لا يزال الخيار الدبلوماسي لإنهاء الأزمة التي تعصف بسوريا بكل من فيها حكما ومعارضة معلّقا، على أمل أن تحتكم إليه القوى الدولية ذات النفوذ من خلال اعتماد اتفاق إعلان جنيف، الذي يمنح الفرصة السياسية المتوازنة والواضحة بما يسمح لسوريا من تفادي التمزق أو الدخول في أتون حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس أو ما تبقى على الأقل. وتتمسّك روسيا بهذا الخيار رغم الضغوطات والمناورات التي تجري حول الأزمة، في وقت يشتد فيه الصراع على الأرض حيث يقتتل الإخوة الأعداء أمام مشهد من العالم بين متحّسر لا يمكنه تغيير مجرى الأحداث، ومنتصر لهذا الطرف أو ذاك بينما يجري تغييب مصلحة الشعب السوري الذي يتحمّل الوزر. وبلا شك أنّ الأطراف التي قرّرت تعطيل المبادرة السياسية وعرقلة مسارها رغم التعبير المعلن بتأييد المبعوث الأممي والعربي الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، تتحمل مسؤولية كبرى في تأخير الفعل السياسي مقابل تحفيز البديل العسكري وتشديد الحصار بمفهومه الشامل. في هذا الظرف بالذات، ما أحوج للمبعوث الأممي للدعم والمرافقة لتحقيق مضمون ورقة الطريق التي رسمها، ليس لفائدة طرف دون آخر وإنما من أجل المصلحة العامة للمنطقة والعالم، وانتصارا للقانون الدولي بالدرجة الأولى. وهنا ماذا بقي للمنظومة الأممية إذا عجزت عن تشكيل تصور مشترك وشفاف لحل ممكن وقابل للتطبيق على أساس قناعة من كافة الأطراف؟ ويتعلق الأمر بالأطراف السورية فقط صاحبة الشأن والمعنية بالحريق، الذي ما أن يشرع في إخماده حتى يسارع أصحاب المصالح الجيواستراتيجية لإلهابه مجددا بما في ذلك إرسال أسلحة متطورة لطرف معين أو تعطيل مسار الإصلاحات الهيكلية الداخلية التي يمكن إنضاجها أو التحريض على رفض الالتحاق بطاولة الحوار. وقد لعبت روسيا كما يبدو من منطلق أنّها معنية بالأمن والسلم الدوليين دورا بارزا في تشجيع الفرقاء على قبول الجلوس مع بعض حول طاولة الحوار السياسي، للخروج بتصور مشترك يضمن حق الشعب السوري في إنجاز الانتقال الديمقراطي بإرادته ودون إقصاء أو إلغاء، مع نبذ اللجوء إلى العنف في التغيير الذي يمكن تحقيقه لفائدة الشعب السوري بأقل كلفة وبعيدا عن مواصلة الانزلاق في حرب لا تبقي ولا تذر في بلد يحمل تاريخا عريقا، ومجتمعه مؤهل لإنجاز طموحاته على غير الأسلوب الذي يتم التعبير وكله إراقة للدماء وتدمير للقدرات وزرع للضغائن. ومن الطبيعي أن تحرص روسيا ومعها الدول التي تؤمن بالذكاء الإنساني في إيجاد حلول متوازنة على الدفاع عن خيار التوافق الدولي، انطلاقا من وثيقة جنيف التي تحدد ضوابط ومسالك ترتكز على تغليب الإرادة السياسية للأطراف أكثر من قعقعة السلاح وتكريس الاندفاع إلى العنف الذي يعد أسهل طريق بالمقارنة مع ما يبدعه البشر من أفكار للبناء، وما يحملونه من قيم لطالما شكّلت الزاد والرصيد في قلب الشعب السوري على مرّ الأجيال.