120 مكب للنّفايات خاضع للرّقابة قابل للاستغلال مستقبلا مفرغة واد السمّار مدرسة لتثمين الغازات الحيويّة أضحى استخلاص الطّاقة من النّفايات خيارا مشجّعا لكثير من الدّول، ووسيلة هامّة للتّخلّص منها سواء عن طريق الحرق أو التّحويل إلى وقود سائل أو وقود غازي، خاصّة مع قلّة المساحات المخصّصة للرّدم والتّكاليف العالية لنقلها، ووصل الأمر إلى استغلال حتى النّفايات الصّلبة في إنتاج الحرارة لاستخدامها في التّدفئة وتوليد الطّاقة الكهربائية، ووصل الأمر إلى استخدام الرّماد في التّشييد والبناء مع مراقبة انبعاث الغبار، الحوامض والمعادن، والمواد العضوية من المحارق القديمة والحديثة مراقبة جيّدة في معظم مدن العالم الكبيرة، فأين موقع الجزائر من كل هذا؟ وهل تمتلك مفارغ يمكن أن تكون نموذجا لاستغلاله كبداية. كل هذا يجيبنا عليه مراد إسياخم، مدير الوكالة الوطنية للفعالية الطّاقوية في حوار مع مجلة «التنمية المحلية». - مجلة التنمية المحلية: تشكّل النّفايات والمفارغ العمومية ثروة ضائعة لم تستغل بعد بالشّكل الأمثل بالجزائر، خاصة في مجال إنتاج الطّاقة، ما هي إمكانات الجزائر في هذا المجال؟ مراد إسياخم: تدرك الجزائر أنّ استخدام مصادر الطّاقة المتجدّدة أمر حيوي للحفاظ على الموارد الطّبيعية، والحد من مستويات التّلوّث، حيث وضعت سياسة لإدارة النّفايات كجزء من الإستراتيجية البيئية الوطنية من خلال إصدار القانون 01-19 المتعلّق بالإدارة والتّحكّم في النّفايات والتّخلّص منها، والتّعامل مع الجوانب ذات الصّلة بتسيير النّفايات. تملك الجزائر 120 مكبّ للنّفايات خاضع للرّقابة، وهو ما يمكّنها في المستقبل من إنتاج الوقود الحيوي والكهرباء والحرارة عبر تحويل هذه النّفايات إلى طاقة بما يضمن الاكتفاء الذّاتي، ويسمح بإرسال فائض الكهرباء إلى الشّبكة، وحقن جزء منها في الشّبكة، كما يمكن أن تشكّل مصدرا هامّا لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المستقبل. - يقال إنّ إنتاج الطّاقة من النّفايات أحد الحلول النّاجعة للتّخلّص منها، كيف ذلك؟ وما هي المواد التي يمكن إنتاجها لدى استغلالها؟ إنتاج الطّاقة من النّفايات هو أحد الحلول النّاجعة للتّخلّص منها، وتخفيف التّلوث البيئي والتّقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإنتاج الطّاقة محليا، وهناك طريقتان لإنتاج الطّاقة من النّفايات وهي الحرق المباشر، وإنتاج الغاز الحيوي (الميثان) من مكبّات النّفايات. وقد بدأت الحكومات في البلدان المتقدّمة في إنشاء محطّات تتمثّل مهمّتها في تحويل النّفايات الصّلبة إلى طاقة كهربائية وحرارية بطرق صديقة للبيئة واقتصادية، حيث تقوم بتحويل النّفايات إلى طاقة بتحويل النّفايات المحلية والصّناعية الصّلبة أوّلا إلى غاز الميثان الحيوي عن طريق التّخمّر وميثنة أحيائية للنّفايات ثم إلى كهرباء و/أو حرارة لاستخدامهما في أغراض المعالجة الصّناعية، وأنظمة التّدفئة المركزية، وحتى كوقود لوسائل النّقل، وهي طريقة صديقة للبيئة واقتصادية في التّكاليف لاسترداد الطّاقة.
- تطرح مسألة التّكاليف نفسها كعائق في التّحوّل نحو الطّاقات المتجدّدة، إلى أيّ مدى هذا الطّرح صحيح؟ وهل يمكن مستقبلا أن تتوفّر على تنافسية من حيث التّكاليف مقارنة بتوليد الطّاقة من المحروقات الأحفورية؟ أدّى التّطوّر العلمي والتّقني في التّعامل مع النّفايات الصّلبة إلى إعادة النّظر في أطنان المخلّفات التي تنتجها الجزائر يومياً، والنّظر إليها كمصادر بديلة للطّاقة. يقوم مفهوم توليد الطّاقة من النّفايات على معالجة المخلّفات الصّلبة كيميائيا لإنتاج طاقة كهربائية أو حرارية، وعلى الرّغم من وجود سوق واعدة لهذا التّوجّه، بالنّظر إلى حجم النّفايات بسبب الزّيادة الحادّة في أعداد السّكان والتّغيّر في أنماط الحياة، فإنّ التّكلفة العالية لتقنيات معالجة النّفايات الصّلبة والمردود المحدود من الطّاقة النّاتج عنها، تشكِّل أهم العوائق التي تحدّ من انتشار هذه التّقنيات. وتحتاج النّفايات إلى مساحات كبيرة وتجهيز مكبّات النّفايات مكلّف، حيث تصل تكاليف تحضير مكبّات النّفايات الكبيرة إلى أكثر من 500 مليون دولار، كما أنّ شحن النّفايات برّا وبحرا إلى مناطق بعيدة للتّخلّص منها مكلف أيضا، فإذا تمّ مقارنة هذه التّكاليف بتكاليف بناء محطّة لحرق النّفايات وتوليد الطّاقة منها، نجد أنّ هناك فرص كبيرة متاحة. وبالتالي فاستخدام النّفايات في توليد الكهرباء يعني توفير كميات من النّفط والغاز للتّصدير، واستعمالات متعدّدة في مجال البتروكيمياء دون أي تكاليف إضافية، أو استخدامها في مجالات تدر وتجلب قيمة مضافة أكبر ممّا لو تمّ حرق النّفط والغاز لتوليد الكهرباء. ووصلت تنافسية التكاليف في توليد الطّاقة المتجدّدة إلى مستويات تاريخية؛ فاستخدام الكتلة الإحيائية من أجل توليد الطّاقة، إضافة إلى الطّاقة الشّمسية والطّاقة الكهرومائية والطّاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح، أصبح بالإمكان حالياً توفير الكهرباء بصورة تنافسية بالمقارنة مع توليد الكهرباء من المحروقات المصادر الأحفورية، حيث توجد موارد جيّدة وهياكل للتّكاليف. - هل تعتقد أنّ تطوّر تكنولوجيات الطّاقات المتجدّدة وتقنياتها من شأنه أن يقدّم للجزائر خيارات أخرى، وتفتح لها آفاق جديدة غير مستغلّة؟ استخدام الطّاقات المتجدّدة في إنتاج الكهرباء بأنواعها تثير أسئلة مختلفة بالنّسبة للشّبكة الكهربائية، ولكن يظل المبدأ هو نفسه بدون تغيير، حيث يقتضي الأمر مزيجاً من التّكنولوجيات ضمن نطاق من المواقع من أجل تلبية الطّلب الذي يختلف ويتزايد كل يوم، فالطّاقة الكهرومائية واستخدام الكتلة الإحيائية من أجل الطّاقة، والطّاقة الحرارية الأرضية والطّاقة الشّمسية وطاقة الرّياح هي تكنولوجيات الحد الأدنى، وهي قابلة للتّبادل فيما لا تنطوي على أي مشاكل خاصّة بالنّسبة لتشغيل الشّبكة. ومن جهة أخرى، فإنّ تطوير الطّاقات المتجدّدة في نطاق واسع يتيح فرصا اقتصادية واعدة للوطن، فالمنظومة الطّاقوية الجديدة المبنية أساسا على الطّاقات المتجدّدة تفتح مجالات النّشاط الاقتصادي كالصّناعة والفلاحة، وتخلق مناصب شغل ومؤسّسات صغيرة ومتوسّطة في جميع مناطق التّراب الوطني بشكل عادل لأنّ الطّاقة المتجدّدة خاصة الطّاقة الشّمسية متوفّرة في كل مكان، وتنتج في مكان استهلاكها. في المقابل يتعيَّن على المرء تقدير العوامل الخارجية البيئية والصحية المرتبطة باستخدام المحروقات الأحفورية لأغراض توليد الطّاقة الكهربائية، وبغير هذا التّحليل لا يتاح قدر من الفرص المتكافئة للمصادر المتجدّدة. وإذا ما وضع في الاعتبار مدى الضّرر الاقتصادي الذي يلحق بصحة البشر من جرّاء توليد الطّاقة الكهربائية من مصادر المحروقات الأحفورية، فضلاً عن العوامل الخارجية المرتبطة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. - هل تتوفّر الجزائر على مفارغ يمكنها أن تكون نموذجا حيّا لإنتاج الطّاقة الكهربائيّة والحراريّة؟ تشكّل مفرغة واد السمّار بالعاصمة، والتي تمّ تحويلها إلى منتزه، مشروعا قطبا لتحويل النفّايات إلى طاقة، كما يُمكنها إنتاج مزيج طاقوي من الطّاقة الشّمسية الكهروضوئية، ومن النّفايات ككتلة حيوية ممّا يسمح بإنتاج الكهرباء بقدرة تفوق 10 ميغاوات، وهو نموذج فريد من نوعه في الجزائر، حيث يمكن اعتبار واد السمار مدرسة لتثمين الغازات الحيوية الصّادرة من النّفايات المحوّلة إلى طاقة كهربائية، مساهمة بذلك في استعمال أقل للطاقات الأحفورية حسب نمط طاقوي جديد. - هل تعتقد أنّ استغلال المفارغ العمومية المشبّعة في مجال إنتاج الطّاقة تحتاج لمناخ ملائم؟ وهل يتطلّب الأمر سن تشريعات جديدة حتى تواكب التّحوّل نحو الوقود البديل؟ تدعو المحافظة للطّاقات المتجدّدة والفعالية الطّاقوية (CEREFE) بإلحاح إلى التّطبيق الخالص والبسيط للقانون 02-01 المؤرّخ 5 فبراير 2002، والذي يسمح بفتح سوق إنتاج الكهرباء صراحة أمام المنافسة (المادة 6)، وتشجيع إنتاج الكهرباء من مصادر متجدّدة ومختلفة بما فيها المفارغ العمومية، وهذا يشمل القطاع العام والخاص، أي «الشّخص الطّبيعي أو المعنوي من القطاع الخاص أو العام يحمل رخصة تشغيل'' (المادتان 7 و24)، الصّادرة عن CREG. وبالتالي يمكننا قياس التأخير الكبير في تطوير نصوص التّطبيق (MEM ،CREG…)، وكذلك اللّوائح الفنية المناسبة (SADEG). - هل هناك تفكير في عقد شراكات أجنبية للنّهوض بهذا النّوع من الاستثمارات،خاصّة مع ألمانيا التي تعد رائدة في هذا المجال؟ عقد شراكات أجنبية لمشاريع إرشادية يمكن أن يسهل النّهوض بهذا النّوع من الاستثمارات، خاصة إذا تمّ استخدامها من أجل نقل تقنيات الكتلة الحيوية المختلفة في الجزائر، وبخاصة إنتاج الغاز الحيوي من النّفايات الحيوانية في المناطق الرّيفية، بالإضافة إلى جمع النّفايات الزّراعية وتصنيفها. وتؤدّي مثل هذه التّقنيات إلى التّخلّص من النّفايات، كما تساهم في خلق فرص العمل، هجرة الشباب إلى المدن الكبرى في ألمانيا...النّفايات لا تختلف كثيرًا عن الفحم «البُنّي». في مدينة شتوتغارت الألمانية على سبيل المثال، لا تصنع سيارات المرسيدس الفاخرة فقط، بل هناك منشأة ضخمة جدًا تنتج الطّاقة من حوالي 500 ألف طن من النّفايات سنويا، بعضها يستغل لإنتاج الكهرباء والبعض الآخر للتدفئة، حيث تتمّ هناك معالجة حوالي ثلث النفايات الناتجة في جنوب غرب ألمانيا، ويتمّ تحويلها إلى طاقة كهربائية كافية لتزويد حوالي 35000 منزل بالكهرباء، هذا غير تزويد 25 ألف منزل و1300 شركة و300 مبنى حكومي بالطّاقة الحرارية التي تستغل في التّدفئة، كما يؤكّد موقع «آبيند بلات» الألماني. - ما هي فوائد استغلال النّفايات في إنتاج الطّاقة بالنّسبة للمواطن، البيئة والاقتصاد؟ المنافع متعدّدة وتمس عدّة جوانب، بداية بالبيئة فلا شكّ أنّ حرق النّفايات يولّد غاز ثاني أكسيد الكربون وبعض الغازات المضرّة بصحة الانسان، إلاّ أنّه لو نظرنا إلى صافي الغازات المنبعثة من البداية للنّهاية، لوجدنا أنّ مشروعات مشاريع تحويل النّفايات إلى طاقة صديقة للبيئة. ونفس الأمر بالنّسبة للسّياحة، ولعلّ أحسن مثال عن ذلك محطّة «مياشيما» في أوساكا في اليابان مثلا، إذ تمّ تحويل المحطّة إلى قطعة فنية ومعلم سياحي يؤمّه السيّاح من كافة أنحاء العالم، الأمر الذي نشّط المنطقة التي فيها المحطّة اقتصاديّاً، مع أنّها في الأصل قبلة سياحية. وبخصوص الفوائد الاقتصادية، فهي كثيرة لا تعد ولا تحصى، أهمّها عوائد بيع الكهرباء والمياه السّاخنة والمعادن (الخردة)، وفي حالة البلدان المنتجة للنّفط والغاز، فإنّ استخدام النّفايات في توليد الكهرباء يعني توفير كميات من النفط والغاز للتّصدير دون أي تكاليف إضافية، واستخدامها في مجالات تدر قيمة مضافة أكبر ممّا لو تمّ حرق النّفط والغاز لتوليد الكهرباء. صادر عن مجلة التنمية المحلية لشهر أوت 2021