تعزيز دور النيابة والضبطية القضائية في التحري ومتابعة المعتدين انتقلت أجهزة الدولة، إلى مرحلة أخرى من مراحل قطع دابر الفساد والمفسدين، وقررت استعمال "الردع المشدد" مرة أخرى، ولكن هذه المرة ضد المتاجرين ب«أراضي الدولة" والمعتدين عليها بغير وجه حق، لوضع حد لجرائم مست العقار بكل أنواعه، عن طريق نص قانوني يرفع درجة العقوبة إلى 20 سنة سجنا، ويضع آليات جديدة لمحاربة "سماسرة العقار"، تتمثل في تعزيز دور النيابة والضبطية القضائية في التحري ومتابعة هذه الجرائم، وإنشاء خلايا إنذار محلية للتبليغ وكشف حالات التعدي على أراضي الدولة. تمسك الحكومة بآلية الردع، لمواجهة الفساد، جاء ليعزز جهودها في القضاء على هذه الآفة التي تفشت في المجتمع الجزائري، في السنوات الماضية، وكرست ظاهرة عدم الامتثال للتنظيم والقانون، من طرف أفراد وجماعات استولت على أراضي مملوكة للدولة وتحويل أخرى عن طبيعتها القانونية دون وجه حق، فانتشرت تجمعات سكانية ومباني، لا تحترم شروط البناء والتعمير، وظلت أخرى مسيّجة تحمل عبارة "ملك خاص" وهي دون وثائق ملكية لحد الآن. في شهر أوت الماضي، تعهّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في لقاء إعلامي، بوضع حد لهذه التجاوزات، والقضاء على جريمة المساس بأراض تابعة لأملاك الدولة، عن طريق إصدار قانون جديد يعاقب بقوة المستولين على أراضي الدولة. وقال لممثلي الصحافة الوطنية يومها "نأسف أن بعض الأراضي حررناها من السكن القصديري، وقمنا بترحيل سكانها السابقين إلى شقق تتوفر على كل الضروريات، ليأتي سكان آخرون لاحتلالها بتواطؤ من بعض المسؤولين، وهذا الأمر سنقضي عليه". وأعلن أنه: "سيكون هناك قانون عن قريب جدا يكون فيه العقاب وخيما لمن يستولي على أراضي الدولة بدون وجه حق". وأكد رئيس الجمهورية، أنه "لا يوجد ديمقراطية وأمن للمواطن إلا بدولة قوية، لأن الدولة الضعيفة لا تستطيع حماية مواطنيها وستركع لقوة الغير". وبتاريخ 14 نوفمبر، شدد رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء على أن "القانون فوق الجميع، وحماية المواطن أولى الأولويات ومحور اهتمام الدولة"، مؤكدا على ضرورة "استمرار مؤسسات الدولة في متابعة كل أشكال الفساد، مهما كانت امتداداته، بالتنسيق مع الهيئات المعنية". نظام قانوني جديد تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، تقدمت الحكومة، بنص المشروع التمهيدي، يتعلق بحماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، قدمه وزير العدل حافظ الأختام. ينص المشروع التمهيدي لهذا القانون، على نظام قانوني جديد من شأنه أن يسمح بمكافحة البناءات غير القانونية المنجزة على أراضي الدولة، مع رفع العقوبة بالسجن لمدة 20 سنة، لمن يخالف هذا التنظيم. ويتضمن القانون الذي قدمه وزير العدل رشيد طبي تدابير تسمح "بمكافحة البنايات غير القانونية المنجزة على أراضي الدولة بشكل فعال، وتعزيز مسؤولية مسيريها وضمان الاستغلال الأمثل لأراضي الدولة''. ويحظر القانون الجديد أي مساس أو استيلاء على الأراضي المملوكة للدولة، سواء كان لغرض البناء عليها أو استغلالها في أغراض أخرى. ويكرس هذا النص إطارا قانونيا يحظر ويقر عقوبات شديدة قد تصل إلى السجن لمدة عشرين 20 سنة، وفرض غرامة بمبلغ مليوني دينار جزائري، على كل تعدي على أراضي الدولة أو أفعال تؤدي إلى تدهور قيمتها أو تغيير وضعها أو طابعها. إنشاء خلايا إنذار محلية للتبليغ يوضح أستاذ القانون العام بجامعة معسكر الحاج