الرّغبة في التّجريب أو التّقليد طريق نحو الإدمان التّواصل والحوار الوسيلة الأنجع لاسترجاع الطّفل المدمن هزّات ارتدادية عنيفة سيكون على المجتمع انتظارها بعد انتشار ظاهرة المخدرات في الوسط المدرسي، فمن محيط يضع فيه التلميذ خطواته الأولى نحو المستقبل تكون مهمته الوحيدة فيه الدراسة، تحوّل الى وسط يُسيل لعاب شبكات الاتجار بالمخدرات ليكون خيارهم للترويج لتناولها، وحوش يتربحون من تجارة غير شرعية يستغلون فيها قلة وعي القصر، وعدم استقرار ظروفهم الاسرية والاجتماعية لسحبهم باسم «الاهتمام» نحو الموت والهلاك. لم تثنهم براءتهم ولا صغر سنهم عن توريطهم في الترويج واستهلاك المخدرات، في استقالة تامة للمجتمع من خلال أسرة فقدت أبجديات التواصل والحوار مع أبنائها، لذلك لن يكون الحل سهلا بل مدروسا وموجّها تتضافر فيه جهود الجميع باتخاذ كل التدابير الوقائية اللازمة لحماية أبنائنا من الوقوع هوّة «السم القاتل». لا يخلو المجتمع من قصص أطفال ولجوا عالم المخدرات والادمان في سن المراهقة كان من المفروض استغلاله في الدراسة، وتكوين شخصية تسمح لهم بمواصلة وضع أولى خطوات النجاح، لكن في محيط مؤسسات تربوية ضاعوا داخل متاهة مفتاحها صديق سوء استغل غفلة الآباء عن أبنائهم لاستدراجهم إلى استهلاك أو ترويج المخدرات، تنقل «الشعب» تفاصيل بعضها. «جهيد» متمدرس في الطور المتوسط لم يتجاوز عمره ال 15 سنة، كانت حياته طوال السنوات السابقة عادية وطبيعية زادها تفوقه الدراسي تميزا، لكن وفي لحظة قرار انفصال والديه انقلبت راسا على عقب، بدأت بانتقال والدته الى بيت والديها لتعود اليه مطلقة بعدما خرجت منه عروسا بالزغاريد والافراح، عادت لتجد امامها صدا ورفضا اجتماعيا اضطرها الى الخروج مرة أخرى برفقة ابنها الوحيد لكراء شقة تعيش فيها مع فلذة كبدها في أحد الأحياء الشعبية، وبالرغم من انها طبيبة وطليقها محافظ حسابات إلا أن «جهيد» بقي وحيدا في مجتمع فقد قيمه الإنسانية بعد انفتاح صادم على العالم. في زوبعة الطّلاق والانفصال وجد «جهيد» في أحد زملائه الصديق والرفيق الذي سانده وساعده على تجاوز محنته بطريقة سهلة، لم تتطلّب منه سوى قبول ابتلاع قرص صغير ليشعر بسعادة مفرطة كان قد افتقدها منذ مدة طويلة، فكانت المهلوسات اول ما «تذوقه» في عالم الإدمان، لكن بعد فترة ولأن زميله «محب للخير» بدأ يحفّزه على تناول أنواع أخرى من المخدرات انتهت بانتقاله من الاستهلاك الى الترويج لها في إطار شبكة منظمة تستغل القصر لإبعاد الشبهة عن تجارتهم غير المشروعة. استطاعت والدته الطبيبة من خلال ممارستها المهنية اكتشاف إدمان ولدها، فكان أول رد فعلها الاتصال بطليقها الذي حمّلها المسؤولية واستغل الأمر لرفع قضية لسحب الحضانة منها، وبالفعل حكم القاضي للاب بالحضانة، فبعد تحصله على الحضانة وضع ابنه في خانة الإهمال فكان الأهم بالنسبة له توفير المال له، ليعود «جهيد» بعد تداويه من الإدمان الى زميله ليساعده في الهروب من واقعه، ويعود مرة أخرى الى تعاطي السموم لكنه هذه المرة اختار المخدرات الصلبة لتكون المخدر الأهم لآلامه وأحزانه، انتهت بدخوله مركز إعادة التربية بعد قتله لاحد المدمنين حاول الاعتداء عليه. لن تختلف قصة «سيرين» ذات ال 16 سنة، تلميذة