أضحت السياحة التاريخية مصدرا مهما لتحقيق عوائد مالية. المعالم التاريخية والمتاحف بكل ما تحتويه من شواهد على زعماء المقاومات الشعبية والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، تساهم في ترقية والترويج لسياحة الذاكرة أو السياحة التاريخية في الجزائر. المتحف الوطني للمجاهد هيئة تروّج للسياحة التاريخية، نشط بالصالون الدولي للسياحة في طبعته ال21 لتعريف الزوار بتاريخ الجزائر من 1830 إلى 1962، ونشر الثقافة التاريخية بشتى الوسائل التكنولوجية الحديثة. التقت «لشعب» مديرة المتحف حياة معمري، التي قدّمت شروحا حول دور هذه المؤسسة المتحفية، في الحفاظ على الذاكرة الوطنية عبر جمع واسترجاع الوثائق والأشياء المتعلقة بالمقاومة والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، وعرضها على الجمهور، وتمكين المجاهدين من تسجيل شهادات حيّة حول مساراتهم النضالية والثورية، ووضعها في متناول الباحثين والطلبة. تقول معمري: «في إطار الذكرى ال60 لاسترجاع السيادة الوطنية، وترقية سياحة الذاكرة أو السياحة التاريخية نؤكد أننا نحافظ بشتى الوسائل على الذاكرة وتبليغ رسالة الشهداء، وإرساء الثقافة التاريخية». تطبيق «اختبر ذاكرتك التاريخية» وتضيف في أيام صالون السياحة: «متواجدة هنا مختلف المواقع التاريخية شاهدة على تاريخ الجزائر ومختلف إنجازات وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، نحن تحت وصاية قطاع المجاهدين، الذي يساهم من خلال هيئاته المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، والمتحف الوطني للمجاهد والمتاحف الولائية في صون الذاكرة الوطنية». وتكشف عن تطبيقة «اختبر ذاكرتك التاريخية»، عبارة عن مسابقة الكترونية عن طريق شاشات اللمس فيها عشرة أسئلة عن الثورة في 50 ثانية خاصة بالشباب المهتم بالأمور الالكترونية، موجهة إلى كل الأطوار التعليمية فما فوق، والحائز على نقاط يهديه المتحف كتابا ضمن إصدارات وزارة المجاهدين وذوي الحقوق في إطار الحفاظ على الذاكرة. وهذا ما يغذي الثقافة العامة للشبان في التاريخ. وتوضّح أن هذه التطبيقة أنجزها مجموعة من الأساتذة بالتنسيق مع مفتشين في وزارة التربية وهي تندرج في إطار الرقمنة، وتنفيذا لتوجيهات الوزير الأول وضمن استراتيجية وزارة المجاهدين وذوي الحقوق. ويوفر المتحف للزوار زيارة افتراضية لانجازات وزارة المجاهدين وللمتحف الوطني للمجاهد، علما أن كل المتاحف والمعالم التذكارية ستكون مرقمنة وضمن المنصّة الرقمنة الموجودة، وبمساهمة الوكالة الفضائية الجزائرية. وتشير مديرة المتحف أن إدارة هذا الأخير تعمل على تمكين الجمهور بكل فئاته من زيارة المتحف بفتح أبوابه على مدار كل أيام الأسبوع وبدون انقطاع، من الساعة التاسعة صباحا إلى العاشرة ليلا. يستقبل المتحف وفودا رسمية وعائلات وشباب وأطفال تقدّم لهم خدمات التعريف بتاريخ الجزائر، والولوج إليه عبر مختلف المعروضات من وثائق وأغراض استرجعت، حيث سجل في السداسي الأول هذه السنة 148 ألف و245 زائر والعدد يتزايد بعد جائحة كورونا. وتؤكد معمري أن المتحف الوطني للمجاهد بكل نشاطاته والمجلس العلمي والتقني الذي نصب