يُحيي الجزائريون في الخامس من تموز «يوليو» ذكرى استقلالهم الستين بعد تحرر دولتهم الجزائر من الاستعمار الفرنسي في عام 1962، والذي دام أكثر من 130 سنة. هذه الذكرى المجيدة ليست للجزائريين وحدهم شرف الاحتفال بها بل يشاركهم الفلسطينيون فرحتهم في هذا النصر العظيم، وخاصة أن تلك الثورة الجزائرية المجيدة، ثورة الجزائر المسلحة والشعبية هي من ألهمت في انتصارها شعب فلسطين بإطلاق مقاومته الشاملة ضد الاحتلال الصهيوني على طريق كنسه من فلسطين، والذي رأى في انتصار ثورة الجزائر بُشرى لانتصار ثورته الفلسطينية المعاصرة، ومثالاً يحتذى به في الصراع مع المحتل الغاصب لنيل استقلاله. الجزائر كانت قبلة المناضلين والمثقفين ونشطاء حركات التحرر، ومنهم المناضلين الفلسطينيين وتربطهم علاقة متينة معها على كافة المستويات، فهي أول من اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية وافتتحت مكتب لها عام 1965، ودربت قوات الثورة الفلسطينية. فهي التي استقبلت الفلسطينيين حين أُغلقت أرض العرب من المحيط إلى الخليج أبوابها في وجوههم، ومنهم الجبهة الديمقراطية وأمينها العام نايف حواتمة، والذي كان على اتصال وتواصل دائم مع قيادة الجزائر والرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، ومع الفعاليات والمؤسسات والشخصيات الوطنية والحزبية في الجزائر. ما يجمعنا بالجزائر وشائح متينة هي مقصدنا التاريخي بالثورة التي لا يعلو عليها علو، ذلك الحب العارم المفعم بالآمال. حيث توحّدت فلسطين وثورتها مع الجزائر وثورتها على الاستعمار الكولونيالي الفرنسي، والاحتلال الاستعماري التوسعي الصهيوني، وتقاسما الوجع والألم في مواجهة الاستعمار والأبارتايد. ويجمعنا كفلسطينيين مع الجزائر، الوفاء لأبطال وصقور ثورتها الأحياء منهم والشهداء ولا سيما أن الجزائر هي بلد المليون ونصف شهيد، رجالاً، ونساءً، وشيوخاً وأطفالاً. ويجمعنا مع الجزائر نشيدها الوطني «قسماً بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات نحن ثرنا فحياة أو ممات، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر..فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا ». إنّ الجزائر هي قلعة الوحدة في المصير بكامل تعددها وتنوعها الثقافي والفكري، إنها جزائر كاتب ياسين، والطاهر وطار، وجميلة بوحيرد، ونهر دافق من المبدعين والمثقفين في مدارسها المختلفة. يجمعنا بالجزائر إعلان استقلال فلسطين الذي صيغ تحت ظلال صنوبرها في الخامس عشر من تشرين ثاني (نوفمبر) 1988، وهي أول من اعترفت بدولة فلسطين وأقامت علاقات دبلوماسية معها، وصوّتت لصالح قرار يمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأممالمتحدة عام 2012. وما يجمعنا أيضاً بالجزائر كل الحب والتقدير، كفاح ثورتها حتى أطلق على حي في نابلس جبل النار اسم «حي القصبة». يحق للجزائر أن تفخر بفلسطينيتها، ففلسطين هي القلب النابض لكل الجزائريين وقالها الزعيم الراحل هواري بومدين «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، وكان يردّد أن «قضية فلسطين هي الاسمنت المسلح والقنبلة المفجرة للأمة العربية، وهي القضية المركزية التي وجب الالتفاف حولها في جميع الظروف». ويحق للجزائر أن تفخر بدورها السياسي والمحوري الذي لعبته في المشرق العربي والإقليمي، وبدورها المميز في القارة الأفريقية وتعليق عضوية دولة الاحتلال الصهيوني في الاتحاد الأفريقي، وأسهمت كعضو في منظمة عدم الانحياز أن تكون نموذجاً ملهماً لمستقبل حركات مناهضة الاستعمار والعنصرية حول العالم، واحتضنت الثورة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأعلنت على أرضها وثيقة استقلال دولة فلسطين، واستضافة جولات الحوار الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام، وتقف سداً وحصناً منيعاً في وجه التطبيع، وينفرد إعلامها بطرح قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال في صحفها اليومية والأسبوعية والشهرية من خلال ملف تعده سفارة فلسطين في الجزائر. إنّ الثورة التحررية الجزائرية واجهت احتلالاً كولونيالياً عنصرياً فرنسياً، وتصدّت له كثورة وطنية ديمقراطية موحدة ونالت استقلالها بعد كفاح بطولي طويل. فلسطين وشعبها وثورتها هي أيضاً تواجه استعماراً استيطانياً عنصرياً، تواجه دولة الاقتلاع والفصل العنصري، تواجه مشروعاً صهيونياً الذي هو أقرب منهجياً وأيدلوجياً للنازية، وإن تخطى في جرائمه النازية، فكلاهما يرفض التعايش السلمي مع الآخر، حيث تستند الصهيونية لأساس لاهوتي كفلسفة واستراتيجية مستعارة، واليهود ليسوا شعباً ولا قومية ككذبتهم الكبيرة عن علاقتهم بأرض فلسطين. إن الجزائر ابنة الثورة البطلة، كلمة ترتبط بالاعتزاز الوطني والشموخ..حين نتذكر التاريخ ونرى الوقائع، ندرك أن الفجر آت لا محالة إن طال الزمن أو قصر. وختاماً، نهنّئ الجزائريين في الذكرى الستين لانتصار ثورتهم، ونقول يحق لكم الافتخار بتاريخكم المشرّف وهويّتكم الوطنية، وحضوركم الواسع في قلب ووجدان كل فلسطيني وحركات التحرر الفلسطينية والعربية والدولية، وفي كافة المحافل الدولية.