أكدت الجزائر، أنها شريك «جاد» و»موثوق»، ولا يمارس دبلوماسية الابتزاز والصفقات، كما هو حال بعض دول المنطقة المتوسطية. وفيما تستعد أوروبا لشتاء قاسٍ، جراء نقص مخزونات الطاقة، جددت التزاماتها بتلبية حاجيات إسبانيا والبرتغال من الغاز الطبيعي «حصرا»، عبر أنبوب ميدغاز. غادر وزير خارجية إسبانيا، خوسيه مانويل ألباراس بوينو، والوفد المرافق له، الجزائر، «مطمئنا» بشأن ضمان تزويد بلاده بالكمية المطلوبة من الغاز الطبيعي والتي ستفوق 11 مليار متر مكعب. الوزير الإسباني، الذي أسندت له حقيبة الدبلوماسية الإسبانية، عقب تعرّض بلاده لابتزاز غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية، استخدم فيه الأطفال القصّر كمهاجرين من طرف المغرب، وقف بنفسه على مستقبل الشراكة الاستراتيجية مع بلد لازال متمسكا بمكانته كأحد القلاع الحصينة لدبلوماسية المبادئ في الساحة الدولية. وبدا موقف خوسيه مانويل ألباراس بوينو، مشابها إلى حد ما، لما عاشته سابقته أرانتاشا غونزاليز، التي تصدت بشجاعة وثبات للحملة الشنيعة التي طالتها من قبل أجهزة الدعاية المغربية، على خلفية استقبال الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي للعلاج في أحد المستشفيات الإسبانية قبل أشهر. إذ أن النظرة الحزبية النمطية، التي لطالما وضعت الجزائر في مربع الصراع المزمن مع المملكة المغربية، أو تلك التي تربطها مباشرة بقضية الصحراء الغربية، سرعان ما تغرق في قاع المتوسط، عقب الوقوف الشخصي والمباشر على التعاطي «المسؤول» «والجاد» للدولة الجزائرية مع الملفات الثنائية. وسبق لغونزاليز، أن تفطنت، العام الماضي، لحجم الدعاية المهولة التي روّجتها وسائل إعلام إسبانية ومغربية، عما زعم أنها مشكلة حدود بحرية بين البلدين، لتتفاجأ بأن الجزائر ليست لها أية أطماع في أية جزيرة من جزر إسبانيا، وأنها منفتحة كليا على حوار ومفاوضات هادئة ملؤها الاحترام المتبادل قصد ترسيم الحدود وفق مقتضيات القانون الدولي. ولعل خوسي مانويل ألباراس بوينو، قد وقف على وضع مشابه بشأن إمدادات الغاز الجزائري لشبه الجزيرة الإيبيرية، عبر خط ميدغاز. فمئات القصاصات الإعلامية التي حاولت ربط مصير إسبانيا بقرار الجزائر عدم تجديد عقد أنبوب الغاز «المغربي العربي- أوروبا»، الذي يعبر الأراضي المغربية، ظهرت فعلا أنها مجرد قصاصات تستخدم كضمادات مؤقتة لتسكين ألم كبير وقاس منتظر، ابتداء من 01 نوفمبر المقبل. وعقب لقائه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خرج وزير الخارجية الإسباني، بتصريح يؤكد فيه أن «الجزائر تعتبر شريكا اقتصاديا من الدرجة الأولى بالنسبة لإسبانيا». وأنها «كانت دائما شريكا موثوق يفي بالتزاماته». ليؤكد أنه «شعر بالاطمئنان بشأن استمرار التموين (بالمحروقات)». ويكون الوزير، قد أيقن مدى التزام الجزائر بضمان تزويد احتياجات إسبانيا -ومعها البرتغال- من الغاز الطبيعي، عبر أنبوب ميدغاز الذي يربط سواحل بني صاف بولاية عين تموشنت بألميريا الإسبانية، وأنه لم تعد هناك حاجة للاعتماد مجددا على الخط الذي يعبر الأراضي المغربية. ثبات الجزائر على هكذا التزام، في وقت حلت دبلوماسية «الصفقات» التي جاء بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، محل دبلوماسية المبادئ والأعراف الدولية لدى كثير من الدول، يظهر، من دون شك، أهمية الجزائر بالنسبة للمنطقة ككل. كما تأتي التطمينات الجزائرية، في وقت بلغت أسعار الغاز مستويات تاريخية، أمس، حيث ناهزت قيمة 1000 متر مكعب من الغاز 1200 دولار أمريكي. وتعاني دول أوروبية، من بينها إسبانيا، من تراجع كبير في مخزونات الطاقة. ووجهت وسائل إعلام إسبانية، قبل أيام، انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء بيدرو سانشيز، بسبب تقليص واردات بلاده من الغاز الجزائري بأكثر من النصف بين سنتي 2018 و2020، وتفضيل الغاز الأمريكي. وعقب تراجع الطرف الأمريكي، وجدت مدريد في الجزائر، الشريك الصادق والمسؤول، على الرغم من حملات إعلامية مسعورة شنت على الغاز الجزائري خلال تلك الفترة، استهدفت العقود طويلة الأمد، وروجت لأنبوب غاز وهمي بين نيجيريا والمغرب، والهدف من كل ذلك ضرب مستقبل الغاز الجزائري.