراء (ولاية النعامة) كونها تمتاز بموقعها الاستراتيجي وكانت مهد مقاومة الشيخ بوعمامة التي تعد من أطول المقاومات الشعبية في الجزائر، وشهدت أحداثا تاريخية طيلة فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، قامت الاستعمارية الفرنسية بإنجاز مركز أو نقطة مراقبة عسكرية في جوان سنة 1958 وبعد ان عرفت الثورة شمولية واتساعا حولته الى مركز سري للتعذيب وعرف عوامل متعددة لتشييده بهذه المنطقة، ومن بين هذه العوامل انه يوجد في منطقة معزولة خارج عين الصفراء بحوالي 3 كلم في موقع استراتيجي هام لاستغلاله مركزا لمراقبة ورصد تحركات مجاهدي جيش التحرير الوطني والمسبلين من والى جبل مكثر، كما ان هذا المكان كان عبارة عن مسلك تعبره قوافل جيش التحرير الوطني تجاه القواعد الخلفية الموجودة في المغرب الاقصى، اضافة الى ان بعد شمولية الثورة لجأت فرنسا الى بناء هذا المعتقل للتخفيف من اجراءات التقاضي لأن المعتقل لا يقاضى من الناحية القانونية لأنه غير مدان وبالتالي لا يخضع الى محاكمة لذا أنشأت هذه المعتقلات بصفة عامة في حالات استثنائية. يتربع معتقل "الدزيرة" على مساحة 5 هكتارات تم بناؤه في مرتفع هضبة محاطة بأسلاك شائكة وهو يحتوي على زنزانات أرضية تستوعب ما بين 5 و 10 سجناء وأخرى فردية. وكان محصنا بسياج وعدة أبراج للمراقبة حيث كان موقعه ملائما لرصد كل التحركات من حوله وعلى مسافات بعيدة، وقد أنجز بإحكام يصعب على الجزائريين المعتقلين الفرار منه، كما يصعب الإغارة عليه أو الاقتراب منه. وجاء قرار بناء هذا المعتقل من طرف العقيد الفرنسي دساز قائد قطاع العين الصفراء والبلديات التابعة لها من الصفيصيفة غربا الى عسلة وبوسمغون شرقا ومن جنين بورزق جنوبا الى العين الصفراء، وهذا من أجل وضع حد لنشاط الدعم والمساندة الذي كان يقوم به الأهالي وأعضاء المنظمة المدنية للمجاهدين في جبال المنطقة الثامنة التابعة للولاية التاريخية الخامسة، بحسب بعض المصادر التاريخية. وبحسب ما يرويه ممن نزلوا بهذا المعتقل فإنه شهد مجازر سوداء بل تفنن المستعمر الفرنسي الى تجريب كل أنواع التعذيب به ومن هؤلاء المجاهد بن قاسيمي عبد القادر الذي أكد ان معتقل "الدزيرة" شيدته المنظمة المسلحة السرية الفرنسية OAS والمتشددين من العسكريين الفرنسيين والكولون. يقول محدثنا: "تكاد لا توجد عائلة من عين الصفراء لم يسجن أحد أفرادها بهذا المعتقل خاصة أيام 17 أوت من سنة 1960، أين بدأت عملية اعتقال وتوقيف الجزائريين وقد تم القبض علينا مساء يوم 19 أوت 1960 في شاحنة رفقة أخوي قاسي وعمر، إضافة إلى مرين بوبكر احد شهداء معتقل العار الذي توفي عطشا". ويواصل "حين وصولنا وجدنا لمام ولد الطالب بحوص مقيدا الى شجرة وايت سالم مبارك، فأول ليلة قضيناها أمام المركز 2 تحت وقع التعذيب والليلة الثانية أخذونا الى النصب التذكاري وجدنا قادة علال الذي توفي هناك تحت التعذيب وفي الصباح الباكر أرجعونا للدزيرة وقبل تنقلنا استشهد أحد المعتقلين اسمه بن طالب مجدوب بعد ان تم التنكيل به". يوجد في معتقل "الدزيرة" ثلاثة مراكز، واحد في الأسفل خاص بالتعذيب وفي الأعلى وجود القوات العسكرية خاصة الحراس والمركز الثاني خاص بالتعذيب والاستنطاق وكل مساء يتم إنزال المعتقلين إلى الوادي من أجل ما يسمى البحث والاستنطاق، ومن تفقد الحياة تحت التنكيل يدفن هناك، ولمدة 5 أيام يضيف بن قاسيمي "لم يمنحونا ولا جرعة ماء، أكلنا نصف علبة طماطم بها حساء لا نعرف بماذا تم طهيها"، مضيفا بالم "لقد عُذبت بأقسى أنواع العذاب، وُضعت في حوض مائي يغلي وقال لي الجلاد أنظر لن أقتلك، أنت لن تقتل بل ستعذب ستبقى معوقا حتى أستطيع إحضارك في الوقت الذي أحتاج وفي المكان الذي أريد". معتقل "الدزيرة" استعملت فيه فرنسا كل أنواع التعذيب والتنكيل فحسب الاستاذ برشان محمد باحث واستاذ جامعي بجامعة بشار