أمام تفاقم المشاكل البيئيّة المرتبطة بانبعاث غازات الاٍحتباس الحراري من جهة، و اٍرتفاع أسعار النّفط مع حاجة العديد من الدّول اٍلى ضمان أمنها الطّاقوي من جهة أخرى، ظهرت الطّاقات المتجدّدة لتلعب دور البديل عن الفحم والنّفط الذّي استهلك 50٪ من مخزونه العالمي. و تعدّ الطّاقة الحيويّة من أهمّ أنواع الطّاقات المتجدّدة و تستمدّ أساسا من النباتات و بخاصّة تلك المسمّاة بمحاصيل الطّاقّة. فما أهميّة الطّاقة الحيويّة و محاصيل الطّاقّة في توفير الطّلب المتزايد على الطّاقة عالمياّ ؟ وهل سيعوّض الوقود الحيوي الوقود الأحفوري يوما ما ؟ ثمّ هل للطّاقة الحيويّة و محاصيل الطّاقّة مستقبلا في بلادنا ؟. الواقع والآفاق الطّاقة الحيويّة هي الطاقة المستمدّة من أي وقود صادر عن الكتلة الحيويّة. وتتمثّل الكتلة الحيويّة في أي مادّة عضوية متحللة مشتقة من النباتات أو الحيوانات. وتشمل المحاصيل الزراعية، والخشب، ومحاصيل الطاقة العشبية والخشبية، و النفايات العضوية المنزليّة وكذلك السماد العضوي. و يمكن تحويل الكتلة الحيويّة ضمن ثلاثة تطبيقات تكنولوجية رئيسية لتشكّل (1) الوقود الحيوي، وهو وقود سائل يستعمل للنقل (لسير السيارات والشاحنات والحافلات والطائرات والقطارات). ويعدّ كل من الإيثانول والديزل الحيويين من أنواع الوقود الحيوي الأكثر شيوعا.(2) الكهرباء الحيويّة، وتولّد من حرق الكتلة الحيوية مباشرة، أوبعد تحويلها إلى وقود غازي أو نفط، و أخيرا (3) المنتجات الحيويّة، و هي المنتجات التي تكون عادة مصنوعة من البترول، لكن يمكن أن تصنّع بعد تحويل الكتلة الحيوية إلى مواد كيميائية معيّنة. تساهم حاليّا الطّاقة الحيويّة، حسب بعض المصادر، بنسبة تصل اٍلى 4.13٪ من الطّاقة العالميّة المستعملة، و تخطّط العديد من الدّول لاٍستعمال الوقود المنتج من الكتلة الحيويّة على نطاق أوسع. فالتوجيهات الأوروبيّة لسنة 2003 بشأن الوقود الحيوي طالبت مساهمة طوعية من كل دولة من الدول الأعضاء بحصة 5.75٪ من سوق إنتاج الوقود الحيوي بحلول عام 2010. ويتوقع المختصّون أنّه بحلول عام 2050 سيزداد الطّلب على الطاقة الحيوية ب 5 إلى 10 مرات مما هو عليه حاليا، و هو ما يعادل حوالى 25 30٪ من الطلب المتوقع على الطاقة في العالم عام 2050. وحسب تقرير لأحد خبراء وكالة الطاقة الدولية حول واقع ومستقبل الطاقة الحيوية نشر عام 2011، توفر الكتلة الحيوية حاليا حوالي 1100 مليون طن نفط مكافئ من الطاقة الابتدائية سنويا، منها 190 مليون طن نفط مكافئ في السّنة من الحرارة التجارية والطاقة و 40 مليون طن نفط مكافئ في السّنة من وقود النقل السائل، و تشكّل الكتلة الحيوية التقليدية أكثر من 800 مليون طن نفط مكافئ في السّنة ، و سيزداد استخدام الكتلة الحيوية إلى مستوى 3400 مليون طن نفط مكافئ في السّنة بحلول عام 2050. وستنمو إمدادات الوقود الحيوي العالمي عام 2050. وستزيد حصّة الوقود الحيوي من إجمالي وقود النقل لتنتقل من٪2 حاليا ، إلى 27٪ عام 2050. و كانت من أهمّ توقّعات التقرير إمكانية الوقود الحيوي في تقليل انبعاثات النقل العالمي بنسبة 2.1 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عام 2050. في وثيقة أخرى للجنة التنفيذية للطاقة الحيوية لوكالة الطاقة الدولية بدا التفاؤل أكثرحول المساهمة المحتملة للطاقة الحيوية في الطلب العالمي على الطاقة مستقبلا، حيث تتوقّع أن يصل مجموع الطاقة الكامنة للكتلة الحيوية التي تنتج بطريقة مستدامة إلى مستوى1100 إكساجول بحلول عام 2050 في أفضل السيناريوهات. و قد تكون مساهمة الطاقة الحيوية في إمدادات الطاقة العالميّة في المستقبل بين 20 و 50٪، إعتمادا على مختلف سيناريوهات الطلب على الطاقة. و يشكّل أكثر من إجمالى الاٍنتاج الحالي للزيوت المعدنية في العالم. اٍزرع بذورا ...