مؤخرا، يساهم على الحفاظ على الذاكرة بنشاطات وعملية استرجاع الوثائق، وهي الحملة التي أطلقها الرئيس الراحل هواري بومدين منذ 1970، وما زالت متواصلة. وتضيف: «هناك من يقدّم وثائق وأسلحة وألبسة، ندعو كل الزوار للولوج إلى تاريخ الجزائر من خلال معروضات المتحف، وأيضا الترحم على روح الشهداء لأن فيه قبة الترحم ونرحب بكل الوافدين من داخل وخارج الوطن». تسجيل شهادات المجاهدين ويواصل المتحف الوطني للمجاهد تسجيل شهادات المجاهدين ومسارهم النضالي بعد انقطاع بسبب جائحة كورونا التي حالت دون تنقل أعوان المتحف أو استقبالهم للمجاهدين، حيث توجد آلاف التسجيلات ولا زالت العملية متواصلة. ومن إصدارات المتحف سلسلة أمجاد الجزائر وهي متواصلة، موجهة للناشئة، أنجزها مجموعة من الأساتذة وراجعها المجلس العلمي والتقني للمتحف حتى تكون المعلومة صحيحة. وتكشف معمري عن تحضير برنامج مهم نهاية أكتوبر، منها ملتقى دولي خاص بالبعد العربي للثورة الجزائرية بوهران، ومعرض للكتاب التاريخي وآخر خاص بالمتحف الوطني للمجاهد، وأعمال أخرى منها الملحمة التاريخية التي ستكون ليلة أول نوفمبر، وبرنامج آخر يُعلن عنه قريبا عن طريق وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، وهذا تزامنا مع انعقاد القمة العربية بالجزائر. معرض كرونولوجي من 1830 إلى 1962 قدّم صلاح الدين غانم، مستشار ثقافي للمتحف الوطني للمجاهد، شروحا حول مختلف أجنحة المتحف المعروضة بالصافكس، يقول: «في إطار تنظيم المعرض الدولي للسياحة والأسفار في طبعته ال21، شارك المتحف الوطني للمجاهد بجناح خاص بالمسار الكرونولوجي التاريخي لأهم المواقع التاريخية، بداية من الغزو الفرنسي لساحة سيدي فرج». ويضيف أن معرض المتحف يكون دائما مرتبطا بالصور التاريخية المخلدة للحدث، وصورة للموقع الحالي الموجود، زيادة على التعاريف المحيطة بالصورة سواءً الصورة التاريخية أم الموقع الحالي. وشريحة خاصة بنظام تحديد المواقع العالمي GPS، يلتقط السائح صورة عن طريق الهاتف المحمول ويتعرف على مساره للوصول إلى ذلك الموقع. أول جناح يتعرّف عليه الزائر هو جناح المقاومة من 1830 إلى 1919، يستمع فيه لشروح حول مقدمات الاحتلال ابتداء من حادثة المروحة في 29 أفريل1827، وإنزال القوات الفرنسية بسيدي فرج، ومشهد لإنزال القوات الفرنسية بميناء سيدي فرج في 14 جوان 1830 ومعركة سطاوالي في 19 جوان من السنة ذاتها. والجناح الثاني فيه صورة لمبايعة الأمير عبد القادر تحت شجرة الدردارة بسهل غريس بولاية معسكر، وهو حاليا مهيأ للزيارات، وصورة خاصة بمحرقة الظهرة، حيث حولت المغارات التي شهدت مجازر ضد الجزائريين إلى مكان سياحي تاريخي. إضافة إلى برج المقراني في ولاية برج بوعريريج، الذي أصبح معلم أثري تؤمه وفود عديدة والمنظمة عن طريق الوكالات السياحية، وهذا لبنة لبناء الصناعة السياحية في الجزائر من خلال هذه المواقع والشواهد التاريخية التي تساهم في الاقتصاد الوطني، يقول المستشار الثقافي للمتحف. ومن بين المعالم التاريخية التي يعرضها المتحف، منزل إلياس دريش بالمدنية أين اجتمع فيه مجموعة ال22 التاريخيين، وهو عبارة عن معلم تاريخي لتنمية سياحة