مختار بوداعة ل«الشعب"، أن مشروع قانون حماية الأراضي الذي تقدمت به وزارة العدل في إطار توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للحكومة، يرمي إلى وضع وتفعيل الآليات القانونية، لحماية الأراضي التابعة لأملاك الدولة ومنع كافة الاعتداءات والسطو عليها، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة بدت واضحة للعيان في السنوات الأخيرة، مما اقتضى تحرك مصالح وأجهزة الدولة لوضع حد لها، ولتجاوزات أفراد وجماعات. وذكر بوداعة، أن هذا المشروع الذي أعدته وزارة العدل شاركت فيه عدة قطاعات وزارية، على غرار وزارات الداخلية، الصناعة، المالية والسكن. وقد جاء، مثلما قال، "بآليات متكاملة من أجل حماية الأراضي التابعة لأملاك الدولة، مهما كانت طبيعتها، سواء كانت أراضي ذات طابع فلاحي، أو أراضي ذات طابع صناعي أو أراضي مخصصة للبناء، أو نشاطات أخرى". والمهم، بحسبه، "أنه آلية أساسية لدعم القواعد القانونية، التي كانت موجودة وتضطلع بحماية الأملاك الوطنية". وأضاف، "ما يلاحظ في هذا القانون هو مسألتان أساسيتان، الأولى المتعلقة بالجانب الموضوعي، المتمثل في تشديد العقوبات على كل من يسطو أو يحوز بطرق غير قانونية الأراضي التابعة الدولة ويغير من طابعها القانوني، قد تصل إلى 20 سنة سجنا. وبالتالي استعمال الآليات الردعية لوقف ووضع حد لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على الأملاك الوطنية والأراضي التابعة للدولة". والجانب ثاني يقول، "إجرائي حيث هناك عدة آليات مهمة جدا جاء بها مشروع هذا القانون، تتمثل أساسا في تعزيز دور النيابة العامة في متابعة هذا النوع من الجرائم، ومتابعتها على المستوى الجزائي من خلال تحريك الدعوى القضائية. كذلك تفعيل دور الضبطية القضائية في مجال البحث والتحري على هذا النوع من الجرائم والاعتداءات التي تمس الأملاك والأراضي التابعة للدولة". وينص النص كذلك، بحسب ما صرح به أستاذ القانون بوداعة، "على ما يسمى خلايا الإنذار المحلية من خلال إنشاء خلايا محلية على المستوى المحلي، تشارك بها الجماعات المحلية للإبلاغ وكشف مسألة التعرض والتعدّي على الأراضي التابعة لأملاك الدولة بمشاركة المجتمع المدني، وتحت إشراف وزارة العدل من خلال نيابات الجمهورية على مستوى محاكم الجمهورية، لأن وزارة العدل هي المخولة بردع ومتابعة هذا النوع من الاعتداءات". وأوضح أستاذ القانون، أن هذا المشروع جاء بآليات قانونية ردعية وآليات إجرائية لتعزيز سلطة النيابة وسلطة الضبطية القضائية في التحري والبحث، وأيضا بآليات وقائية تتمثل خاصة في مسألة ما يسمى خلايا الإنذار المحلية، وهذه كلها آليات مهمة لوضع حد لكل الاعتداءات، بالإضافة إلى التبليغ عن كل حالات عدم تسوية وضعية البنايات الفوضوية التي تتم خارج إطار القانون والاعتداءات على الأملاك الوطنية. وأشار بوداعة، إلى أن الفترة الماضية، عرفت استيلاء رجال المال الفاسد وأصحاب النفوذ، بدون وجهة حق، على أراض مملوكة الدولة. أما أستاذ القانون بكلية الحقوق بالعاصمة، الأستاذ عبد الرزاق واشم، فرأى في تصريح ل "الشعب"، أن السلطات العمومية والجهات المعنية، قررت معالجة ملف له تداعيات وأسباب في التدهور الاقتصادي، ومنها العقار لأنه "مربط فرس" الاستثمارات والمشاريع لكل نشاط اقتصادي، لذلك تم استصدار نص تشريعي من شأنه أن يضبط ويحدد التدابير والإجراءات القانونية لإعادة الأمور إلى نصابها، والحد من الاعتداءات التي طالت الأراضي التابعة لأملاك الدولة.