و احصد بترولا تعرّف محاصيل الطاقّة كتلك “ النباتات التّي تزرع باعتبارها محاصيل منخفضة التكلفة والصّيانة، لاستخدامها لصنع الوقود الحيوي بعد تخميرها، أو لتوليد الكهرباء أو الحرارة بعد اٍحراقها ». وتصنف محاصيل الطاقّة بصفة عامة اٍمّا كنباتات عشبية ، أغلبها من الفصيلة النّجيليّة، و مثال عنها نباتات الذّرة و الدّخن، أو كنباتات خشبيّة و مثال عنها الصّفصاف و الحور. وحسب تقرير أوروبي نشر سنة 2011، عرفت أوروبا عام 2008 زراعة أكثر من 5.5 مليون هكتار بمحاصيل الطاقة خصّصت أكبر حصة منها لقطاع الوقود الحيوي السائل (مقارنة ب 3.7 و 4 مليون هكتار عامي 2006 و 2007، على التوالي). و يعد نبات اللفت من بين محاصيل الطاقة الحيوية الأكثر انتشارا (حوالي 80 -85٪ من إجمالي مساحة محاصيل الطاقة). وتغطي محاصيل عباد الشمس، الذرة، الجاودار والقمح وبنجر السكر مساحات أقل. و تتواجد أكبر المساحات في كل من ألمانيا (تقريبا 60٪ من المساحة الاٍجماليّة لمحاصيل الطاقة في الاتحاد الأوروبي)، فرنسا (أكثر من 25٪) والمملكة المتحدة (8٪). و تتواجد مساحات واسعة في بولندا، جمهورية التشيك، السويد، إسبانيا وإيطاليا. و تستخدم عمليا أغلب هذه المساحات لزراعة محاصيل الوقود الحيوي، و تتم معالجة هذه إلى وقود الديزل الحيوي، ويستخدم الباقي لإنتاج محاصيل الايثانول (11٪)، والغاز الحيوي (7٪)، أما النباتات المعمرة فتذهب في الغالب إلى توليد الكهرباء والحرارة (1٪). و يعتبر مجال »محاصيل الطاقة المتجددة« القطاع الأسرع نموا ضمن الزّراعة البيئيّة في ألمانيا واحتل ما يقارب من 500 ألف هكتار من الأراضي سنة 2006. المحاسن و المساوئ ترتفع الأصوات هنا و هناك، منها المدافع عن الطّاقة الحيويّة و محاصيل الطاقة و منها المنتقد لها. و عدّدت منظّمة الفار في إحدى منشوراتها كلّ من الايجابيات والسّلبيات المحتملة من جرّاء استعمال الطّاقة الحيويّة. و من الجوانب الاٍيجابية المذكورة تنويع الإنتاج الزراعي و تحفيز التنمية الإقتصادية الريفية ممّا يساهم في الحد من الفقر في الأرياف نتيجة لخلق فرص العمل و تطوير البنية التحتية في هذه المناطق، الحد من غازات الاحتباس الحراري، زيادة الاستثمار في استصلاح الأراضي المتدهورة، توفير إيرادات جديدة باستخدام المخلفات الخشبية والزراعية ، الحد من التبعيّة الطاقية و تنويع إمدادات الطاقة، لا سيّما في المناطق الريفية و أخيرا الوصول إلى مصادر الطاقة النظيفة بأسعار معقولة للشركات الصغيرة والمشاريع الريفية المتوسطة. أماّ السلبيات المحتملة لاستعمال الطّاقة الحيويّة، حسب منظّمة الفارو دائما، فتتمثّل في النقص في الإمدادات الغذائية المحلية إذا ما تمّ استبدال المحاصيل الزّراعيّة بمحاصيل الطاقة و ما ينجرّ عنه من اٍرتفاع لأسعار المواد الغذائيّة، التّشجيع على إزالة الغابات لتغطية الاٍحتياجات من الأراضي لزراعة محاصيل الطاقة، ممّا يحدّ من التنوع البيولوجي ويؤدي إلى تدهور النظم الإيكولوجية الغابيّة، زيادة تكاليف إنتاج الوقود، فرض معايير جديدة للمركبات وللبنى التحتية لإنتاج الوقود، إزاحة صغار المزارعين وتركيز ملكية الأراضي والدخل وكذا الآثار السلبية للإنتاج المكثف للمحاصيل الطاقة الحيوية على جودة وخصوبة التربة. الوقود الحيوي على عرش الطّاقة مستقبلا؟ حسب العديد من الدّراسات يعرف إنتاج واستخدام الوقود الحيوي وتيرة نمو جدّ متسارعة. و أضحى الإيثانول المستخرج من قصب السكر الوقود الحيوي الأكثر منافسة للوقود التقليدي في المناطق المدارية. ومن المتوقع في المدى المتوسط، أن يكون الإيثانول والوقود المصنّع من الكتلة الحيوية الخشبية العالية الجودة قادرين على منافسة أسعار النفط الخام ما دون 45 دولارا للبرميل. لكن يواجه اٍنتاج الوقود الحيوي من محاصيل الطّاقة معضلة أساسيّة تتمثّل في توفّر الأراضي الصالحة للزراعة. فعلى سبيل المثال، لاستبدال 25٪ من الطاقة المنتجة من الوقود الأحفوري المستخدم في النقل بالطاقة المولّدة من الوقود الحيوي السائل يجب أن يوفّر 430 مليون هكتار لقصب السكر - أي 17٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، و5 مليار هكتار لفول الصويا أي 200٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، فمن غير الواقعي أن يعتقد أنه من الممكن للوقود الحيوي أن يحل تماما محل الوقود الأحفوري. لذلك يجب النظر اٍلى الوقود الحيوي كمصدر للطاقة التي ينبغي دائما أن تستخدم في تركيبة مع المصادر الآخرى للطّاقة. وحسب تقريرلشركة أكسن موبيل نشر سنة 2013 حول الطاقة آفاق 2040، سيبقى النفط أكبر مصدر للطاقة إلى 2040، بتزايد مقداره 25٪. كما سوف ينمو الغاز الطّبيعي بشكل أسرع من أي مصدر آخر للوقود ، مع نسبة طلب تصل اٍلى 65٪ بحلول عام 2040. وسيلعب كل من النفط والغاز الطبيعي والفحم دورا رئيسيا في إمدادات الطاقة على المدى الطويل لتوفر ما يقرب من 80٪ من إجمالي الطاقة العالمية بحلول عام 2040. وحسب نفس التّقرير، سيشهد قطاع الطّاقات المتجدّدة المتمثّلة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي نمواّ كبيرا. فهذه الأنواع الثلاثة من الوقود تنمو بسرعة ليزداد الطلب عليها آفاق 2040 بأكثر من خمسة أضعاف عن مستوى عام 2010. ومع ذلك، بحلول عام 2040، سوف تشكل فقط 3 إلى 4٪ من إجمالي الطاقة العالميّة، وهناك حاجة إلى المزيد من التقدم في التكنولوجيا لزيادة الجدوى والاقتصادية المرتبطة بتطوير هذه الموارد. بمساحة زراعيّة تقدّر ب 8.4 مليون هكتار تعدّ الجزائر من البلدان التّي تفتقر للأراضي الزّراعيّة حيث لا يتعدّى نصيب الفرد منها أكثر من 0.2 هكتار، ناهيك عن قلّة الموارد المائيّة و تذبذبها. لذلك لا يمكن للجزائر أن تتنازل عن مساحاتها الزّراعيّة لحساب محاصيل الطّاقة. ومع ذلك يمكن للجزائر أن تفكّر في تحويل مجموعة متنوعة من النفايات الزّراعيّة و الصّناعيّة كالمخلفات الزراعية والمنزليّة، ونفايات الصناعات الغذائية، و مخلّفات صناعة الورق، و غيرها من أنواع الكتلة الحيويّة إلى وقود حيوي كالاٍثانول، و الأسيتون بيوتانول و الغاز الحيوي. فيمكن للجزائر أن تستثمر في الوقود الحيوي من الجيل الثاني كبديل جيد للطاقة خاصّة في المناطق الريفية. ويتم إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الثاني من الأجزاء غير الصالحة للأكل من النباتات (القش، الخشب، النفايات الخضراء)، وعلى عكس الوقود الحيوي من الجيل الأول فاٍنّه لا يمسّ بالمحاصيل الزّراعيّة، كما يمكن التّفكير في إنتاج الوقود الحيوي من الطحالب، التّي يشار إليها أحيانا باسم الوقود الحيوي من الجيل الثالث، فالكتلة الحيوية للطحالب قليلة الاٍستخدام ولا تتنافس مع المحاصيل على الأراضي الصالحة للزراعة والمياه العذبة.