لا تزال العمليات العسكرية التي تشنها روسيا على جارتها الغربية أوكرانيا متواصلة رغم الجهود الدولية من أجل وقف إطلاق النار رغم أن ردود أفعال دول الاتحاد الأوروبي إزاء هذه التحركات العدائية لم تتعد أن تكون مجرد تهديد بفرض عقوبات مالية و اقتصادية على موسكو بدليل أن القرارات التي تمخضت عن اجتماع مجلس الأمن الأخيرة عقب الغزو الروسي لم تكن صارمة حيث لم يقع الاتفاق حول عقوبات موحدة فالغرب أبدى فشله لحد الآن في الاتفاق على عقوبات قصوى ضد موسكو و السبب الرئيسي أن المصالح الاقتصادية و المالية للعديد من الدول الأوروبية مرتبطة بشكل كبير بروسيا و خاصة ما يتعلق بسوق الغاز، حيث تحتل روسيا المرتبة الأولى عالميا من حيث حصتها في السوق العالمية و خاصة نحو القارة العجوز و كذلك بالنسبة لسوق القمح فتمثل صادرات هذا البلد منه حوالي 17 بالمائة أما أوكرانيا فحصتها من سوق القمح العالمي تقارب 8 بالمائة و هذا يعني بأن البلدين «روسيا و أوكرانيا» يغطيان لوحدهما ربع 4/1 احتياجات العالم من القمح و تعتبر الدول الأوروبية أهم الموردين .و عليه فإن العقوبات التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي اقتصرت لحد الآن على تجميد النشاط المصرفي لروسيا بالقارة العجوز دون المساس بعضويتها ضمن الشركة المصرفية العالمية «سويفت» و هي عبارة عن جهاز للاتصالات و التعاملات المالية بين الدول يمكن من إبرام اتفاقيات دولية و تبادل للسلع وفق نظام بنكي موحد يضم العديد من الشركات المصرفية من مختلف الجنسيات و تعتبر روسيا و أمريكا من أهم الدول التي تتعامل ماليا و مصرفيا على نطاق دولي بهذا الجهاز و من خصائصه هو الدفع المالي الالكتروني و انضمام كبرى الشركات المصرفية في العالم إليه بما فيها دول الاتحاد الأوروبي و هذا يعني بأن مصالح كل البنوك المشاركة في هذا الجهاز مرتبطة و متداخلة في بعضها البعض ،و تجميد عضوية أي بلد هو ضرب من المجازفة و قد يهدد مصالح أعضاء أخرى ،و لحد الآن لم يصدر أي إجراء يمنع روسيا من استعمال نظام «سويفت»و هو الأهم و الأكبر على المستوى العالمي باعتباره أداة أساسية في المنظومة المالية الدولية . روسيا في المرتبة الثانية بعد أمريكا ضمن المنظومة المصرفية العالمية حيث أظهرت العديد من الدول الأوروبية و منها ألمانيا و النمسا و المجر تحفظاتها إزاء هذا القرار نظرا للمصالح الكبيرة التي تربطها بروسيا و هذا بطبيعة الحال خوفا على إمداداتها من الغاز ، أما فرنسا التي لا تستورد القدر الكبير من الطاقة الغازية من روسيا فقد باركت قرار تجميد عضوية روسيا من نظام «سويفت» الذي تمتلك فيه أزيد من 300 بنك و شركة مصرفية لتحتل بالتالي المرتبة الثانية فيه بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية ،كما أن فصل أي دولة عن هذا النظام يعني منع أي دولة من إجراء معاملات مالية مع الدولة المُعاقبة و في هذه الحال سيكون الأمر صعبا جدا على الدول التي لها مصالح اقتصادية كبيرة مع الدولة المفصولة أي روسيا فيختل بذلك النظام المصرفي العالمي و تتأثر كل التعاملات المالية الأخرى. و عليه تعتبر الدول الأوروبية بأنه من غير الممكن أن تعاقب نفسها أكثر من معاقبة روسيا في حال طبقت عقوبات قاسية ضدّها فالمصلحة تبقى فوق كل الاعتبارات و خاصة على حساب أوكرانيا.و يرى الخبراء في الشأن العسكري بأنه في حال كانت أهداف بوتين تقتصر على نزع السلاح من أوكرانيا فإن الحرب لن تطول أما إذا كان الهدف الرئيسي لهذه العمليات العسكرية هو اجتثاث النازيين من أوكرانيا فهذا يعني وضع نظام سياسي جديد بهذا البلد يكون حليفا و مواليا لروسيا و في هذه الحالة قد تستمر الحرب مدة أطول.