سلامٌ عليك يا نائل هكذا مجرداً بلا ألقاب أناديك لأنك لم تعش من سنوات عمرك ما يجعلك في سن أعمامي.... ولأنّ السّجون تحرق السّنوات والمراحل، فنصبح نحن معشر السجناء أخوة في نفس العمر حتى بعد أن يسرق المشيب لون رؤوسنا. سلام عليك يا نائل وأنت تُعاكس طبيعة الأشياء، فتلد النور من روحك لا تستقبله من شمس ولا قمر. سلام عليك أبا النور تشهد تآكل الحديد ومُضي العمر، وأنت قابعٌ على صليبك تحتضنه وكأنه بقايا روح فرحة تحرث أراضي قرية كوبر.... سلام عليك حين اعتقدت ببراءة الفدائي أن زواج أسير من أسيرة كفيل بأن يلد لهذه البلاد حريتها...فكنت وإيمان بحبكما نقيض السجن... سلام عليك وقد دار الزمن حول نفسه وأنت لا تزال مؤمناً بطب القرية والأعشاب، فعالمك ثابت مكانه منذ أربعين عاماً... تُراك يا نائل لا تزال تذكر رائحة الزعتر والعكوب والمطر....أتذكّر سناسل كوبر وآبارها أم أن هذا أيضاً انسل من ذاكرتك كما انسلت سنوات العمر بلا رجعة.... سلام عليك وأنت حُرٌّ في عالم مقيد...سلام عليك لأنك نجوت بروحك من محرقة التراجع والسقوط في الخارج..... إن كان لسجنك من فائدة هو أنّك لا ترى زماننا المسخ كما نراه.... ففي غيبتك يا أخ القيد سطا العثُ على كل شيء.فقُرانا باتت معازل...ومدننا تزحف على بطنها في ركب الحياة، فلا هي واكبت ما يجري في الدنيا، ولا احتفظت بعذريتها الأولى فضاعت بين ما كان وما يُراد لها أن تكون... حتى الشتاء يا نائل بات باهتاً، فلا ثلج على الجبال ولا غزلان تتقافز على التلال...شتاؤنا ملحي...أصواتنا مجروحة...ونحن تائهون... في زمانكم الأول كانت قذائفنا من حديد ثم باتت من كلام، والكلام بات همساً واليوم صار صمتاً مؤبداً كمحكوميتك تماماً... العاشقين صاروا كذبة...والثوار أضحوا كتبة والكتبة يرتزقون بالأقلام والأوهام... اليوم يا نائل كل قومنا صاروا شيوخاً...شيوخ دين تُكَّفِرُنا...وشيوخ نفط تقتلنا... البنادق يا أبا النور ضاعت...والأرواح تاهت...أتعلم حتى حريتنا المنقوصة ما بعد الأسر باتت مُشوّهة ماذا يعني أن نخرج من السجون وهي لا تزال تقطن أرواحنا أو أرواحنا تقطنها لا فرق... لكل ما سبق ولأنّك لا تزال أنت ولأنّك نجوت من زماننا سلام لك وعليك ولا سلم الله من خذلك وأسلمك.