يعتبر ملف مراجعة الدعم العمومي من أهم القضايا المطروحة على الساحة الوطنية منذ أشهر، لارتباطه مباشرة بالجبهة الاجتماعية والفئات الهشة، وهو التحدي الذي يواجه هذا المشروع في الأيام والأسابيع القادمة، وسيتمخض عنه لجنة مختصة وقرارات جديدة تتعلق بترشيد الاعتمادات المالية وعقلنة تسييرها. توجيه الدعم لمستحقيه والفئات الأكثر فقرا في البلاد، يعد من صميم مخطط عمل الحكومة خلال سنة 2022، في إطار تدابير إنعاش ورفع كفاءة الاقتصاد الوطني. لكن سياسة مراجعة التحويلات الاجتماعية والنفقات العمومية، بحسب خبراء، تتطلب توفير ميكانيزمات فعّالة لتطبيقها على أرض الواقع، وفي مقدمتها تجسيد إحصاء دقيق لتحديد الفئات المستحقة للدعم النقدي وضمان وصوله إليهم دون غيرهم. وقال الخبير الاقتصادي نورالدين جوادي في تصريح ل «الشعب»، إن نجاح مشروع توجيه الدعم العمومي مرهون كليا بمدى ابتعاد الآليات المقترحة عن الأطروحات النظرية والسرد الأكاديمي المستورد بشكله الخام، في حين ارتكاز تلك الآليات على مقاربة عملياتية وواقعية تستمد مرجعياتها من الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وحتى السياسية والأمنية للدولة، سوف يدفع ويعمّق من الآثار التنموية المرجوة من هذا المشروع.وعَدَّدَ الدكتور جوادي مجموعة من التحديات في مواجهة تطبيق مراجعة الدعم العمومي، منها هشاشة المنظومة الإحصائية الوطنية، وغياب الدقة، الشمولية، التحيين والشفافية في الأرقام المتاحة حاليا، التي تواجه المشروع وترهن فعاليته في ترشيد الإنفاق العام ودعم التنمية الوطنية، كما أن ضعف معدل التحول الرقمي في البلاد لا يزال يشكل عائقا ورهانا رئيسيا لعملية توجيه الدعم، مضيفا أن الرقمنة تعد الأداة الأمثل لتعزيز المنظومة الإحصائية، وأيضاً من أهم آليات تقويض الفساد الصغير الذي يُتَوَقّع أن يشكّل أهم معوقات العملية. وأوضح الخبير الاقتصادي أن الإرادة السياسية الراهنة للدولة ببناء اقتصاد قوي في ظل توزيع عادل للثروة وتوجيه دقيق للدعم نحو مستحقيه من الطبقات الهشة والمتوسطة مترجم في العديد من المؤشرات الملموسة، ويمثل بالفعل فرصة حقيقية أمام الجميع لدعم وتحقيق الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي. وأردف بالقول، «تلك الإرادة بقدر ما غابت خلال العقود الماضية وعطلت مشروع التنمية الوطني، بقدر ما تشكل اليوم فرصة تاريخية للنهوض باقتصاد الدولة يجب على الجميع المساهمة فيها كل من موقعه وحسب إمكاناته». توجيه الدعم العمومي الذي يمتص أكثر من 20% من ميزانية الدولة إلى مستحقيه من الطبقة الهشة والمتوسطة يشكل تحديا لمشروع الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، الذي تُسخّر له الحكومة كل إمكاناتها لتجسيده واقعا في الجزائر الجديدة ضمن خطط وبرامج عمل بنّاءة، يضيف الخبير الإقتصادي نورالدين جوادي. خطط مراجعة سياسة الدعم في البلاد، بالرغم من وضوح أهدافها، بترشيد النفقات العمومية وإنعاش الاقتصاد الوطني، إلا أنها أثارت كثيرا من المخاوف في الأوساط المجتمعية منذ الإعلان عنها نهاية سنة 2021، خشية التسرع في تحرير أسعار المواد الأساسية الاستهلاكية من دون تحقيق إحصاء شمولي دقيق للفئات المعوزة المستحقة، وإمكانية تأثير ذلك سلبا على القدرة الشرائية لشريحة واسعة من المواطنين وعدم وصول الدعم النقدي إليهم.