الذاكرة في الجزائر، ومنزل مراد بوقشورة ببولوغين أين اجتمع فيه مجموعة الست التاريخيين، والمنزل الذي استشهد فيه علي لابوانت رفقة حسيبة بن بوعلي وآخرون بالقصبة والذي أصبح متحفا. إضافة إلى المنزل الذي سحب فيه بيان أول نوفمبر بقرية اغيل ايمولا بتيزي وزو، والآلة الراقنة التي سحب بها البيان، وهي شواهد لتاريخ الجزائر في كفاحه ونضاله، يقصده العديد من الزوار في المناسبات التاريخية، وبالتالي يسمح لمن يعملون في النقل وفي بيع الصناعات التقليدية للسياح الأجانب بالحصول على مداخيل للأفراد، وتنمية الصناعة السياحية. تثمين المعالم التاريخية ومن بين الشواهد التاريخية المعروضة صورة لمنزل انعقاد مؤتمر الصومام بإفري أوزلاقن، ومعلم تاريخي لمكان استشهاد العقيد لطفي ببشار، وسجن بربروس الذي نفذ فيه عشرات الأحكام بالإعدام في حق المجاهدين وصورة زبانة هو رمز لهؤلاء الشهداء. وصورة لحجم الدمار الذي خلفه قصف الطائرات الحربية الفرنسية على قرية ساقية سيدي يوسف في 8 فيفري 1958، أين امتزجت دماء الجزائريين بأشقائهم التونسيين، وصورة للوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان مع رئيسة الحكومة التونسية عندما زار هذا المعلم التاريخي في 2022. يقول صلاح الدين غانم: «نحاول تثمين هذه المعالم التاريخية بترقيتها بوسائل علمية تكنولوجية أكثر رقمية، أي رقمنة الموروث الحضاري». كما نرى الصورة التاريخية للدمار الذي تتعرّض له المنطقة والأشقاء التونسيين. ويختتم المعرض برفع الراية الوطنية لأول مرة في الجزائر المستقلة من طرف أكلي محند اولحاج، بسيدي فرج في 5 جويلية 1962، ويبقى هذا المكان تاريخي وقطب سياحي يقصده السياح. ولتخليد الشهداء دشّن نصب تذكاري من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بمعية الرئيس التونسي قيس السعيد، والأسرة الثورية في 5 جويلية احتفاء بالذكرى ال60 لاسترجاع السيادة الوطنية. ويؤكد المستشار الثقافي بالمتحف أن كل صور المتحف موثقة عن طريق نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» تسمح للسائح بالوصول إلى المواقع التاريخية بالجزائر. ويعرض المتحف الوطني للمجاهد أيضا إنجازات وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، ويعتبر مقام الشهيد قطب سياحي، وتحتوي الولايات الست التاريخية على متاحف جهوية، تتفرع عنها المتاحف الولائية تقريبا 38 متحفا ولائيا. إضافة إلى معرضين للذاكرة على مستوى الجزائر العاصمة ببن عكنون، ومعرض الذاكرة بوهران، مهيأ بطريقة عصرية ومقاييس دولية. وهناك المعالم التذكارية في ساحة المدن على غرار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يمكن للسائح التوجّه إليها، ويمكن لأي مواطن زيارة المتحف افتراضيا عن طريق الولوج إلى موقعه. ترقية العرض المتحفي ويوزع المتحف يوميا سلسلة أمجاد الجزائر الخاصة بشهداء المقاومة والحركة الوطنية والثورة التحريرية، ونسخ من النشيد الوطني وإصدارات من كتب ومجلات. ويشير ممثل المتحف الوطني للمجاهد، إلى أن هذا الأخير حاول تدريس التاريخ بطريقة عصرية حديثة تحبّب الشباب وتغرس لديهم شغف الاطلاع على الأحداث التاريخية، بدل النفور.