بأحد ثانويات برج البحري، التي وجدت نفسها وهي ما تزال في السنة اولى ثانوي، مدمنة أقراص مهلوسة استغلتها شبكة دعارة، فقد لاحظ زملاؤها حضورها اليومي في سيارة برفقة شاب يتغير في كل مرة، مع امتلاكها الدائم للمال بالرغم من أن مستوى معيشتها العائلي متوسط. بعد فترة من انتشار اشاعات كثيرة حولها، استدعت إدارة الثانوية والدتها التي تعمل موظفة في احدى المؤسسات، حاولت والدتها الدفاع عن ابنتها، واتّهمت احدى المشرفات التربويات بتلفيق التهم لابنتها وتشويه سمعتها. وبالفعل لم تفعل الام أي شيء لابنتها، لكنها مع مرور الوقت لاحظت تغيرا كبيرا في سلوكها ما جعلها تتّصل بإحدى الجمعيات المختصة بالطفولة المسعفة، وبعد إجراء بعض الاختبارات اصطدمت مع الحقيقة المرّة، ابنتها مدمنة وتمارس الرذيلة بعد استغلال شبكة دعارة لابنتها، حاولت احتواءها واسترجاعها لكن كل تلك الاشاعات أغرقت ابنتها أكثر، ما استدعى طلبها التحويل الى فرع جهوي للشركة التي تعمل بها، وبالفعل انتقلت الى احدى ولايات الجنوب رفقة ابنتها علّها تخلصها من الإدمان ونظرة المجتمع القاسية لها. خطر يهدّد المجتمع اعتبر أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع جامعة تامنغست الدكتور بوعموشة نعيم ظاهرة تعاطي المخدرات في الأوساط المدرسية، من أخطر المشاكل التي تهدد كل المجتمعات، نظرا لاستفحالها وانتشارها في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للانتباه داخل المؤسسات التربوية، بين المراهقين والشباب، هذه المرحلة العمرية التي تمتاز بالاندفاع والانطلاق وحب الاكتشاف والإقبال على الحياة ومحاكاة الكبار، ويظهر ذلك من خلال السلوكيات النشطة التي يقومون بها. فيما يجب حسبه ألاّ نغفل على أن تلك السلوكيات قد تنحرف وتصبح سلبية نتيجة التهور والميل للتمرد والتحدي، وإساءة استعمال الحرية، وسوء الصحبة والحساسية العالية تجاه المواقف الضاغطة، فيرتمي الشاب أو المراهق بين أحضان المخدرات، التي يرى فيها مهربا للضغوط النفسية والمشكلات الاجتماعية، الأمر الذي يطرح كثيرا من المخاوف نتيجة الآثار السلبية الصحية والنفسية والاجتماعية التي يمكن أن يحدثها الإدمان والتعاطي اللاعقلاني للمخدرات، حيث صار بعض الشباب المراهقين يبررون تعاطيهم للمخدرات بأنها تساعدهم في تجاوز المواقف الصعبة، وهو ما جعلهم فريسة في دائرة الإدمان والتي يقع فيها كثير منهم بسبب الرغبة في التجريب أو رغبة في التحدي أو التقليد. ويرى المختص أنّ ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي من الأفعال السلوكية المدمرة للشباب ومستقبلهم، لأنها تجعل الغريزة مسيطرة على العقل، ولعل ما يعيشه الشباب اليوم من أزمات تمتد جذورها عميقا في المجتمع كعدم التكيف مع الذات والاستهتار واللامبالاة بالقيم الاجتماعية والأخلاقية بفعل القصور الحاصل في التنشئة الاجتماعية، وتقصير مؤسسات التنشئة الاجتماعية في دورها نحو وقاية الشباب من الانحرافات السلوكية، وكذا الوضع الاقتصادي المتردي الذي زاد من الأعباء النفسية والاجتماعية والمالية للشباب المراهقين. وأصبحوا يرون أنفسهم مقيدين محبطين يكتنفهم شعور عميق بالاغتراب عن ذاتهم ومحيطهم الاجتماعي، يحاولون الهروب من هذا الواقع