استطاعت الدبلوماسية الجزائرية في العامين الأخيرين تحقيق وثبة نوعية، ترجمتها مساعيها الحثيثة لحل القضايا الإقليمية والدولية الشائكة، عبرت عنه أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر3 الدكتورة نبيلة بن يحي ب»نضج وحكامة دبلوماسية يثق فيها الجميع»، جعل الجزائر محل ثقة الجميع في بعدها الإفريقي، الإقليمي، العربي والدولي، لمرافعتها الدائمة من أجل الحوار والحل السياسي وثباتها على مدى عقود كاملة على مواقفها الرافضة للتدخل الأجنبي، ومناصرتها القوية للقضايا العادلة في العالم. أكدت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر3 الدكتورة نبيلة بن يحي في اتصال مع «الشعب» تفرد الجزائر بهوية وسط جموع الدول العربية والمتوسطية وحتى العالم فيما يتعلق بمناصرتها ومرافعتها حول القضايا العادلة، بحكم مسارها التاريخي أو إحداث تاريخية تميّزت بها الجزائر من المقاومة الشعبية إلى الثورة التحريرية، حيث كانت ميزة حفزت الكثير من حركات التحرر على المستوى العالمي، لذلك تعتبر مناصرة القضايا العادلة جزء من الهوية السياسية والتاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية للجزائر دولة وشعبا خاصة ونحن اليوم نعيش مجموعة من التحديات والرهانات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. وقالت الدكتورة إنّ الجزائر تحاول في خضم هذه الرهانات والتحديات صنع الحدث السياسي والاقتصادي بسعيها اليوم إلى تنويع شركائها الاقتصاديين، وتثبيت القفزة الاقتصادية من خلال الاستثمار الداخلي والخارجي، لكن وفق الحدود والمنظور الذي تراه ملائما، أضف إلى ذلك أنّ لها العديد من الشركاء والحلفاء في إطار التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف. في هذا السياق، أوضحت المتحدثة البعد الاستراتيجي للجزائر في القارة السمراء من خلال الاتحاد الإفريقي، حيث كانت رؤيتها واضحة وجلية بالنسبة للعام والخاص، وللشركاء الدوليين الفاعلين على مستوى الأممالمتحدة، هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن والجمعية العامة وكذلك بالنسبة للمنظمات الإقليمية من بينها الاتحاد الأوروبي وكذلك الجامعة العربية. وعن الرؤية الجزائرية فيما يتعلق بحل النزاعات، أشارت بن يحي إلى أنّ الجزائر ترى أنه أياً كان النزاع لا بد من تفعيل مقاربة الحوار بين الفرقاء في أي دولة كانت، مع وجوب أن يكون الحل داخلها، لأن الجزائر دوما ترافع لصالح عدم التدخل الأجنبي، ورؤيتها واضحة للجميع في هذا الموضوع، أما بالنسبة لقضية الإرهاب فالجزائر كانت دائما ترفض دفع الفدية للمجموعات الإجرامية سواء في الساحل الإفريقي أو في نقاط جغرافية أخرى. في ذات السياق، كشفت المختصة أنّ الجزائر أمام تحديات متشعبة ومتداخلة لكن يمكنها تحقيق هذه القفزة النوعية تثمنها بان تكون كمية، خاصة في رؤيا اقتصادية واعدة وفق الإمكانات التي تملكها الجزائر، من ثروات طبيعية ورأسمال بشري قوي ومؤهل لأن يجلب الاستثمار ويصنع قاعدة اقتصادية من الجزائر إلى كل قارات العالم، بدء من القارات التي تقترب منها جغرافيا، سواء تعلق الأمر بإفريقيا أو الدول الأوربية وبعض الدول الآسيوية بالتحديد المنطقة العربية. وترى أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية وجود رؤية صائبة بأجندات واضحة حددتها الدولة الجزائرية بكفاءتها، ما سيحقق هذه القفزة على جميع المستويات، مرجحة في نفس الوقت المستوى الاقتصادي الذي ستجذبه كل الأبعاد بما فيها استقرار الوضع السياسي والوضع الذي سيجره الاستقرار في الوضع الاجتماعي، حيث يكون فيه على الأقل نوع من الراحة النفسية للتأسيس والتأصيل لهذه القفزة النوعية التي يطمح إليها الشعب وتريدها الدولة الجزائرية. تحركات حثيثة لاحظت بن يحيى أنّ الدبلوماسية الجزائرية، في السنتين الأخيريتين، وبالتحديد في 2022، عرفت بعثا نوعيا في معالجتها للعديد من القضايا من بينها المعضلة الليبية، حيث كانت من الأولى والسباقة للدعوة إلى حل ليبي ليبي، وكانت من الدول التي اجتمعت في دول الجوار كلها من أجل المعضلة الليبية، مؤكدة دائما أن الحل يكمن في التعجيل بالانتخابات سواء كانت تشريعية أو رئاسية، وليبيا اليوم تسعى