ثروات الصّحراء الغربية المحتلّة نموذجا للنّهب المفضوح يتناول الدكتور رشيد علوش المختص في الشأن الدولي، ظاهرة نهب الثّروات الإفريقية واستنزافها من طرف قوى أجنبية وعلاقتها بتمدّد الجماعات الإرهابية، وتأثيرات عمليات الاستنزاف المفضوحة والخطيرة على تنمية ومستقبل بلدان القارة، مسلّطا الضوء على حالة الوعي التي بدأت تنتشر وسط شعوب القارة السمراء. - الشعب ويكاند: ما هي قراءتك لاستنزاف وسرقة ثروات القارّة السّمراء؟ الدكتور رشيد علواش: يمكن تكييف جريمة استنزاف ثروات القارة الإفريقية قانونيا، باعتبارها جريمة متكاملة الأبعاد، ولدى الحديث عن حلقة الاستنزاف التي تشهدها القارة لمواردها بأشكال ممنهجة وحصرها، إذا أردنا تكييف حالة هذا النهب كجريمة يمكن أن يعاقب عليها القانون من خلال مجموعة من الأنشطة الإجرامية المرتبطة بالتدفقات المالية الخارجية غير المشروعة، المتمثلة في التهرب الضريبي لهذه الشركات، وأيضا تحصيل شركات غير وطنية لأرباحها، والتي غالبا ما تدفع ضرائب قليلة عنها، ولكن لدينا تكاليف فرضت على الدول الإفريقية فرضا بسبب التغيرات المناخية والتكاليف البيئة التي تتحملها الدول الإفريقية نتيجة نهب الموارد، ويمكن تسميتها بحلقة استنزاف مفرغة تشهدها القارة السّمراء كجريمة خاصة، لكن إذا تمكّنت الدول الإفريقية من تحديد المنشأ الذي تتم فيه سرقة الأموال والثروات، (مبالغ ضخمة تسرق سنويا وموارد هائلة يتم نهبها وتعدينها بالقارة)، وتحويل أرباحها بلا ملاذات ضريبية ويتم تحويل الأرباح إلى دول منشأ تلك الشركات، ولا يتم استثمار الأموال في تلك الدول، علما أن الدول الإفريقية ما تحتاجه في تنميتها وفق الأجندة المحددة من الإتحاد الإفريقي، آفاق 2060، والتي تعمل على بلورة أو إخراج تصور لتنمية القارة، يرتكز أساسا على بناء بنى تحتية أساسية، تمكن الدول الإفريقية من تحقيق الأمن الإنساني في مجمل أبعاده، وتحقيق تنمية وفق ثلاثية «الأمن والتنمية والسيادة» بتوفير أمن الدول الخاص، وبالتالي قطع الطريق الذي تنتهجه عديد الدول تحت غطاء الدوافع الأمنية للدخول إلى مناطق تتواجد بها الثروات الطبيعية لتوفير الأمن، وإيهام الدول الإفريقية على أنها غير قادرة على استغلال ثرواتها، واستخراجها يفرض عليها مجموعة من الشروط، تبدأ بمنح وقروض، توجّه لبعض صنّاع القرار ومديري المؤسسات السياسية، وتوظّف آلية القروض لأنها السبيل الأمثل للدخول للقارة للهيمنة عليها بسبب عجز سداد هذه القروض، فتلجأ للدول المانحة وصندوق النقد الدولي، وبالتالي تظهر شروط مجحفة، ويمنح لمجموعة من الشركات لتفرض إلزامية منح حقول لتعدين واستخراج الثروات كخدمة لسداد القروض، علما أنّ المشرع على مستوى مؤسسات الاتحاد الإفريقي يجب أن يكيف هذه الجرائم التي مدّدت حالة الفقر فيما إفريقيا من أثرى القارات بشريا، وستكون مستقبلا الأغنى من حيث العنصر البشري لتوطين الصناعة الاستخراجية. كما ينبغي الإشارة إلى الفساد كأحد الأسباب لاستمرار ظاهرة استنزاف ومحاولة طرح بعض أنظمة الديمقراطية غير الفعالة لاستمرار حالة الاستنزاف والنخب الدولية المرتبطة بالشركات المتعددة الجنسيات، ووكالات الاعانات الدولية غير الفعالة، وخلاصة القول صار ينظر لاستمرار النّهب على أنها جريمة.- - من هي الأطراف المسؤولة وحجم الثّروات المنهوبة؟ هي الدول الاستعمارية ولديها شركات وامتيازات في القارة على حساب الشعوب الإفريقية، والتي تعمل دائما على استمرار نوع من الروابط المعقدة، لإحكام السيطرة على موارد القارة الإفريقية خاصة تلك الواقعة جنوب الصحراء، لكن هذا الأمر لا ينفي أن هناك نوع من الاشتراك في هذه الجريمة من طرف بعض النخب في الدول الإفريقية وبعض أغنياء بلدان القارة، لأن بعض الأفارقة يستفيدون من حلقات الاستنزاف، حيث يوجد حوالي 165 ألف إفريقي من الأثرياء بثروة مجموعها 860 مليار دولار، ولكن بالنظر لمجموعة من العوامل بما يمتاز به الاقتصاد الإفريقي، يحتفظون بأزيد من 500 مليار دولار في الملاذات الضريبية، بذلك تستمر حلقات النهب التي تسمح بتدفق ثروات القارة خارج بلدانها، الأمر الذي أحدث إشكالية توطين الثروة، والجهات المسؤولة عن النهب متعددة بتعدّد حلقات المستفيدين، لأنه لا يمكن للشركات الناهبة من دون مساعدة وتحفيز بسبب عدم ثقة أيادي داخلية في الاقتصاد الافريقي أن توظف أموالها في ملاذات وبنوك آمنة ولا يمكن تتبعها. ومن الأمثلة التي يمكن ربطها بحالة استمرار النهب، دول غرب إفريقيا ما زالت مرتبطة بالفرنك الإفريقي العملة التي يصدرها البنك الفرنسي، ومجبرة على وضع أكثر من 50 بالمائة من احتياطاتها في البنك المركزي الفرنسي، الذي يحدّد لها الميزانية ويمنحها أموالها الخاصة، فيما يستفيد البنك المركزي الفرنسي بما قيمته 5 ملايير أورو سنويا من حالة الربط، بالرغم من أن هناك وعي وحركية لنخب وشعوب دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، للخروج من حالة الهيمنة الممارسة على ثرواتهم وأموالهم، ولكن بدون جدوى، نظرا لعمل فرنسا على استدامة هذا الاستنزاف، وخير دليل ما تمّ اختراعه وتنظيمه من طرف ماكرون حول القمة الإفريقية الفرنسية، أي قمم مقلوبة، استضاف فيها مجموعة من النخب الإفريقية بفرنسا، محاولة للحفاظ على مصالحها. يذكر أنّ هناك تقرير عن المسروقات يعد مرجعا، ويعود لمنظمة العدالة العالمية ومقرها بريطانيا، حدد مقدار الأموال التي تدخل القارة الإفريقية سنويا، ب 161 مليار دولار، علما أنها تدخل في شكل قروض وتحويلات، أي الأفارقة الذين يعملون خارج إفريقيا يرسلون الأموال لأوطانهم، إلى جانب المنح المقدمة من طرف المنظمات، وهذه الأموال يمكن ربطها بحركية أموال في إطار غير رسمي، ويكون كذلك في إطار مساعدات وتحويلات المغتربين وقروض لكن بالمقابل سجل في عام 2017 خروج 203 مليار دولار من القارة، وبلغ حجم العجز نحو 41 مليار دولار، كلها تنهب سنويا، ويمكن تكييفها وتسجيلها في إطار جرائم النهب والاستغلال، وإلى جانب ذلك، هناك 68 مليار دولار مليار دولار حجم تهرب ضريبي، لأن بعض شركات متعدّدة الجنسيات تسرقها بشكل قانوني، عبر التظاهر والتمويه، وتصل هذه التدفقات المالية غير المشروعة المزعومة إلى 6.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للقارة أو ثلاثة أضعاف ما تحصل عليه إفريقيا من المساعدات وأيضا هناك 30 مليار دولار التي تعيد الشركات استثمارها في أوطانها، غير أنها محصلة من إفريقيا وهذا يعتبر استنزافا للأموال. - هل يشكّل انتشار الإرهاب ذريعة للتغطية على النهب والسّعي للإبقاء على السيطرة وممارسة النّفوذ على ثروات القارة؟ بعض الدول المستنزفة، تلجأ لتغذية بؤر توتر في مناطق غنية بالثروات دون شك ليس بالصدفة، وكذا محاولة تغذية النعرات الاثنية والعرقية، ليتم التدخل تحت غطاء أمني أو مساعدة أمنية للسيطرة واستغلال لبيئة غير آمنة، حيث تصبح الدول غير قادرة على استغلال ثرواتها الطبيعية، ومن ثم تنشأ حالة من الروابط بين المجموعات الإرهابية والشركات التي توظف أمنيا والشركات المستثمرة، وبالتالي الروابط معقدة جدا، والمثال المطروح الكونغو الديمقراطية المعروفة بغناها بمعادن طبيعية والثروة الخشبية والحيوانية، هناك حالة من التوتر