سيكون للجواز الصحي في 2022 دورا محوريا لتحفيز حملة التلقيح في الجزائر ورفع نسبتها للوصول إلى المناعة المجتمعية المنشودة لتحقيق التعايش السليم والصحيح مع الفيروس، وأكد مختصون ضرورة تكثيف حملات التحسيس والتوعية لمواجهة التيار العالمي الرافض للتلقيح، وكذا الإشاعات المروجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لإقناع المواطن باللقاح كدرع حماية فعال ضد الوباء. فيما ينتهي اليوم التمديد الخامس لرفع إجراءات الحجر الصحي في الجزائر، ينتظر المختصون اتخاذ إجراءات جديدة تتلاءم مع المعطيات الوبائية في الجزائر خاصة وان بعض الولايات الكبرى تعرف تزايدا مقلقا في عدد الإصابات فيما تعيش أخرى وضعا وبائيا مستقرا بعد دخولها الموجة الرابعة من وباء كورونا، حيث بلغ عدد المتواجدين في المستشفيات 4 ألاف مصاب بعدوى فيروس كورونا. الجواز الصحي الخطوة الأهم بعد الحجر الصحي التام ثم المشدد فالمخفف، وصولا الى رفع إجراءات الحجر الصحي والمنزلي، أخذت الجزائر خطوة مهمة في استراتيجية مجابهتها لوباء يشارف على بداية سنته الثالثة، حيث أعلنت رئاسة الحكومة في ال 25 ديسمبر الماضي تمديدها الخامس لرفع تدابير الحجر الصحي، واتخاذها جملة من الإجراءات لتحفيز وحث المواطنين على التلقيح تصب في مجملها على تكثيف عمليات تلقيح الموظفين بالهيئات العمومية وأسلاك الإدارات، وأيضا قطاعات الخدمات والتجارة. وكان استحداثها لجواز صحي للتلقيح كشرط أساسي لدخول بعض الفضاءات العامة إجراء مهما وفارقا، ويتعلق الأمر في المرحلة الأولى بالملاعب وأماكن إجراء التظاهرات والمنافسات الرياضية، قاعات الرياضة والمنشآت الرياضية والمسابح، الفضاءات والأماكن التي تحتضن لقاءات ومؤتمرات وندوات، قاعات السينما، والمسارح، والمتاحف، وفضاءات وأماكن العروض، وفضاءات وأماكن إجراء الاحتفالات والتظاهرات ذات الطابع الوطني والمحلي، القاعات، والصالونات والمعارض، قاعات الحفلات والحمامات. مع تمديد إجراء اشتراط جواز التلقيح للدخول والخروج من التراب الوطني، وكذا الإبقاء على إلزامية الارتداء الإجباري للقناع الواقي والتباعد الجسدي اللذان يعتبران أهم الإجراءات الوقائية التي يوصي بها المختصون والخبراء، لتخوض الجزائر بذلك مع بداية السنة الجديدة معركة أخرى في حربها ضد كوفيد -19 عنوانها «اللقاح .. آمن وفعّال». أخاموك: وضع وبائي مقلق أكد عضو اللجنة العلمية لمتابعة ورصد فيروس كورونا الدكتور إلياس أخاموك في اتصال مع «الشعب» ان الجزائر تعيش بداية الموجة الرابعة بعد تجاوز عدد الإصابات اليومية عتبة ال 40 حالة في اليوم الواحد، واصفا الوضع الوبائي بالمقلق فمع دخول المتحور الجديد «أوميكرون» الجزائر سيكون أخذه مكان المتحور «دلتا» مسألة وقت فقط، ما يصعب على المختصين والخبراء تحديد موعد ذروة هذه الموجة مهمة صعبة، بسبب تزامن انتشار المتحورين «دلتا» مع «أوميكرون». في الوقت نفسه، اعتبر المتحدث ان أهم عامل مقلق في رابع موجة لوباء كورونا في الجزائر