أكّد أول وزير للعدل في عهد الجزائر المستقلة وعضو لجنة مساعدة ضحايا القمع الاستعماري، الأستاذ المجاهد عمار بن تومي، أمس، بالجزائر العاصمة، أن مهمة الدفاع عن مناضلي الحركة الوطنية المعتقلين بسجون الاحتلال الفرنسي إبان الثورة التحريرية لم تكن سهلة بدليل محاولة الادعاء العام الفرنسي التشويش على مهام المحامين والوصول حتى الى ممارسة التهديد بالقتل، داعيا في السياق إلى ضرورة اعتراف فرنسا الاستعمارية بكافة أساليب القمع والتعذيب التي مارستها ضد نشطاء الحركة الوطنية وجبهة التحرير. وأوضح الأستاذ بن تومي "محامي جبهة التحرير الوطني في تلك الفترة" في ندوة تاريخية نشطها بمنتدى جريدة "الشعب" بمناسبة الذكرى ال58 لأول نوفمبر 1954 تحت عنوان "الدفاع عن مناضلي الحركة الوطنية والثورة التحريرية"، أن هذه المهمة النبيلة كانت جد صعبة أمام تعنّت الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي كانت تتعمّد إصدار الأحكام التعسفية "أحكام الإعدام" في حق الجزائريين دون النظر في القضايا المطروحة أمامها، علما أن عدد المحامين الذين وافقوا على الدفاع عن المجاهدين الجزائريين المسجونين أثناء حرب التحرير لم يكن يتجاوز ال10 من أصل 632 محاميا. وأضاف أن غالبية هؤلاء المسجونين الجزائريين توبعوا بتهم وقضايا لا أساس لها من الصحة وفي غالب الأحيان تلفق لهم التهم في محاولة من الإدارة الاستعمارية لإخماد فتيل الثورة وكسر شوكة أعضاء جيش وجبهة التحرير الوطني. واستعرض المجاهد مطولا حيثيات وظروف تأسيس لجنة الدفاع عن المجاهدين الجزائريين، مؤكدا أن العديد من المحامين في تلك الفترة أبدوا موافقتهم بكل طواعية على التكفل بمهمة الدفاع بمعزل عن لجنة جبهة التحرير الوطني التي بادر بتأسيسها بباريس كل من المحاميين أوصديق ومهنا، مرجعا ذلك إلى خوف هؤلاء المحامين من ملاحقتهم من قبل السلطات الاستعمارية "منظمة الجيش السري بالتحديد" التي تمكنت من توقيف عدد كبير منهم وتصفيتهم فيما بعد. وأكد في هذا الاطار، أن حالة المتابعات والمضايقات التي كانت تمارسها السلطات الاستعمارية ضد المحامين الجزائريين أدت الى اغتيال العديد منهم على غرار المحامي أمقران ولد عاودية الذي اغتيل يوم 23 ماي 1959 قرب مكتبه بباريس الى جانب المحامي علي بومنجل الذي أوقف من قبل الشرطة الفرنسية بحي بلكور بالعاصمة يوم 8 فيفري 1957 واغتيل فيما بعد بأمر من الجنرال ماسو بعدما قضى 43 يوما تحت التعذيب. كما تم اغتيال المحامي أمحمد عابد –يضيف المتحدث- يوم 14 ديسمبر 1957 بالقرب من مجلس قضاء وهران على يد مجموعة كوموندوس تابعة لمنظمة الجيش السري الفرنسي. موضحا أن حملة الاغتيالات هذه طالت حتى المحامين المتعاطفين مع الثورة كالمحامي بيار غارينغ الذي اغتيل في جانفي 1962. ومن جهة أخرى، تطرّق المجاهد بن تومي إلى تاريخ المرافعات التي قام بها المحامون الجزائريون ضد نشطاء الحركة الوطنية قبل اندلاع الثورة والذين كانوا محل ملاحقة من قبل مصالح الاستخبارات الفرنسية ومنظمة اليد الحمراء الإرهابية ومنظمة الجيش السري "أو أ أس". كما تناول جانبا من نشاط أصحاب البدلات السوداء والتزامهم بالمرافعة للجزائريين المسجونين منذ 1954 الى غاية 1962 والعقبات التي كانت تعترض مهامهم. وفي الأخير، شدّد المحاضر على ضرورة اعتراف فرنسا الاستعمارية بكافة الجرائم البشعة والمعاملات اللاانسانية وممارسات التعذيب والقمع التي مارستها ضد الجزائريين ونشطاء الحركة الوطنية وجبهة التحرير الوطني في سجونها إبان الثورة، معتبرا ذلك جرائم دولة لا يمكن السكوت عنها مهما حاولت التنصل لكل ما اقترفته منذ احتلالها الجزائر سنة 1830 الى غاية الاستقلال في 1962. وللاشارة، جاء تنظيم هذه الندوة بمناسبة إحياء الجزائر للذكرى ال58 للفاتح نوفمبر 1954 تاريخ اندلاع الثورة التحريرية المجيدة وتزامنا مع الاحتفالات الرسمية المخلدة لخمسينية استرجاع السيادة الوطنية.