الممارسات التي انتهجها النازيون ضد اليهود أنتجت «مجتمعا صهيونيا فاشيا»، أو كما يقول «اسرائيل شاحاك» «اليهودية النازية»، في ذات الوقت التي تدان فيه النازية وتستنكر ويجرم مؤيدها أو المنظر لها، فإن لليهود «الكيان الصهيوني» الحق أن تمارس أي نوع من السلوك اليهودي ضد الاغيار «غير اليهود»؛ لذلك نكتشف يسر البحث عن تبرير أيديولوجي صهيوني في أي ممارسة فاشية لها. فمثلا «موشيه يعالون» رئيس الأركان بالكيان الصهيوني، حينما ذبح مخيم جنين عام 2002م، قدم تفسيرا للسلوك النازي الصهيوني، واعتبر إبادة مخيم جنين عملية «كي للوعي» الفلسطيني، وهو التعبير النازي نفسه الذي قدمته الدعاية النازية للتنكيل باليهود في ألمانيا. ومنذ الهولوكست دأب الكيان الصهيوني، وقوة الاحتلال، وجماعات الضغط الصهيونية العالمية، على أن تصفع وجه الحضارة الغربية صباح ومساء، وتستفيد من هذه معاناة «الهولوكست» الإنسانية، ماديا، كما يحدث مع ألمانيا التي دفعت للكيان الصهيوني منذ عام 1952 مبلغ ما يقارب «58 مليار دولار»، وإعلاميا، كما تتضح في الأفلام السينمائية اللامتناهية التي تنتجها هوليوود لتكريس الهولوكست في الوعي الغربي، وسياسيا، للنيل من كل شخصية أو مؤسسة أو دولة تتبنى مواقف ضد ممارسة الكيان الصهيوني، حتى أصبحت الهولوكست صناعة، مما حدا ب»نومان فنكلستين»، بتأليف كتاب في هذا المضمون أسماه «صناعة الهولوكست». الهولوكست هذا، واليهودية المتعذبة كما يريد أن يصورها منظرو الصهيونية، ألزمت العالم أن يصمت إذا مارس كيان العدو الصهيوني تنكيلا بالفلسطينيين يماثل التعذيب النازي باليهود، أجبر العالم لفترة نصف قرن ونيف، أن يلتزم بالكيان الصهيوني كدولة احتلال، والتغاضي عن آثامها وجرائمها ضد إنسانية الفلسطيني وآدميته.. هذه الحالة، حالة الصمت إزاء نازية الدولة اليهودية المعاصرة، فجرها الصحفيان «فريدريك رينفيلت» و»دونالد بوستروم» بعد أن أصرّا على شهادتهما في تحقيق أجرياه في الأراضي المحتلة وتم نشره في صحيفة «افتونبلاديت» السويدية حول انتهاكات صهيونية كبيرة لحقوق الأسرى الفلسطينيين، وسردا شهادتهما عن جثامين شهداء تعرضت للسرقة. ما فجره الصحفيان السويديان، هو جهد كشف حقيقة الاعتداء على جثامين الفلسطينيين وسرقة أعضائهم، وهو ما يعد تجاوزا أخلاقيا إجراميا في نظر القانون الدولي، إنها جريمة لو حدثت في أي بلد غير الكيان الصهيوني لاختلف التعاطي الدولي والإعلامي معها، لكنها مع ذلك محاولة صادمة قدمها الصحفيان للرأي العام الأوروبي الذي نظر لكيان الاحتلال طويلا أنه ضحية الإرهاب العربي. وطالما فتح السويديان الشجاعان هذا الملف، فإن خلف هذه الجريمة تفاصيل أكثر مساسا بحق الإنسان الفلسطيني حيا وميتا، إنها جريمة يرتكبها الكيان الصهيوني منذ قيامه حتى الآن، حيث هناك آلاف من المفقودين الفلسطينيين والعرب إلى جانب الأعداد المهولة من الشهداء الفلسطينيين الذين تعتقل دولة الاحتلال الصهيوني جثامينهم الطاهرة حتى يومنا هذا في حفر لا يزيد ارتفاعها عن سطح الأرض بين 50-70سم، مما يعرضها للانكشاف بفعل العوامل الطبيعية، فتصبح عرضه لنهش الوحوش والكلاب الضالة، فيما تتعرض الجثث المحتجزة في الثلاجات للتلف وانبعاث الروائح، بسبب عدم تطبيق المعايير الصحية على هذه الثلاجات. ولم يصدر عن مؤسسات الدولة العبرية ما ينظم تعاطيها مع جثامين الشهداء وضحايا حروبها على الدول العربية والفلسطينيين، عدا الأمر العسكري الصادر عام 1976م، والذي حمل الرقم 380109 وتعلّق بتعريف الجثث، نزع الوثائق والأغراض من على الجثث، وترقيم الجثث والقبور. إن كيان الاحتلال مازال يحتجز المئات من هذه الجثامين فيما يعرف بمقابر الأرقام، أو في ثلاجات حفظ الموتى، والكوميديا الصهيونية السوداء تصر على التعبير عن نازيتها، إذ أن السلطات القضائية الصهيونية أصدرت على بعض هذه الجثامين، أحكاماً بالسجن وصل بعضها أحكاماً بالمؤبد وعشرات أخرى من السنين. وبشهادة مؤسسات حقوقية دولية، فإن الكيان الصهيوني هو الوحيد في العالم الذي يفرض عقوبات على الجثث، حيث أنها تحتجز أعدادا غير معروفة من جثث الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا في مراحل مختلفة من الكفاح الوطني. وقد أقام الكيان الفاشى الصهيوني لهذه الغاية، مقابر سرية عرفت باسم مقابر الأرقام، حيث كشف النقاب عن أربع مقابر كهذه، فضلاً عن احتجاز جثث أخرى في ثلاجات. وهذه المقابر السرية عبارة عن مدافن بسيطة، محاطة بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولهذا سميت بمقابر الأرقام؛ لأنها تتخذ الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولة، ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد. إن التنكيل بجثامين الشهداء الفلسطينيين، أو اعتقال الجثامين الفلسطينية لعقود من الزمن، علامة امتياز لممارسة نازية صهيونية، وهي –أي الكيان الصهيونى- يمارس هذا السلوك الفاشي، في الوقت التي جندت العالم، حكومات، مؤسسات حقوقية، نقابات مهنية، منظمات دولية، مؤسسات إعلامية، شخصيات اعتبارية دولية، للبحث عن الجندي الطيار «رون أراد» الذي انقطع الاتصال به منذ عام 1987م. إنه سلوك يتفوق على النازية كإيديولوجيا وكمؤسسة، لأن النازية كمؤسسة رغم جهازها الإعلامي الجوبلزي، فشلت في إقناع العالم في تبرير الجريمة أو تقبل دوافعها، بل حفزت العالم كله للوقوف ضدها. العالم الصامت على النازية الصهيونية الآن، نتيجة في حد ذاتها لتفوق الشر على الخير. إنها تشظي لقيم حقوق الإنسان التي قاتلت البشرية طويلا من أجلها. إنها مرحلة الصهيونية التي تقتل وهي تقنع العالم أنها الضحية، وبأنها الناجية من عار البشر المتمدن الذين تركوها تشوى في الهولوكست. إنها تخفي جريمتها باقتدار كما تفعل مع مقابر الأرقام للشهداء الفلسطينيين.