ضعف نسبة التلقيح، ولاحظ ان الجزائر في العام الماضي كان بمقدورها مقارنة نفسها مع بلدان أخرى لكن إجراء المقارنة اليوم أصبح مستحيلا بعد بلوغ تلك الدول نسبة تلقيح تفوق ال 75 بالمائة، بينما بقيت حملة التطعيم في الجزائر تسير بوتيرة بطيئة. وعن ضعف الإقبال على حملة التلقيح التي تشارف على إنهاء سنتها الأولى بعد انطلاقها أواخر شهر جانفي من السنة الماضية، قال اخاموك إن الأخبار المغلوطة المنتشرة عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في عدم بلوغها الهدف المنشود أي بلوغ مناعة مجتمعية تساوي أو تجاوز ال 70 بالمائة، إلى جانب التقديرات الخاطئة لبعض الأطباء الذين أعلنوا نهاية الوباء وعدم حدوث موجة رابعة بالرغم من التحذيرات المتكررة والمتواصلة للمختصين. ويرى عضو اللجنة العلمية لمتابعة ورصد فيروس كورونا، أن تطبيق جواز التلقيح أو الجواز الصحي في الجزائر جاء متأخرا، لأنه السبيل الوحيد والاهم لتحفيز المواطنين على الذهاب الى مراكز التلقيح من أجل أخذ جرعة الحماية، مذكرا بأنه سيكون أحد أهم العوامل المساهمة في رفع نسبة التلقيح في سنة 2022، خاصة إذا علمنا أن بلدا مثل فرنسا اعتمدت في البداية الجواز الصحي ثم جواز التلقيح الإجباري لدخول بعض المرافق العامة، لذلك سيكون الرهان عليه من أجل بلوغ المناعة المجتمعية المنشودة. وتأسف الدكتور في خضم حديثه الى «الشعب»، لارتباط ارتفاع الاقبال على التلقيح بارتفاع عدد الإصابات أو بلوغ الموجة الذروة، كما رأينا في الموجة السابقة لأنه إقبال متأخر، فالأصل التلقيح لمنع ارتفاع عدد الحالات المستعصية من الوباء التي تكون بحاجة إلى استشفاء أو العناية المشددة أو المركزة أي التخفيف من الأعراض الحادة للإصابة بالفيروس، وكذا التخفيف من قوة الموجة وخطورتها. وعن توقعاته للإجراءات التي سيتم اتخاذها اليوم بعد انقضاء المدة التي حددت ب 10 أيام مدد فيها إجراء رفع الحجر الصحي، أكد أخاموك أنه مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد الإصابات اليومية غير مرتفع كثيرا، بالإضافة إلى أن الولايات الكبرى هي التي تعرف تصاعدا في عدد الإصابات ما يجعل وضعها الوبائي صعبا بينما توجد أخرى في وضع وبائي مستقرة وتعيش أريحية، استبعد العودة إلى الحجر الصحي التام، لأن الجزائر بعد ثلاث موجات سابقة استطاعت بلورة تجربة مهمة في مجال مكافحة الوباء. ولم يستبعد اللجوء إلى حجر جزئي على الولايات التي تعيش وضعا وبائيا صعبا أو حتى دائرة أو بلدية، مسجلا في نفس الوقت انه بالنظر الى التجارب السابقة من الضروري معرفة الوضع الوبائي لكل ولاية لاتخاذ القرارات المناسبة بحسب المعطيات الوبائية الآنية لكل واحدة منها. وعن التحقيقات الوبائية، قال اخاموك إن اللجنة العلمية لا تعتمد فقط على الإصابات اليومية لتحديد الوضع الوبائي، بل تعتمد أكثر على عدد الأسرة المشغولة في المستشفيات بصفة أخص تلك المشغولة في مصالح الإنعاش، في ذات السياق، أكد أن عددها في الفترة الحالية تجاوز