لا يعارض الأستاذ عمار بن تومي، محامي جبهة التحرير الوطني، وقبل ذلك حزب الشعب، وأول وزير للعدل في عهد الجزائر المستقلة، كتابة المذكرات لأنها تحمل شهادات وتعتبر بذلك عملا ايجابيا على اعتبار أنها تساعد المؤرخين في عملية البحث وتعد بمثابة دليلا لهم، كما أنها توثق لحقائق تاريخية، عايش شخصيا الكثير من الأحداث في الفترة الممتدة بين 1943 و1962 وتعرف على أشخاص لعبوا فيها أدوارا مهمة وتحدث إلى من عايشوها فاستقى شهادات، تساعده على استكمال كتاب يتضمن 800 صفحة إلى حد الآن. لم تنل السنوات من محامي جبهة التحرير الوطني الأستاذ عمار بن تومي الذي لم يتوقف نضاله باسترجاع الجزائر السيادة الوطنية قبل 50 عاما وتحديدا في الخامس جويلية 1962، اذا ما يزال المحامي الثائر الذي لا يستعمل نظارة للقراءة على عكس معظم من بلغوا سنه، يناضل بشراسة ولعل أبرز القضايا أحداث 17 أكتوبر التي اعترف بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخرا وتحدث عن قمع. غير أن المحامي الفذ له وجهة نظره الخاصة في هذا الشأن انطلاقا من الزاوية التي يعالج بها الأحداث التي عايشها كمحامي في الفترة الممتدة بين 1944 و1962 مع حزب الشعب في مرحلة أولى ولاحقا إلى جانب جبهة التحرير الوطني منذ تأسيسها، لأن الاعتذار الخاص بأحداث 17 أكتوبر برأيه غير كاف لافتا إلى أنه اعتذار عن أحداث وقعت بالتراب الفرنسي فيما لم تعتذر فرنسا عما اقترفته إبان الفترة الاستعمارية بين 1830 و1962 على مدى 88 ألف يوم. ما يزال عمار بن تومي يتذكر كل كبيرة وصغيرة عن الأحداث التي عايشها منذ بدء مساره النضالي ورغم أنه يتخوف في كل مرة من أن تخنه ذاكرته إلا أنه ذكر كل التفاصيل بما في ذلك بعض المواقف التي حدثت له، وكانت استضافته في منتدى يومية «الشعب» لتنشيط ندوة بمناسبة الذكرى 58 لأول نوفمبر حول موضوع «الدفاع عن مناضلي الحركة الوطنية والثورة التحريرية» التي كانت مناسبة سانحة لمن حضروا الندوة للاستماع إلى أحد أوائل المحامين الذي أوكل له منصب وزير العدل غداة الاستقلال ويكون بذلك أول وزير للعدل، والاطلاع على جزء هام من الكفاح والنضال من خلال تسليط الضوء على دور المحامين الجزائريين آنذاك، تجربة تكشف عن حنكة وخبرة الجزائريين الذين لم يدخروا جهدا واقتحموا جميع الميادين بما فيها المحاماة رغم إدراكهم مسبقا بأن المهمة شبه مستحيلة في وقت كان السجناء من مناضلين ومجاهدين يعذبون قبل المحاكمة إلى درجة أنهم كانوا يفرحون عندما ينطق الحكم بالإعدام في حقهم وفق ما سرد بن تومي للصحافة. بن تومي الذي اقترن اسمه بمهنة المحاماة إبان الفترة الاستعمارية وتحديدا في العام 1944 حيث أصبح محامي حزب الشعب آنذاك رسميا بطلب من عسلة حسين، الذي مهد الطريق له ليكون أول من يشغل منصب وزير العدل في تاريخ الجزائر المستقلة، كان يناضل بشراسة وشارك في أول مظاهرة سياسية بعد الحرب العالمية الثانية تم خلالها إلقاء القبض عليه، كما أنه شغل منصب أمين مساعد إلى جانب الأمين العام في لجنة مكافحة القمع سعد دحلب قبل أن يصبح محاميا في حزب الشعب، ثمانية أيام بعد صدور بيان وإعلان الفاتح نوفمبر وتفجير الثورة التحريرية المجيدة أي في الثامن نوفمبر من العام 1954 اتصل به المرحوم عبد الحميد مهري من أجل شغل منصب محامي جبهة التحرير الوطني الفتية. ولتنظيم نشاط المحامين وجهودهم تقرر تشكيل فوج منهم في جوان 1955 أوكلت لهم مهمة الدفاع عن المجاهدين والمناضلين في جبهة التحرير الوطني، وحرص بن تومي الذي يؤرخ للفترة التي عايشها في مؤلف لم يكتمل بعد رغم أنه بلغ 800 صفحة، في هذا المقام على التوضيح بأنه في البداية كان يطلق عليها معركة رغم أنها لم تكن كذلك لأن الشعب الجزائري الأعزل الذي لم يكن مسلحا كان يواجه جيشا مهيكلا منظما يستخدم أحدث الأسلحة للفتك به، وبالموازاة مع ذلك لجأت فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا إلى مجموعة من المحامين بينهم ثلاثة جزائريين من عدد إجمالي ناهز 84 محاميا يغطون إلى جانب الجزائر، بلجيكاوفرنسا.