تكشف الكاتبة القصصية والروائية الدكتورة خيرة بوخاري في هذا الحوار، عن شغفها للكتابة وعشقها اللامتناهي للنجاح الذي يتأتى بالإصرار على مواصلة درب الكتابة والإبحار في عالم الكلمة لإيصال رسالتها في هذه الحياة عبر الحرف العربي، معتبرة الكتابة إبحار نحو عوالم خفيَّة، حاملة لرسالة للأمَّة، فما بين الإبحار والرسالة سفينة تحمل الآمال والطموحات نحو غد أفضل. «الشعب»: بداية من هي الأديبة خيرة بوخاري ليكون قراؤك على معرفة أكبر بك؟. خيرة بوخاري: أنا أديبة جزائرية من سيدي بلعباس، متحصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، كاتبة قصص أطفال وروايات أشق طريقي نحو الكتابة الأكاديمية، رئيسة جمعية «اقرأ وارتق» التي انبثقت من مشروع اقرأ وارتق الذي يشجع الأطفال على القراءة، كما أنني متطوّعة في عدة جمعيات ثقافية وخيرية، حائزة على لقب ثالث أفضل كاتبة قصص عربية لعام 2021 في مسابقة كأس العالم للمبدعين العرب بلندن بريطانيا. وعن بداياتي مع الكتابة فكانت من الجامعة بتشجيع من طرف أساتذتي، كنت أشارك في مسابقات الجامعة وكنت أفوز، أما الاكتشاف فقد تشبعت من القصص التي كانت ترويها لي أمي، قصص التراث الجزائري العريق، ومن هنا كانت الانطلاقة للكتابة. ماهو تقييمك لواقع اللغة العربية اليوم في المشهد العام بالجزائر والثقافي خاصة؟ ننطلق من مقولة اللغة ظلّ لأصحابها كلّما تقدّموا تقدمت وكلما تأخروا تأخرت، واللغة اليوم تعيش مع أصحاب التخصّص فقط، ومن القلة ما نجد من يتحدث باللغة العربية الفصحى، وذلك لتأثير اللغة الفرنسية ومخلفات الحقبة الاستعمارية في المجتمع الجزائري، مع أن الانفتاح على اللغات أمر مطلوب لكن الاهتمام باللغة الأمة أهم، وهو ما نقوم به أثناء تدريسنا. كيف ترين وعي المجتمع الجزائري بأهمية القراءة؟ ومن يتحمل مسؤولية تراجعها؟ تشهد الساحة الثقافية مؤخرا إقبال المجتمع الجزائري على القراءة، خاصة الأطفال، لاحظنا ذلك في سيلا 2022، خلال تقديمنا لورشة القراءة عن طريقة استراتيجية اليد المبتكرة، أين تمّ توزيع أكثر من 50 قصة من مؤلفيَ «قلعة العباقرة» و»فاكهة السماء»، فالطفل الجزائري يقرأ، لكن يحتاج للمرافق وتوفير الظروف له وتشجيعه، أما النخبة الأخرى من المجتمع فما شغلها عن القراءة لقمة العيش، كيف لشخص يستيقظ باكرا في رحلة بحث عن الحليب والزيت أن يقرأ، نحن نعيش أزمة الفكر العربي، أزمة التفكير، كيف لمواطن بسيط يصارع من أجل لقمة العيش أن يفكر في حمل الكتاب وهو يحمل هم لقمة العيش. مع انتشار وسائط التواصل الإجتماعي واكتشاف الجزائريين للغات أجنبية جديدة، ظهرت هناك مخاوف لدى بعض المثقفين من اللغات الأخرى رغم أننا في حاجة لمعرفة لغة الآخر للاطلاع على ثقافته، فلماذا كل هذا الخوف؟ الانفتاح على العالم ضرورة من ضروريات العصر، وتعلم اللغة سلاح للإنسان أينما كان وأينما حل وارتحل، وعن تجربتي بدولة اسبانيا اضطررت لتعلم اللغة الاسبانية، ولما ذهبت لمعهد تعلمها وجدت لافتة مكتوبة باللغة العربية من تكلم لغة قوم أمن شرهم، فالإشكالية إذن ليست في تعلم اللغات الأجنبية بل في عجزنا نحن أهل العربية في حوسبتها، يجب أن تكون اللغة العربية في المواقع الالكترونية تساير اللغات الأخرى، فالعجز ليس في اللغة بل في أهلها، ولحدّ الآن لازلت أتساءل وأبحث عمن يفتح لنا بريدا الكترونيا باللغة العربية، هذا هو التطوّر، ليس فقط التكلم باللغة، بل إدخالها في عالم التكنولوجيا، وهذا يعود لنا نحن الناطقين باللغة العربية، وهو ما يجب أن نفكر به مستقبلا. كيف ترين الواقع الثقافي واللغوي للأجيال الحالية؟ الواقع الثقافي واللغوي في الجزائر متذبذب، يحتاج إلى بذل جهود أكبر، فنحن المسؤولون بالدرجة الأولى، لابد من تظافر جهود النخبة المثقفة من أجل الاهتمام بالواقع الثقافي واللغوي للأجيال القادمة وحمايته، لأن هذا الجيل يسيطر عليه التطوّر التكنولوجي، فالطفل يستقبل يوميا أكثر من مئة معلومة من مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، مما يزعزع ثقافته وأمنه القومي، ويؤثر على لغته، وهنا وجب علينا مراعاة هذا الجانب ومسايرة التطوّر التكنولوجي لنستطيع التأثر على الأجيال الحالية وهو ما يسمى في مجال التعليم بالجيل الثاني. هل ترين أن المطبوعات والإصدارات الثقافية تفي بالغرض المطلوب لإثراء المشهد الثقافي؟ المشهد الثقافي بقدر ما يُثرى بالمطبوعات والإصدارات الثقافية يحتاج لمسايرة من قبل القارئ والمهتمين بالكتاب وبمجال النشر، فلا يمكن الحديث عن الكتاب دون كاتب، ولا يمكن الحديث عن الكاتب دون الحديث عن دور النشر، ولا يمكن الحديث عن دور النشر دون الحديث عن الصعوبات التي يواجهها الكاتب ودور النشر في الجزائر. كما يجب أن يساير النقد الإصدارات الأدبية وإلا كان تراكمات دون قراءة وتحليل ونقد. كيف ترين الواقع الحالي للمكتبة الجزائرية؟ المكتبات في الجزائر تسير على وتيرة واحدة، كونها مؤسسات ثقافية تعليمية معلوماتية ذات مبادئ وأطر اجتماعية ومنهجية وخدماتها مجانية، تطوّرت وظيفتها بتنامي الدور الاجتماعي الذي تلعبه، فبعد أن كانت عبارة عن أرشيف تحفظ فيه سجلات الدولة والكتب، أصبحت تستجيب لخدمة كل المجتمع تقدم خدمات على أسس علمية سليمة لجميع أصناف المجتمع بدون تمييز، لكن الإقبال على المكتبات لا يزال محتشما مقارنة بمكتبات دول العالم التي زرناها، إذ عندهم القراءة كالأكل والشرب، يحققون بها المبتغى والمراد، وفي هذا الصدد نقترح استراتيجية جديدة تستثير دافعية الأطفال لقراءة الكتب، وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نتائج جيدة ومبهرة، يمكن لهذه الاستراتيجية أن تكون بمثابة المحفز والمشجع على القراءة. من وجهة نظرك، ما هي العلاقة بين الأمن الثقافي والأمن القوي؟ يحيلنا لفظ الأمن الثقافي إلى نوع من التخوّف، هل تحتاج الثقافة لأمن؟ في حين أن المثقف هو المقام الأعلى أو القدوة، وقد يوحي الحديث عن الأمن الثقافي إلى التناقض بينهما، فالثقافة هي الإبداع والانفتاح والتفاعل والتعلم والتأثر والتأثير، في حين أن لفظة الأمن يستدعي البحث عن المأمن، وهنا نتساءل؟: ممن؟ فحينما نجد أن الثقافة تبحث عن أمنها فنحن في مأزق فكري ثقافي، فالثقافة أعم وأشمل من أن نضيق نطاقها بلفظ الأمن الثقافي. لا بدّ من بناء معنى إيجابي لمفهوم الأمن الثقافي يُمكنُنا من الانفتاح على العالم والآخر دون خوف، أما إذا نظرنا إلى اللفظ من جانب آخر يمكن القول، إن الأمن الثقافي في حدّ ذاته يكون حماية عن ثقافة الشعوب الخاصة بها أو حماية أفكار المؤلف من سلبيات التفكير، لأن في القول بأمن ثقافة بهذا المعنى الدفاع عن كل ما هو ثقافي أمني قومي وله ما يبرّره في عالمنا المعاصر وفي الجاري من تحولاته وتحديات حقائقه الجديدة، كما يمكن اعتبار الأمن الثقافي تلك البيئة التي تستطيع من خلالها أمة ما أن تجتاز مسيرتها التكاملية بالتزامن مع حفظ هويتها الثقافية وبدون التصادم مع الموانع البشرية، والحفاظ على الهوية يحتاج إلى أمن قومي. أما الأمن القومي فله علاقة تاريخية بالأمن الثقافي، فكل ما هو ثقافي لبلد ما يحتاج للحماية وللأمن القومي، كحماية التراث لدى كل من الحضارة والثقافة الدينية والإسلامية ويحتاج تطوّر الحضارة والثقافة المرتبطة بالدين، والإبداع في العلم والفن، إلى الثبات والاستقرار الاجتماعي الأمني والهدوء أكثر من أي شيء آخر. ومنشأ ومولد الحضارة والثقافة هو في المجتمع النامي والآمن، ومن جهة أخرى فإن تطور وترقي الحضارة والثقافة كفيل بالحفاظ على الأمن وثباته. ماهي إصداراتك وماذا تعالج؟ أوّل مولود لي في المجال الأدبي كان قصصيا، لمعالجة عدَّة قضايا اجتماعيَّة شهدتها أثناء تدريسي، الذي صقّل موهبتي في الكتابة القصصية، لأنّنا نعيش الواقع ونلامس شغاف القلوب بمعاملتنا للأطفال فما كان منّا إلاّ إصدار مجموعة قصصيّة بعنوان «فاكهة السّماء» عن دار غراب للنشر والتوزيع بمصر وطبعت ثانية بدار بياض بالمسيلة، ثم «حواء تغسل قلبي» لدار النشر ملتقى ابن النيل الأدبي بمصر 2019، وبعدها رواية بعنوان «أمنية فوق الجسر» طبعت بدار خيال برج بوعريريج، أين جمعت هذه الرواية بين أمنيات الشباب وطموحاتهم وعبورهم لجسور الحياة، وبعدها سلسلة قصصية بعنوان «قلعة العباقرة»، لجعل الطفل يتعلم كيف يواجه صعوبات الحياة، وتنمي ذكاء الطفل ثم «الأمراء العشرة والسر العجيب»، وهي فكرة راودتني لما زرت أطفالا أيتام، ففكرت في تشجيعهم على الكتابة، فكتبوا وأقمت لهم أول معرض لكتاب الطفل في اليوم العالمي للطفل ثم عدت لعالم الرواية وبالضبط لتاريخ جزائرنا العريق فكتبت «حرائر على أسوار الثورة» عن دار يوتوبيا ثم كتاب «الوباء العالمي كوفيد-19 بين المدِّ والجزر وتأثيره على المستويات العالميّة - التّحدّيات والآفاق «تلاه كتاب تحت الطبع بدار يوتوبيا «الشعرية في النقد العربي القديم». مشاريعك المستقبلية؟ تعميم مشروع اقرأ وارتق على مستوى الجزائر، وهي مبادرة رأيت فيها مشروعا بمعنى الكلمة، كون الأفكار البناءة تسمو بالفرد والمجتمع، وقد حثَّنا ديننا الحنيف على القراءة هذا الفعل الذي يجب أن يتكرّر معنا ويصبح عادة لتنمية مهارات القراءة والكتابة لدى المتعلم، بدأت المشروع السنة الماضية مع قسم السنة الثالثة منذ بداية السنة، يحضرون الكتب ويقرأونها بعد استشارتي حتى أرى إذا كانت تناسب سن المتعلم، وعزمنا على قراءة خمسين كتابا في السنة، فوصلوا لقراءة ما بين ثلاثين إلى خمسين كتابا، فكانت النتائج مبهرة جدا وتحسن ملحوظ في اللغة العربية، الطريقة كانت ممنهجة حيث أحضر للتلاميذ أوراق مقوى ملونة ونقصها على شكل مستطيل، وبعد قراءة المتعلم للكتاب يكتب اسم الكاتب وعنوان الكتاب وملخصه، بعدد الكتب التي قرأها، أما شكل الأيادي الملونة فيكتب عليها الألفاظ الجديدة التي تعرف عليها من كل كتاب أو قصة، وكذلك يشرح فيها المفردات الصعبة، أما سبب اختياري للألوان لأن لها دورا مهما في تنشيط الذاكرة البصرية للمتعلم، وكذا تكشف عن شخصية الطفل المتعلم من خلال اختياره للألوان الفاتحة، وفي آخر السنة أقوم بإحضار أساتذة لغة عربية أو فرنسية أو انجليزية من أجل مساعدتي في امتحان المتعلم في قراءة الكتب، بمعنى لجنة خاصة، يقدم المتعلم ملخصه شفويا، ويشرح المفردات الجديدة عليه، وتقدم تكريمات لكل المتعلمين، وهذه السنة أعطى قسم اقرأ السنة الماضية المشعل لقسم السنة الأولى متوسط لنرفع التحدي لقراءة أكثر من خمسين كتابا، وقد مسّت هذة المبادرة أربعة أقسام بمعدل ثلاثين تلميذا في القسم. ماهي المواضيع التي تحبين الكتابة فيها؟ الكتابة الأدبية، خاصة القصص، باعتبار الأدب أحد أهمّ أشكال التعبير الإنساني في الحياة، فهو فسحة تأملية تعبيرية عن العواطف والأفكار والخواطر والهواجس التي ترافق البشر، فيعبّر عنها بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى الشعر إلى أجناس أدبية أخرى، فمَّا نلج الأدب عبر بوابة التّأمل والتفكّر فإنّنا نبحث عن ذواتنا داخل نبض الحرف العربي، داخل الكلمة وما يجاورها، داخل الجملة وما تكتنزه من معانٍ وألفاظ، لنبحث عن قضايا اجتماعيَّة يمكننا معالجة عن طريق الكتابة، لنبحث متعة لا يمكن أن تجدها خارج إطار الكتابة، فإذا للقراءة متعة فللكتابة سحر لا يدركه إلاّ من سهر الليالي رفقة الورقة والقلم. تحدثي لنا عن المرأة والكتابة؟ الكتابة والمرأة وجهان لعملة واحدة، فإذا وجدت تاء التأنيث في لفظ الكتابة إلا لتعود لأحضان المرأة، ودلالة على ميولها للكتابة، فقد أوجدت لي الكتابة عالمًا لا ينظر للأسفل، بل ينظر للقمة دوما، يسمو للعلى، الكتابة تجعلها ترتقي نحو الأفق، نحو الكلمة، نحو رسالة نبيلة، الكتابة تجعلها تنظر للمستقبل نظرة استشرافية تنطلق من الفرد كلبنة أساسية في المجتمع إلى الآخر الذي يمثل حلقة من حلقات تكامل هذا المجتمع.