تمثل العقوبات التي قرّرت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في أوروبا وخارجها فرضها على روسيا ردا على عمليتها العسكرية في أوكرانيا، تحولا كبيرا في مفاهيم وأشكال العقوبات المالية على الصعيد الدولي. على عكس مجموعة العقوبات الغربية، التي تمّ فرضها على روسيا في أعقاب دخولها على شبه جزيرة القرم في 2014، جاءت العقوبات الأخيرة أوسع نطاقا. وفي حين تركز الجدل أخيرا على قرار استبعاد سبعة بنوك روسية من نظام تسوية المعاملات المصرفية «سويفت»، فإن النطاق الواسع للقيود، التي تمّ فرضها على العلاقات الاقتصادية الروسية مع دول العالم قد تؤدي إلى تحوّل كبير في فن العقوبات المالية. وفي الأعوام الأخيرة أعرب كثير من الباحثين والمسؤولين عن قلقهم من «العقوبات المفرطة»، لأن المبالغة في استخدام العقوبات يمكن أن تؤدي إلى تراجع أهميتها كسلاح، أو إلى اتجاه باقي دول العالم إلى محاولة تفكيك النظم المالية الغربية بصفتها محور النظام المالي العالمي، ويمكن رصد هذه المخاوف بشكل عام في فئتين. الفئة الأولى، تتمثل في احتمال اتجاه الحلفاء الحيويين للولايات المتحدة وهم بالتحديد الأوروبيون إلى تحقيق توازن القدرة على فرض العقوبات مع الولاياتالمتحدة عندما تقرّر واشنطن فرض عقوبات إقليمية تتعارض أهدافها السياسية مع تفضيلات الأوروبيين. وبالفعل يدرس الاتحاد الأوروبي حاليا وضع إطار عمل غير مسبوق لعرقلة أي جهود خارجية تستهدف معاقبة أعضائه اقتصاديا. أما الفئة الثانية، فتتمثل في الخوف من أن يؤدي إفراط الغرب في استخدام العقوبات إلى سعي الدول الأخرى في العالم نحو إقامة نظم بديلة للمعاملات الاقتصادية. وعلى مدى أعوام، ظلّ الباحثون يقولون إن اختلالات العولمة الاقتصادية بين دول العالم ستنصلح بمرور الوقت، وأن العولمة ستجعل عواقب أي مواجهات بين دول العالم باهظة التكلفة. وفي دراسة نشرت في 2018، قال هنري فاريل وأبراهام نيومان إن النظام المالي العالمي تحوّل إلى «مركز ومناطق استقبال»، حيث توجد العقد الأساسية فيه في الدول الغربية. فالبنوك العالمية الكبرى والدولار الأمريكي والبنية التحتية المالية خاضعة بدرجة كبيرة لسيطرة دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وهو ما يمنح حكومات هذه الدول القدرة على تحويل هذا الاعتماد المتبادل إلى سلاح لمعاقبة الدول الأخرى، لكن الغرب ليس الوحيد القادر على توفير مثل هذه الوسائل لحركة التجارة. على سبيل المثال، فإن نظام «سويفت» لا يستمد مكانته من اللمسة البليجيكة الفريدة فيه، وإنما من تأثيرات شبكته القوية. وإذا كان رجال الأعمال والشركات في الاقتصادات الآسيوية الصاعدة تستخدم الأنظمة المالية الغربية بسبب كفاءتها حاليا، فإن إفراد الغرب في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، قد يدفع هذه الشركات والدول إلى تطوير نظم بديلة للنظم الغربية، كما هو الحال في نظم التراسل المالي الروسية والصينية البديلة لنظام «سويفت»، وزيادة الاهتمام بالعملات الرقمية وتكنولوجيا البيانات المتسلسلة في التحويلات المالية. بنوك روسية ستستخدم نظام البطاقات الصيني قالت عدة بنوك روسية أمس، إنها ستبدأ قريبا في إصدار بطاقات تستخدم نظام مشغل البطاقات الصيني يونيون باي مقرونا بشبكة مير الروسية، وذلك بعد أن قالت فيزا وماستر كارد إنهما علقتا عملياتهما في روسيا. وجاءت الإعلانات المتعلقة بالتحوّل إلى يونيون باي أمس الأحد من سبير بنك وهو أكبر بنك روسي وكذلك بنك ألفا وبنك تينكوف بحسب رويترز.