نفسيا، وذلك بتعاطي مادة مخدرة علَّها تخفّف من معاناتهم، حيث يجد كثيرون في المشاعر الوهمية التي تُتيحها لهم تعاطي المخدرات مهربا من واقع كارثي يصعب عليهم تغييره أو تحمّله، بالرغم من إدراكهم أن تعاطي المخدرات والإدمان يشكّل خطرا كبيرا على صحتهم الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية. ومع تفاقم هذه الظّاهرة وانتشارها بشكل رهيب في السنوات الأخيرة لا يمكن السكوت عنها، خاصة وأن إدمان المخدرات في الوسط المدرسي له أثر سلبي على الصحة النفسية والجسمية للمراهق، فعلى الصعيد الفردي هناك عدة تأثيرات نفسية انفعالية وسلوكية وعقلية لتعاطي المخدرات. أما على الصعيد الاجتماعي فتنحصر تأثيراتها بشكل خاص في التفكك الأسري واضطراب في التوازن الاجتماعي والخروج عن النسق القيمي للمجتمع، بالرغم من هذا تبقى الإحصائيات حول هذه الظاهرة بعيدة كل البعد عن الحقيقة، ولا تعبر عن الحجم الحقيقي لها على أرض الواقع، كون أغلب الحالات لا يتم ضبطها أو كشفها داخل الأوساط المدرسية وتبقى في طي الكتمان والسرية. للأسرة دور أساسي أرجعت المختصّة النفسانية سارة صلاّح انتشار المخدرات في الوسط المدرسي الى التفكك الاسري، الذي غيّب دورها الناجع في حماية طفلها التلميذ من كل المؤثرات الخارجية السلبية، خاصة رفقاء السوء الذين يبحثون عن جرّ زملائهم البعيدين عن عالم المخدرات الى هذا النفق المظلم، فغياب رعاية واهتمام الاولياء بأطفالهم المتمدرسين يتركهم لقمة سائغة لأصدقاء السوء، الى درجة لا الام ولا الاب يعرفان مع من يُمضي ابنه او ابنته الوقت في المؤسّسة التعليمية. وشرحت المختصة أن المشاكل الاسرية خاصة الطلاق وانفصال الوالدين يساهم بشكل كبير في اضطراب التلميذ نفسيا وتشتيت انتباهه، وعوض التركيز على دراسته يبقى تفكيره منحصرا في الوضع الاسري السيء الذي يعيشه، لذلك يجد في المخدرات ورفقاء السوء المهرب للخروج من حالته النفسية السيئة. ونبّهت صلاّح الى سبب آخر مهم هو الفضول والاستكشاف، وقالت إنّ بعض التلاميذ يعيشون ظروفا اسرية مستقرة، لكنهم وبدافع الفضول يتعاطون المخدرات من باب التجربة والتعرف على هذا العالم المجهول والمرفوض من المجتمع، لتكون بذلك أول خطوة في طريق مجهول العواقب قد تنتهي في مراكز إعادة التربية أو مشاكل صحية معقدة، أو حتى الهروب من المنزل والانخراط في شبكات منظمة تستغل المتمدرسين للاتجار والترويج للمخدرات. وأضافت المتحدّثة أنّ شخصية الطفل المتمدرس في سن البلوغ تبحث عن اثبات ذاتها كشخصية مستقلة بقراراتها عن الاسرة، لذلك تنتهي رحلة بحث بعضهم عن «قوة» الشخصية التي يربطونها بالاستقلالية الى اختيار المخدرات كوسيلة لإثباتها وسط محيطهم او على الأقل إثبات أنّهم «كبار» لأنفسهم ولزملائهم، حيث يؤدّي رفقاء السوء دورا مهما في إقناعهم بهذه الطريقة المدمرة. وأكّدت النفسانية أنّ استرجاع الطفل المتمدرس وإخراجه من عالم المخدرات ممكن إن تم التعامل معه بطريقة بعيدة عن العنف والاحكام المسبقة، فكثير من الاولياء وعند اكتشافهم إدمان أطفالهم يحاولون تعنيفهم وإرغامهم على ترك الإدمان، ما يكون له انعكاسات سلبية تنتهي بفشل تلك المحاولات، وانغماس أكبر للطفل المتمدرس في الإدمان، كاشفة أنّ بعض الاولياء