وعدم الاستقرار واستدامته في عديد المناطق التي تتوفر على ثروات معدنية طائلة يثير العديد من الاستفهامات، نتيجة لعمل ورغبة شركات التعدين العالمية المرتبطة بمجموعة دول استعمارية سابقة، تضغط على الحكومات وتغذي بؤر التوتر من أجل توقيع عقود، عادة تكون طويلة الامد لاستغلال موارد تلك الدول، ولدينا مثال منطقة الساحل الإفريقي، التي عادة يتم النظر إليها كبؤر للإرهاب، ونتحدث عن ماليوالنيجر وبوركينافاسو والنيجر من أهم مصادر الأورانيوم، حيث تعتمد فرنسا على هذه الثروة النووية المستخرجة من النيجر بنسبة 25 بالمائة من احتياجاتها لتوليد الطاقة الكهربائية، بالمقابل في النيجر 80 بالمائة من السكان لا تتوفر لديهم الإنارة أو مصدر الطاقة، إلى جانب استنزاف حقول الذهب المنتشرة بالساحل الإفريقي، حيث يتم العمل على استغلالها بطرق غير شرعية. - الجفاف والجوع والفقر ليس سببهما الوحيد المناخ والطّبيعة، على خلفية أنّه بإمكان أن تقود الإصلاحات العميقة الى تغيير وجه القارة، الفقيرة ظاهريا والغنية على أرض الواقع؟ إن حالات الجفاف والجوع وانعدام الأمن الغذائي، المترافقة مع التأثيرات الجانبية والسلبية للتغيرات المناخية على مستوى القارة الإفريقية، من الأسباب التي تؤدي لاستنزاف وسرقة ونهب موارد تلك الدول، حاليا هذه الحالة تفاقمت خاصة مع التغيرات الحاصلة مع البيئة الجيوسياسية، نتحدّث عن الأزمة الأوكرانية وتضرّر سلاسل التوريد العالمية التي كانت منهكة أصلا بعد تأثيرات جائحة كورونا، وفي الوقت الراهن حالات انعدام الأمن الغذائي التي تثيرها وتحذّر منها دوريا الأممالمتحدة عبر منظمتها «الفاو» أو البرنامج العالمي للأغذية أو منظمة الزراعة والأغذية الأممية، تشير إلى أنّ حوالي 20 مليون مواطن إفريقي يواجهون حالات حادة لانعدام الأمن الغذائي بالقارة، خاصة في القرن الإفريقي ومنطقة الساحل، بل ومرشحة أن تتدهور الوضعية للأسوأ، وتصل إلى 40 مليون مواطن إفريقي يعانون بشدة من انعدام الغذاء مع أن الأرقام التي يتم إدراجها يوميا من طرف البنك الدولي والمنظمات الفرعية للأمم المتحدة، تؤكد أن ما يزيد عن 100 مليون نسمة على مستوى القارة، يواجهون حالة من حالات سوء التغذية، الأمر الذي ينتج نوعا من الصراع على مستوى هذه الدول، في محاولة للبحث عن مصادر للغذاء والتي أنهكتها التغيرات المناخية، وأنهكتها حالات التنافس والصراع، أو ما يمكن تسميته بحروب المناخ المحلية، لأن شعوب الدول الإفريقية تعتمد على المصادر الزراعية لتحقيق أمنها الغذائي، ويسلط الضوء على الرعي في طرقه البدائية والزراعة والأراضي الخصبة، وعادة نتحدث عن الحروب المحلية التي يكون منشأها الأساسي، هو قلة الموارد وشحها المترافق مع التغيرات المناخية التي أدت إلى تصحر مساحات زراعية ضخمة، وأدى هذا الأمر إلى التنافس على موارد الماء القليلة، والتنافس على مناطق الرعي الضئيلة بين الرعاة ويفضي إلى صراع، بحيث يمكن أن تتحوّل هذه الخلافات إلى حروب محلية مناخية، ومن ثم تتطور إلى نزاعات ما بين الدول، وعادة ما تستمر الأسباب السلبية في تغذيتها بسبب حالات الاستنزاف من طرف الدول الاستعمارية وشركاتها، حيث تؤثر على الأمن الغذائي والمائي، علما أنّ ظروف الشعوب الإفريقية تعد أكثر مأساوية على وجه المعمورة. - كيف يمكن لدول القارة الإفريقية استعادة سيطرتها على ثرواتها والاستفادة منها؟ الطريقة المثلى لإعادة سيطرة الدول الإفريقية على ثرواتها، أن تعمل بداية على بناء برامج تنموية ترتكز على تنمية المورد البشري الإفريقي، الذي بعد تأهيله وتكوينه يقوم باستغلال واستثمار ثروات بلاده، علما أن المناهج كثيرة، لكن تطبيقها على أرض الواقع، ربما يواجه صعوبة على الأمد القصير، أما على الأمد المتوسط هناك حالة الوعي وسط الشعوب الإفريقية، لأنّها أدركت أنها شعوبا غنية، تملك ثروات باطنية ومنجمية وغاز وبترول، ولديها ما يكفي لتكون في مصاف الدول الغنية والمتطوّرة، وبالمقابل للأسف أغلبها يعاني من انعدام التنمية ومن فقر مدقع وغياب المرافق الصحية والتعليمية والبنى التحتية القاعدية، وهذا الوعي مكّنها ويمكنها من البحث عن أطر تساعدها عبر بناء شراكات بين الدول الإفريقية للخروج من هذه الهيمنة، وكسر حلقة استنزاف موارد تلك الشعوب بالبحث عن توطين استثمارات مرتبطة باستغلال موارد طبيعية، وتتفاوض مع الشركات التي تستغل الثروات الطبيعية وفق قاعدة «رابح - رابح» وسياسة «الند للند»، باعتبار أنّه لا سبيل غير هذه المنهجية لتمكين شعوب القارة من استغلال ثرواتها، بالبحث عن الاستثمار والتنمية والاعتماد على النفس في استخراج واستغلال الثروات الطبيعية، مع إلزامية أن لا تستنزف ثرواتها عبر القروض التي تكون بفائدة عالية وموجهة لاستيراد سلع استهلاكية غير منتجة للثروة، وتحويل الايرادات التي تحصلها الدول بعد استغلال الثروات إلى استثمارات في البنى التحتية ومنشآت تمكن الشّعوب الإفريقية لمراكمة الخبرة، ومع إرساء سياسة وطنية لاستغلال ثرواتها مع عدم الإغفال عن إرساء أطر قانونية وتشريعية على المستوى الوطني والإقليمي القاري، في إطار الإتحاد الإفريقي، لتتبع الأموال المنهوبة وحالات التهرب الضريبي التي تستنزف خيرات القارة وحالات التهريب للموارد والاتجار غير المشروع بالمناطق البرية، حيث تستنزف وتكبدها خسائر كبيرة، أي القانون وحده من يمكنها من وضع حد للنهب واستعادة ما سرق منها، وينبغي بناء سياسات استثمارية وتوطين الاستثمار بين دول القارة، وطرح صوت القارة مشتركا وموحدا في تكتل إفريقي، وهذا ما وقفنا عليه في اجتماع الإتحاد الإفريقي والإتحاد الأوروبي، حيث طرح صوت القارة بشكل موحد، وينبغي على دول الاتحاد الإفريقي أن تعمل على تنويع وإعادة بلورة صيغ الشراكة في إطار يغلب مصلحة الدول الإفريقية، لأنها عادة ما تعرقل (أي الدول الأوروبية) سياسة الدول الإفريقية. - سجلت جرائم استنزاف مفضوحة في عديد الدول الإفريقية الفقيرة، هل يمكن فضحها إعلاميا ومن ثم تحريك دعاوى قضائية بمحاكم دولية لمتابعة المتورطين؟ إن المرافعة على مستوى وسائل الإعلام المحلية الإفريقية، بداية لإيصال رسالتها لوسائل إعلام أجنبية بالرغم من الأجندة المتحكمة في وسائل الإعلام العالمية، والتي لا تريد أن يصبح صوت إفريقيا مسموعا، وبالتالي حاليا الرهان معقود على نخب القارة الإفريقية محليا وقاريا لفضح الممارسات، والتي يمكن عبرها رفع ملفات وتظلمات، لدينا حالة تشادومالي وبوركينافاسو، حيث تخرج شعوب الدول حاملة للأعلام مطالبة بمغادرة الشركات الأجنبية الفرنسية «ألف» و»توتال» «وأريفا»، وصار ينظر إليها أنها أحد الأسباب المركزية للاستنزاف، والسبيل يتمثل في تحرك الشعوب بوعي وحنكة لتصل إلى مستوى صناعة القرار في هذه الدول لفك الارتباط عن السياسات الممارسة، لأن المعركة تتمثل في وطنية الشعوب، ويمكن الرهان على التفاوض وصياغة الشراكات، ويجب أن تكون متعددة ومع شركاء نزهاء سيمثلون قاطرة لمساعدة الشعوب في تمكينها من استغلال ثرواتها. والحالة الصحراوية هي نموذج للنهب والاستنزاف لأنّ الصّحراء الغربية المحتلة تستنزف بطريقة بشعة ومفضوحة من الاحتلال المغربي وشركائه من أوروبا وسط صمت مطبّق يستمر في التغطية على جرائم الاحتلال.