أعادت ظاهرة ارتفاع الأسعار التي مسّت مختلف المواد الغذائية والاستهلاكية وباقي المواد والسلع الأخرى، كثيرا من حسابات المواطنين وأرباب الأسر، وهذا مباشرة بعد انفراج وضعية كورونا التي أصابت الاقتصاد العالمي والمحلي في الصميم، جراء تراجع المخزون وتوقف سلسلة الانتاج لمختلف المؤسسات الاقتصادية والصناعية، وبالتالي تغيّرت معها الكثير من السلوكيات السلبية التي كانت مصاحبة لطريقة الاقتناء والاستهلاك المفرط، والاحتكام مجدّدا لقانون العقل للتقليل من التبذير غير المسؤول. سجّلت مختلف الهيئات وجمعيات حماية المستهلك الناشطة وطنيا وعلى المستوى المحلي بولاية بومرداس، تراجعا ملحوظا في ظاهرة تبذير المواد الغذائية خصوصا مادة الخبز، شهر رمضان من السنة الماضية، مقارنة مع السنوات السابقة، وهي قرائن لا حظها المواطن مؤخرا في غياب أطنان المواد الغذائية وأكياس الخبز المكدسة أمام الحاويات في مظاهر سلبية كانت تنم عن غياب روح المسؤولية وانعدام الثقافة الاستهلاكية التي تخرج عن السيطرة في بعض المناسبات الاجتماعية الهامة، منها شهر رمضان المبارك. وقد أكّد كثير من المختصين والمتابعين لهذا الملف الاجتماعي، ومنها التصريحات المتكررة للرئيس السابق للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، مكتب بومرداس، والي عرقوب، أنّ «ارتفاع أسعار المواد الغذائية المطرد الذي تضاعف في السنوات الثلاثة الماضية، أي مباشرة بعد خروج العالم من أزمة كورونا، شكّل أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المواطنين وأرباب الأسر الى اعادة النظر في عديد السلوكيات اليومية الخاطئة المصاحبة لعملية الشراء، خاصة في ظل تدني القدرة الشرائية للأفراد والطبقة المتوسطة، على وجه التحديد، والتي تمثل في الغالب فئة العمال والموظفين في مختلف القطاعات الادارية واعتبارها بارومتر قياس لأي تجربة أو تغير سوسيو-اقتصادي. كما أكّدت بعض الأرقام المرفوعة من قبل هيئات محلية مختصة منها مؤسسة «مادينات» المختصة في النظافة والاشراف على مركز الردم التقني لقورصو، هذه التحولات الايجابية في سلوك المواطن التي فرضتها التحولات الجديدة لما بعد «كوفيد-19»، حيث كشف المكلف بالإعلام في لقاء سابق مع «الشعب»، أن «مركز الردم استقبل منتصف شهر رمضان من السنة الماضية أقل من 300 كلغ من مادة الخبز، مقابل أزيد من 1300 كلغ السنة التي سبقتها، كعينة بسيطة عن نسبة التراجع في ظاهرة التبذير التي أضرت كثيرا بالاقتصاد الوطني». وتشكّل حملات التحسيس والتوعية المصاحبة لقطاع التجارة وسلوك الاستهلاك الرشيد، أحد العوامل المساهمة في كبح الظاهرة والتقليل منها من باب التوعية والتذكير الدائم للمواطنين والعائلات بالأضرار الاجتماعية والاقتصادية للتبذير، وهي التحديات التي دفعت بكثير من القطاعات الفاعلة في المجتمع الى الانخراط في هذا المسعى، بما فيها مديرية الشؤون الدينية التي أطلقت حملة بالمساجد من أجل توعية المواطن وتحسيسه بالمسؤولية، مع برمجة عدة حملات أخرى عبر بلديات الولاية من قبل مديرية التجارة وترقية الصادرات بالتنسيق مع فعاليات المجتمع المدني. وقبل هذا، قامت وزيرة التضامن والمرأة وقضايا الأسرة، كوثر كريكو، بإطلاق قافلة ولائية ضد التبذير في زيارتها مع بداية شهر رمضان، كإشارة تهدف الى ترسيخ الثقافة الاستهلاكية لدى المواطن التي تبقى من العوامل الأساسية لترشيد النفقات، ومنع سلوكيات بعض التجار الذين يستثمرون في لاوعي الزبائن عن طريق إشاعة الندرة في بعض المواد الأساسية التي عانى منها المواطن قبل بداية الشهر الفضيل، منها زيت المائدة ومادة السميد، في محاولة للإقبال العشوائي على الشراء، وتكديس المواد الغذائية التي سترمى لاحقا في المفرغات مثلما حدث زمن الجائحة.