ينجحون في إبعاد طفلهم عن المخدرات بعد إدخالهم الى مراكز متخصصة لكنهم بعد ثلاثة او أربعة أشهر يعود الطفل الى الإدمان بسبب غياب التواصل والحوار بينه وبين اسرته. في ذات السياق، نصحت بأن يكون التواصل والحوار وسيلة الاولياء والاسرة لإخراج طفلهم من عالم المخدرات، بإقناعه بأنه طريق خاطئ لإثبات استقلاليته أو رجولته أو نضجه، طريق خاطئ للهروب من وضع اجتماعي سيء لأنها لن تغير من تفاصيله شيئا، طريق خاطئ لعقد صداقات مع زملاء وأصدقاء سوء يستغلهم الكبار للترويج للمخدرات في الوسط المدرسي من أجل رفع عدد مستهلكي السم القاتل، وتحذيره من مغبة ولوج عالم الإدمان ومصاحبة رفقاء السوء. استرجاع التلميذ المدمن مهمة أهم طرفين فيها الاسرة والمدرسة، فالأولى تعمل بصفة مباشرة معه لتحذيره وتوعيته بمخاطر الإدمان على صحته العقلية، الجسدية والنفسية، أما دور المدرسة فهو تبليغ الاولياء أو الجهات الوصية عند اكتشافهم ادمان أحد التلاميذ خاصة في الطور المتوسط أو الثانوي، ولاحظت أنّ إدارة المدرسة في بعض الأحيان تتجاهل ادمان التلميذ، وتتعامل معه وكأن شيئا لم يكن. المتوسّط والثّانوي مستهدفان كشفت المديرة التنفيذية بالشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل «ندى»، حميدة خيرات، أنّ الجمعية تستقبل في كثير من المرات حالات لأطفال متمدرسين مدمنين على المخدرات، تتراوح أعمارهم من 14 الى 17 سنة يدرسون في الطور المتوسط أو الثانوي، مع وجود حالات في الطور الابتدائي حيث يلجأون الى هذا العالم عن طريق زملاء لهم منخرطين في شبكات تروج للمخدرات في الوسط المدرسي. أما نوع المخدرات المستهلكة، فقالت خيرات إنها تتنوّع بين أقراص مهلوسة أو مخدرات صلبة، وعن الطبقات الاجتماعية فينتمي أغلبهم الى الطبقة المتوسطة، بالإضافة الى الطبقة الفقيرة والغنية، مع تأكيدها على اشتراكهم جميعا في الإهمال الاسري، وغياب رعاية وحماية الاسرة لهم. وكشفت المتحدثة أن «ندى» وعند استقبالها لهؤلاء القصر المدمنين ترافقهم من خلال إدماجهم في مختلف نشاطاتها في إطار مشروعها المتعلق بحقوق الطفولة وادماجهم، حيث أدمجت خمس قصر أدمنوا المخدرات، استطاعوا بمساعدة الشبكة تجاوز الإدمان ونيل شهادة البكالوريا والاستمرار في حياتهم بصفة عادية، فيما أصرّت على ضرورة استرجاع القصر المدمنين وعدم تحطيمهم، بالابتعاد عن المعاملة السيئة والتعنيف أو الطرد من البيت لأننا امام حالة يجب تصحيحها لا تحطيمها، فالتواصل والحوار مع الحالات المكتشفة من المتمدرسين الذين يتعاطون المخدرات ساهم في الوصول الى حالات أخرى من زملائهم واسترجاعهم. فيما حمّلت خيرات الاولياء المسؤولية الأكبر سواء في دفع هؤلاء الأطفال الى المخدرات او استرجاعهم وإخراجهم من نفق مظلم، فقد يكون تعاملهم السيء والعنيف مع الطفل المدمن سببا في اغراقه في هذه الآفة، ولاحظت أنّ المجتمع فَقَدَ خُلُق جبر الخواطر الذي يدل على سمو النفس وعظمة القلب وسلامة الصدر ورجاحة العقل، لأنه يجبر به نفوساً كُسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت، وقالت انه بالرغم من كونه خلق عظيم إلا أنّ المجتمع لا يحافظ عليه بل يفعل في بعض الأحيان كل ما في وسعه لتحطيم المكسور والمهزوز نفسيا واجتماعيا.