فائض في رصيد معاملات ميزان المدفوعات لأول مرة منذ 2013 ارتفاع في القيمة الاقتصادية المضافة بفعل الصادرات خارج المحروقات سجل صندوق النقد الدولي، انتعاشا لافتا للاقتصاد الجزائري منذ السنة الماضية، وأثنى على الإصلاحات الهيكلية التي أقرتها السلطات العمومية، خاصة تلك المحفزة للقطاع الخاص. دوّنت بعثة صندوق النقد الدولي، إلى الجزائر، نقاطا جد إيجابية حول أداء الاقتصاد الوطني في السنتين الأخيرتين، وأشادت بقدرته على مقاومة الصعوبات التي ارتبطت بتفشي جائحة كوفيد-19. وقالت رئيسة البعثة جنيفييف فيرديي، أول أمس، في ندوة صحفية إنها: «سجلت انتعاشا للاقتصاد الجزائري، بدأ سنة 2021 ويستمر في 2022». وتابعت: «دونا في تقريرنا، النجاعة الاقتصادية للجزائر، وهو أمر نحييه، بعد سنتين من الجائحة الصحية». وتواجدت جنيفييف فيرديي، في الجزائر، على رأس بعثة صندوق النقد الدولي، خلال الفترة الممتدة ما بين 6 و21 نوفمبر الجاري، وأجرت لقاءات مع قطاعات حكومية عديدة، ومسؤولي المؤسسات المالية للبلاد، لتختم مهمتها بعرض بيان حصيلة نشاطها أمام وسائل الإعلام الوطنية، بالتنسيق مع مصالح بنك الجزائر. وتزامن عمل البعثة مع عرض ومناقشة قانون المالية 2023، ومشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المقبلة والتدابير التي اعتمدتها السلطات العمومية، في إعدادهما، بناء على مؤشرات مالية واقتصادية واضحة. في السياق، أيّد صندوق النقد الدولي التقارير الرسمية للحكومة، التي أكدت أن «جميع المؤشرات باللون الأخضر»، وأقر على لسان مبعوثته إلى الجزائر، بتسجيل فائض في رصيد المعاملات الجارية لميزان المدفوعات، لأول مرة منذ 2013، ولا يرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية فحسب، بل أيضا إلى الارتفاع الملحوظ في الصادرات خارج قطاع المحروقات، بحسب فيرديي. وكان الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، قد أعلن، في سبتمبر الماضي، خلال عرضه بيان السياسة العامة أمام البرلمان، أن الجهاز التنفيذي ينتظر فائضا في الميزان التجاري بقيمة 17 مليار دولار، عن إغلاق السنة الجارية. وخلص تحليل صندوق النقد الدولي، إلى أن المداخيل الاستثنائية للمحروقات، أدت إلى تخفيف الضغوط على المالية العمومية والخارجية للبلاد وعلى ميزان المدفوعات، ليرتفع احتياطي الصرف إلى 53.5 مليار دولار في سبتمبر الماضي. وسجل في المقابل، ارتفاعا في القيمة المضافة للاقتصاد الجزائري بفعل ارتفاع الصادرات خارج قطاع المحروقات. وحدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، سنة 2020، أهدافا مرحلية لتنويع الاقتصادي الوطني، حيث تم تحقيق هدف تصدير 5 ملايير دولار العام الماضي، ويجري العمل على تصدير 7 ملايير دولار هذه السنة. وخلال اجتماع الحكومة والولاة، أكد الرئيس تبون أنه، ولأول مرة منذ الاستقلال، يتم تجسيد الخروج من التبعية للمحروقات قولا وفعلا، بعدما ظل مجرد شعار لعدة عقود. هذه السياسة المشفوعة بإصلاحات هيكلية، مست بالدرجة الأولى الترسانة القانونية ككل، غيرت توقعات صندوق النقد الدولي بشأن النمو خارج المحروقات، ليرتفع نحو الأعلى ويصل 3,2٪ نهاية السنة الجارية، مقابل 2,1٪ سنة 2021. وعاد توقع مؤسسة بروتون وودز، لنسبة نمو الناتج الداخلي الخام ليتطابق مع التقارير الرسمية للحكومة الجزائر، إذ ستقدر ب2,9٪ بنهاية السنة، وفق ما أكدته جنيفييف فيرديي، التي أفادت بأن التعافي الملحوظ، سيسمح بامتصاص الخسائر المرتبطة بالإنتاج خلال جائحة كورونا، وسيؤدي أيضا إلى تباطؤ مستوى التضخم خلال السنة المقبلة، مقابل تسارع النمو. في السياق، أوضحت المتحدثة، أن التضخم معضلة عالمية، لا ترتبط بالجزائر لوحدها، ونجمت عن تداعيات الحجر الصحي خلال تفشي فيروس كورونا، واندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، وصعوبات في سلاسل الإمداد لبعض السلع والتهاب أسعار بعض المواد الأولية. وعبّرت فيرديي، في حوارها مع السلطات العمومية، عن إعجابها بعدم لجوء الجزائر إلى التمويل النقدي (طباعة الأموال)، واعتمادها في المقابل على الإصلاحات الهيكلية، من قبيل تعديل قانون الاستثمار وصدوره بكافة مراسيمه التنظيمية والذي يقدم حوافز كبيرة للقطاع الخاص، وشروع بنك الجزائر في إنجاز تدابير للحد من التضخم. ومن بين أبرز الخلاصات التي توصلت إليها بعثة صندوق النقد الدولي، أنها لمست جدية السلطات الجزائرية في تحقيق طموح تنويع الاقتصاد وخلق مناصب الشغل وتعزيز مكانة القطاع الخاص. في المقابل، أوصت البعثة بضرورة توخي التكامل والانسجام بين مخططات الإنفاق وخطط التمويل العمومي عند إعداد الميزانية، بما يسمح بضمان توازن الميزانية، عن طريق الادخار تحسبا لصدمات اقتصادية مستقبلة طارئة. ووفقا لتقديرات الخبراء، ضبطت الجزائر بشكل محكم ميزانية 2023، وستتمكن بشكل أكبر من اكتساب آليات اليقظة المالية عند إدخال مقاييس أخرى إلى جانب سعر برميل النفط عند إعداد الميزانية.