ال4 آلاف مصاب بفيروس كورونا في المستشفيات، مذكرا انه في الموجة الثالثة وصل عددها إلى 17 ألف مريض بالفيروس يعالجون بمختلف مستشفيات الوطن في وقت واحد، بالإضافة إلى عامل تناول الأدوية واقتنائها من الصيدليات واستهلاك الأوكسجين الطبي، فهي -بحسبه- كلها معايير تعطي اللجنة العلمية الحالة الوبائية بدقة، لكن التحقيقات الوبائية يجب ان تكون بصفة دائمة، لأنها تساعد على اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب. وعن توفر أدوية البروتوكول العلاجي المعتمد لعلاج فيروس كورونا، أوضح اخاموك أنها متوفرة ولا تعرف أي ندرة سواء تعلق الأمر بمضادات تخثر الدم أو المضادات الحيوية، فالنقص الحاصل يكون فقط في الوقت الفاصل بين إرسال الأدوية من الصيدلية المركزية ووصولها إلى الوجهة المعنية باقتنائها. في ذات السياق ولتحفيز المواطنين للذهاب الى مراكز التلقيح، قال الدكتور بضرورة مشاركة كل القطاعات في تطبيق الجواز الصحي، كما يجب تطبيق ارسالية الوزير الأول المتعلقة به بحذافيرها وبصرامة تامة، ايضا علينا كمختصين ان نستمر في حملات التوعية والتحسيس بشرح مدى أهمية اللقاح للمواطنين. ففي الولاياتالمتحدة مثلا سجلت مصالحها مليون حالة إصابة في 24 ساعة أما الوفيات فهي 1700 وفاة، بينما كانت في فيفري الماضي قبل انطلاق حملة التلقيح سجلت 250 ألف إصابة في اليوم الواحد و3800 حالة وفاة، مرجعا سبب انخفاض عدد الوفيات فيها الى التلقيح، وفي فرنسا أيضا نجد نسبة الوفيات هي 1 في الألف أي في 200 ألف حالة إصابة سجلوا 162 حالة وفاة، لهذا لا يجب ان يقارن الجزائري نفسه مع الدول الأخرى فبالرغم من ارتفاع عدد الإصابات فيها إلا ان الوضع الصحي فيها مستقر، بسبب الفارق بيننا وبينهم في نسبة التلقيح، لذلك «كان من الضروري ان نُقنع المواطن ان التلقيح آمن وفعّال». ملهاق: قبول حذر وصف الباحث في علم الفيروسات والبيولوجي السابق في مخابر التحاليل الطبية الدكتور محمد ملهاق في اتصال مع «الشعب»، وتيرة الوضع الوبائي في الجزائر بالمتسارعة بعد تجاوزها ال 400 إصابة في ال 24 ساعة، مع الأخذ بعين الاعتبار الحالات غير المسجلة فتزامن الوباء مع فصل ازدهار الفيروسات الشتوية، يجعل الكثير من الأفراد يشخص حالته عند ظهور الأعراض على أنها زكام أو رشح، ما يؤدي الى امتناعهم عن الذهاب إلى الطبيب أو إجراء اختبار «بي سي آر». فإذا أخذنا في الحسبان تزايد حالات الاستشفاء في المستشفيات التي تعرف ارتفاعا في عدد مرضى فيروس كورونا، نستطيع القول انه مؤشر مهم لدخول الموجة الرابعة حيث تعرف تزايدا مستمرا في عدد الإصابات الجديدة، في الوقت نفسه اعتبر ارتفاع عدد الوفيات إلى 8 في اليوم الواحد مؤشر خطورة، يعكس وضعا وبائيا مقلقا في الجزائر، مؤكدا تأخر موعد ذروة الموجة بالنظر الى حالة التراخي اتجاه الإجراءات الوقائية، لأن عدم الالتزام بإجراءات الوقاية سيؤدي الى ارتفاع مستمر لعدد الإصابات الجديدة، مضيفا ان ضعف نسبة التلقيح مؤشر مهم لانتشار أكبر