وفق هذه المقاربة التي أسستها الجزائر، منذ الأزمة الليبية 2011. ونفس الشيء فيما يتعلق بالتطبيع الذي تبنته بعض دول الجوار، فالجزائر رؤيتها كانت دائما واضحة فيما يخص الاحتلال الصهيوني لفلسطين جغرافية وشعبا وتاريخا، هذا الكيان الصهيوني الذي حاولت بعض الدول الإفريقية بشكل فردي أن يكون عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي، لكن نتيجة الحركة الدبلوماسية الحثيثة من طرف وزير الخارجية ومن خلال الأجندة التي إرادتها الدولة الجزائرية بتثمين هذه الدبلوماسية التي لها تاريخ حقيقي وواقعي وقوي جدا في مناصرة القضايا العادلة من ضمنها القضية الفلسطينية، تم تعليق عضوية الكيان الصهيوني في الاتحاد الإفريقي، وهذا تثمين مهم جدا للدبلوماسية الجزائرية. وكذلك الأمر بالنسبة لأزمة مالي، فبعض دول غرب إفريقيا اليوم تشهد انتفاضة ضد الوجود الفرنسي، حيث أكدت الدولة الجزائرية أن أي تدخل أجنبي بالأخص العسكري له عواقب وتعقيدات جيو-إستراتيجية تؤثر على تلك الدول، وهو ما حدث بالنسبة لليبيا ومالي، مقاربة الجزائر هي دوما ضمن لوائح الأممالمتحدة في تثمينها للأمن والسلم الدوليين، وإقرارها للحوار السياسي في تثبيتها في أن يكون الحل داخل تلك الدول دون أن يتم تدويل قضاياها. في نفس الإطار، أكدت الدكتورة وجود ثقة كبيرة جدا للدبلوماسية الجزائرية سواء كانوا الإخوة الأفارقة أو الأشقاء العرب أو الشركاء الأجانب سواء تعلق الأمر بالمجتمع الغربي أو بالنسبة للمجتمع الآسيوي في شقيه الروسي أو الصين. «هناك فعلا نضج وحكامة راشدة دبلوماسية يثق فيها الجميع مؤسس من خلال مسار الحركة الدبلوماسية الجزائرية» هكذا وصفت بن يحي الدبلوماسية الجزائرية ومساعيها الحثيثة على المستوى الإقليمي والدولي، وقالت إنّ الواقع يؤكد على قوة وحكمة الدبلوماسية الجزائرية من خلال هذه القضايا المطروحة حاليا، طبعا ما زالت غير محلولة بالصورة التي تدعو إليها الجزائر، لكن يبقى أن الكل بعد مسار من الأخطاء يرجعون كلهم إلى تبني الرؤية الجزائرية لتثمين وتثبيت العملية السياسية التي تتشكل من خلال الحوار السياسي والعملية سياسية، في إطار تحقيق الأمن والاستقرار من خلال الانتخابات، بالنسبة لليبيا وبعض الدول الإفريقية، لذلك تؤكد الدكتورة في حديثها إلى «الشعب» نجاح مسعى الدبلوماسية الجزائرية إلى حد كبير، لتقدم بذلك قيمة مضافة أخرى للدولة الجزائرية والشعب الجزائري في نضجه السياسي ورؤيته العميقة والحكيمة. قمة العربية ليست كسابقاتها لن تخرج القمة العربية عن هذا السياق، حيث صرحت المختصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية أنّ الجزائر لا تسعى إلى انعقاد القمة وحسب، وإنما تراهن على نجاحها وعلى إيجاد الحلول للقضايا من ضمنها رجوع سوريا إلى الصف العربي وكذلك عودة القضية الفلسطينية إلى الأجندات العربية إلى جانب حلحلة الأزمة الليبية، أضف إلى ذلك أن «لا أقول إجماع عربي شامل ولكن على الأقل أن تأخذ هذه القمة النقاط التي تشترك فيها جموع هذه الدولة لتتحول إلى نتائج تؤسس لان تكون هذه القمة ليست كسابقاته» التي كانت تنعقد لتنتهي بتوصيات ولوائح ختامية وحسب. تسعى الجزائر لأن تؤسس هذه القمة لرؤية عربية تثمّن القضايا الشائكة الموجودة بالوصول إلى أدني الحلول التي تجمع بين الدول العربية، حتى لا تزيد الدول العربية تفتيتا وانشقاقا، وانقساما، لأن اليوم نعيش عصر التكتلات وكلما كان التكتل قويا كلما كانت الحلول أنسب وواقعية، مؤكدة أن التكتل لا يعني الاتفاق، لأن الاختلاف هو جزء من مرونة الحياة السياسية لصعوبة الوصول إلى اتفاق شامل. وهو نفس ما نجده في الاتحاد الأوربي والاتحادات الأخرى، فبالرغم من اختلاف الأنظمة السياسية ونهجهم داخل دولهم، لكنهم استطاعوا التأسيس لمنظومة تكاملية في صالح هذه الدول، ولما لا تكون هذه القمة العربية جامعة للدول العربية مؤسسة لقاعدة استثمارية سواء تعلق الأمر بالمجال الاقتصادي أو بأن تكون انطلاقة لحلول سياسية لبعض الدول العربية من ضمنها ما تعيشه اليوم اليمن، سوريا، العراق، لبنان، لذلك يمكن القول إن الرهان الذي تريد تحقيقه الجزائر من خلال هذه القمة هو إنجاحها والخروج بحلول رشيدة وواقعية.