ان فرنسا استعملت عدة أنواع وسائل التنكيل منها النفسية والطبيعية والمادية، لأن من بنوا هذا المركز هم ممن تأثروا بالفكر النازي أو كانوا أعضاء في حكومة فيشي والأساليب التي طبقوها لا تختلف كثيرا عن الجهاز النازي ومن هذه الوسائل التعذيب النفسي. لقد ضم هذا المعتقل مجاهدين ومجاهدات كانوا يجرّدون من كل الألبسة وكثيرا ما كان يربط مجاهد مع مجاهدة لمحاولة كسر إرادته باستهداف كرامته والانتقاص من شرفه كما ان المعتقلين كانوا مجبرين على حفر قبورهم بأيديهم، أما التعذيب الطبيعي فكان بالشمس المحرقة صيفا ونزع الثياب والبقاء في الخارج والبرودة في فصل الشتاء فيما أكد كل من عبد القادر بن قاسيمي وبوجمعة فلاح ان أنواع التعذيب في هذا المعتقل كانت متنوعة فالبعض كان يقيد في أعلى الشجر، البعض في أحواض مياه، اقتلاع اللحم من الجسد بنازع البراغي، أو المقص، وضع بعض أطراف الجسم في ماء مغلي، إضافة إلى التعذيب بالكهرباء. وقد كشف مصدر عسكري رسمي آنذاك بأن هذا المعتقل قُتل به 16 شخصا تحت التعذيب في الفترة الممتدة مابين 19 أوت الى 21 سبتمبر 1960 أما بن قاسيمي فيؤكد استشهاد أكثر من 72 أسيرا وكانوا يدفنون في الرمال المجاورة للمعتقل ولم يعثر إلى حد الآن على رفاتهم وتشير روايات أخرى لمجاهدي المنطقة إلى أن عدد القتلى الذي ماتوا تحت التعذيب أكبر من ذلك بكثير، بحسب الباحث برشان محمد، فإنه لا توجد إحصائيات دقيقة لضحايا هذا المعتقل، لكنها أكثر من 100 شهيد من خلال بعض الوثائق والشهادات التي تم التوصل إليها، كما أن نزلاءه كانوا من عدة ولايات من الوطن. نهاية مأساة الموت نهاية معتقل "الدزيرة" لم تأت بالصدفة بل لعدة أسباب يضيف الباحث برشان منها تسريب معلومات الى اللجنة العمالية التابعة للحزب الاشتراكي إضافة الى شجاعة المجاهد حمو علا من خلال اتصالاته مع الجنرال "بيفا" القائد العسكري لمنطقة البيض حينذاك، والذين تقدموا بتقرير شامل الى الحكومة الفرنسية التي أرسلت لجنة تحقيق مكونة من أطباء، وعسكريين لمعاينة المركز. وفعلا جاءت اللجنة وتقصت بعض الحقائق وتم الاقرار بغلق هذا المعتقل بعدما قضى فيه المعتقلون سنة و6 أشهر واحيلوا على المحاكمة في وثيقة تظهر ذلك الى المحكمة العسكرية بسعيدة والتي قضت أحكاما متنوعة بالسجن من سنة واحدة الى 10 سنوات وبتبرئة جميع النساء اللواتي تجاوز عددهن 9 نساء إضافة الى حرمان البعض من المواطنة وحسب المجاهد بلقاسيمي ان المجاهد حمو علا حين اقترابه من الحاكم اخبره عن وقوع مجزرة بهذا المعتقل. وبحسب شهادات بعض المجاهدين يجهل لحد الان أماكن دفن شهداء هذا المعتقل لأن القوات الاستعمارية كانت تقوم بدفن كل من يتوفى جماعيا أما في الوادي أو في الكثبان الرملية المحاذية لهذا المعتقل ومن هؤلاء: سليمان سليماني كان يدرس في التكوين المهني من البيض، مرين محمد ولد بوبكر، بن هلال عبد القادر، بغدادي الحاج الشيخ، محيقن من عسلة، الاخوة مزراق 3، بلعربي أحمد وغيرهم. وبعد غلق هذا المركز تم توزيع السجناء على أماكن متفرقة من المنطقة، البعض منهم حولوا الى الفرطاسة والبعض نقل الى مناطق أخرى فيما ترك البعض في السجن ومنهم بن قاسيمي الذي يضيف "بقيت في السجن لأنني معوق من الرجلين بعد وضعهم في الماء المغلي وتم الافراج عني يوم 6 جانفي 1961 لكن علي الرجوع الى المعتقل كل أسبوع من أجل إثبات الحضور وقد مكثت 8 أشهر في الدزيرة والباقي في سانتا كروز بوهران وقد تمت محاكمتي في محكمة عسكرية في 28 أكتوبر 1957. هذه هي بعض الحقائق عن معتقل الدزيرة، هذا المعلم التاريخي يمثل شاهدا تاريخيا لبشاعة وغطرسة ممارسات الاستعمار الفرنسي في الجزائر وما عاناه أباؤنا بين جدرانه، وكذا عن نضالات وتضحيات الشعب الجزائري برمته التي قدمها من أجل استرجاع كرامته وسيادته على كافة تراب وطنه كما يجمع على ذلك عدد من مجاهدي المنطقة.