لفيروس كورونا. أما فيما يتعلق بالمتحور الجديد، كشف المتحدث انه إلى حد الآن المتحور «دلتا» المسيطر هو المسيطر على الوضع الوبائي، لكن من المحتمل ان يصبح «أوميكرون» المتحور رقم واحد في الأيام القادمة، وهنا تحفظ ملهاق على نتائج الاختبارات الأولية التي اكدت على انه أقل خطورة من «دلتا»، لأن المختصين الى غاية اليوم لم يحددوا بعد ان كانت النسبة المرتفعة للمناعة المجتمعية في الدول التي تعرف انتشارا للمتحور الجديد هي السبب الأول في الحد من خطورته، لأن اللقاح يقلل من الأعراض الحادة، أم انه حقيقة متحور غير خطير، في انتظار الإجابة على هذا السؤال سيجعلنا انتشاره في بلدان ذات مناعة مجتمعية مرتفعة تفوق ال70 بالمائة نتحفظ على «عدم خطورته» وقبول النتائج بحذر. وفي تقييمه لحملة التلقيح، قال الدكتور إنها لم تبلغ الهدف المنشود في بلوغ المناعة المجتمعية المسطرة، مرجعا ضعف الاقبال الى عدة أسباب من بينها وجود تيار عالمي مناهض أو رافض للتلقيح، فبعد الاقبال الكبير على مراكز التلقيح في الموجة الثالثة تراجعت بعد رفع إجراءات الحجر الصحي حيث يوجد 6 ملايين لم يأخذوا بعد الجرعة الثانية من اللقاح، حيث أعطت إجراءات رفع الحجر الصحي شعورا بالاطمئنان للناس وان الوضع الوبائي مستقر ولا خوف من الفيروس. بالإضافة الى الشائعات التي انتشرت حول الاثار الجانبية للقاح في كونه مثلا يسبب العقم للرجال أو النساء أو ان الموت سيكون نهاية الملقح بعد سنتين، فأي شاب يفضل عدم المغامرة بالتلقيح خوفا من هذا الأثر على صحته، وبالرغم من انها مجرد خرافات لا أساس علمي لها لا يقبلها المنطق، تبقى احدى الأسباب المهمة المساهمة في ضعف الاقبال على التلقيح بالرغم من التحذيرات المستمرة للمختصين الذي أكدوا ان الفيروس يتراجع لكنه يعود لتوهج من جديد. وأكد ملهاق ضرورة مواصلة حملة التلقيح وعدم الركون الى فرضية أو توقعات بعض المختصين باكتساب مناعة مجتمعية بعد انتشار «اوميكرون» خاصة مع وجود فرضية ظهور متحورات أخرى في بلدان مختلفة، لذلك فمن المهم اخذ جرعة اللقاح، لأنها نفسها لكل شخص بينما الإصابة نسبتها مختلفة من شخص الى آخر لذلك لا يمكن الاعتماد على انتشار المتحور الجديد لاكتساب مناعة القطيع، لا بد من استمرار في حملات التحسيس والتوعية وكسر جدار الخوف لتحفيز المواطنين على التلقيح. وشدد على أهمية اعتماد الجواز الصحي في الحدود لمنع دخول المتحورات الجديد بالإضافة الى الأماكن العامة المغلقة، مع تحديد الأماكن والإمكانيات المرصودة لهذا، وأي الأماكن التي يجب فرض فيها الجواز الصحي وأي الإمكانيات المتوفرة للرقابة. وعن أكبر تحديات الازمة الصحية في 2022، قال الدكتور انها سنبقى كوفيد-19، حيث حذرت منظمة الصحة العالمية من امكانية ظهور امراض مستجدة (emergant) ذات أساس فيروسي، كاشفا في الوقت نفسه ان كل المعلومات الموجودة تتمحور حول كوفيد 19، مؤكدا بلوغ الجزائر المناعة المجتمعية في هذه السنة مع تحول فيروس كورونا الى فيروس عادي.