يقدّم معرض «موروث ثقافي غير مادي لإفريقيا» المنظم برواق «باية» بقصر الثقافة مفدي زكريا، من طرف المركز الإقليمي لحماية التراث الإفريقي غير المادي في إفريقيا «كريسبايف»، أجمل فسيفساء للموروث الثقافي الأفريقي، حيث يمكن للزوار أن يكتشفوا من خلاله مختلف العادات والتقاليد التي تمثل بعض التعابير الشعبية والمظاهر الاجتماعية، التي تحدتْ الأزمات وبقيت عصية على الحروب، واستطاعت أن تنقلها للأجيال بأدق التفاصيل وبأجمل حلة، وهو ما أكدته وزيرة الثقافة صورية مولوجي عند تدشينها للمعرض، وذلك بقولها «إن الحرص على تنظيم معرض ثقافي للتراث الإفريقي، يندرج ضمن هذه الخطوة التي ستعيد بلا شك، زخم وثراء إفريقيا إلى الواجهة، وتذكرنا بكل تلك الجماليات التي نتقاسمها مع الإخوة الأفارقة». جاء معرض «موروث ثقافي غير مادي لإفريقيا»، في إطار برنامج شهر التراث، حيث يقترح على الزوار من خلال ما يقارب 40 لوحة ضخمة تبقى في خدمة الزوار لثلاثة أشهر، نماذج مختلفة من التراث غير المادي المصنف ضمن التراث العالمي للإنسانية من طرف «اليونسكو»، المترجمة للكنوز الإفريقية العريقة، التي تشكل بتلاحمها فخر الهوية الثقافية الإفريقية، وذلك من خلال مختلف الطقوس والممارسات منها المحكية والفنية والرقص التعبيري، المستمدة من الخيال والإحساس. الجميل في اللوحات المتراصة التي تروي، في رواق باية، وبتناغم يحاكي تقاليد الشعوب الإفريقية المسالمة، ذلك التراث غير المادي لإفريقيا الذي مازال محل اهتمام الباحثين، المكتظ بصور جمالية تعبر عن التعاون والعمل الجماعي، حيث أن الهدف منه استعراض محطات متنوعة من عناصر التراث الثقافي غير المادي للقارة السمراء المتمثلة في التقاليد والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات والمعارف والممارسات المتصلة بالطبيعة والكون والمعارف والمهارات، إلى جانب تثمين القوائم المسجلة ضمن تراث الإنسانية للاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي ل»اليونسكو» سنة 2003. إطلالة على تراث الجزائر من ضمن ما حوته اللافتات الإعلامية، المخصصة للفضاء الجزائري، هو عرض زي الزفاف التلمساني المسجل في «اليونسكو» كتراث عالمي في 2012، وأيضا «الممارسات والمهارات المرتبطة بالإمزاد عند التوارق، المسجل في 2013، وكذلك السبيبة المسجلة في 2014، وهي احتفالات تدوم 10 أيام، ومن جهة أخرى وعلى مسافة قريبة منها، يظهر جليا شخصيتين قديرتين يمثلان رمزين من رموز فن الخط العربي بالجزائر ألا وهما امحمد صفار باتي ومحمد بن قنيف وهما في حصة تعليم الخط للناشئة، كما خصص جانب مهم من المعرض للفنون والثقافة الجزائرية، منها فن الراي المسجل في «اليونسكو» سنة 2022، وعرضت ضمن هذا الفضاء، صور أبرز فناني الراي، منهم حسني وفضيلة وصحراوي والريميتي، وكذا نجوم الأغنية الوهرانية وفن البدوي، كالشيخ حمادة وأحمد وهبي وبلاوي الهواري وغيرهم كثير. وفي الجهة المجاورة، نجد كل تفاصيل مهرجان «فيتشي شامبالالا «الخاص برأس السنة عند شعب «سيداما» بأثيوبيا، حيث أن هذا الحفل يرمز لإحياء ذكرى «سيداما» المرأة المشهورة، وهو مسجل في «اليونسكو» سنة 2015، وتلك المرأة المتزوجة كانت تزور قريتها مرة واحدة كل سنة، حاملة معها أشهى الأطباق، لتتقاسمها مع الآخرين، كنوع من التضامن والوحدة. رحلة إلى إفريقيا ويبرز المعرض موسيقى «الزاولي»، التي يمكن أن يسمعها الزائر من خلال تلك الرقصات الشعبية لجماعات الغورو بكوت ديفوار، حيث أن ذلك الطابع الموسيقي مسجل سنة 2007 ب»اليونسكو»، وهذا العرض يجمع عدة فنون، منها النحت والنسيج والرقص، وكل وجه له 7 أقنعة، كل قناع يحكي أسطورة.. ومن جانب آخر يشهد المعرض روائع من الرقص على إيقاع الطبل الملكي من بورندي المسجل سنة 2014، وهي رقصة طقوسية، تجمع بين قرع الطبول القوي والمتناغم مع رقصات وأشعار بطولية، وأغان تراثية تعبر عن هوية هذا البلد، وتتطلب هذه الرقصة حوالي 10 طبول موضوعة على شكل نصف دائرة حول طبل مركزي، لتتبع أنغامه وإيقاعه. وما يميز الفضاء الثقافي «سوسو بالا» من غينيا، المصنف في 2008، الذي يعتبر رمزا للحرية، تلك الآلة الموسيقية طقوسها المستمدة من الطقوس القديمة وتعزف في المناسبات وفي شرق بتسوانا، وكما جاء في ديباجة اللافتة: «تصنع النساء الفخار ويورثن حرفته للبنات بالممارسة»، وهناك أيضا «الرومبا الكونغولية» من الكونغو المسجلة في 2021، وهي رقصة شعبية تؤدى في المناطق الحضرية، مستمدة من رقصة قديمة هي «نكومبا»، وتعني المقاس، فيما نجد الفضاء الخاص بتقاليد ناميبيا يعج بعادات شعبية يطلق عليها «الأوشيتوتي شوماغونغو» وهو مهرجان فاكهة المارولا، مسجل في 2015، ويقام ليومين أو ثلاثة، بين نهاية مارس وبداية أفريل، وتجتمع فيه عشائر «أوامبو» الثماني المقيمة في الشمال، لاستهلاك هذه الفاكهة في شكل مشروب في أكواب خشبية، ينحتها الرجال، وأدوات بقرون البقر لثقب الثمار. ومن بين ما تم عرضه على غرار، رقصة «إزوكوتي» المسجلة في «اليونسكو» سنة 2014، وهي رقصة تؤدى في الاحتفالات التقليدية والتجمعات الجماهيرية، تمارسها عشائر «الإزوخا» و»الإيداخو» من غرب كينيا، وهي سريعة وحيوية ترافقها الطبول والأغاني، وتعبر عن السلام بين الأسر، ما تضمنته اللوحة التي توسطت رواق باية، المتمثل في طبل «سيغا» المسجل في «اليونسكو» سنة 2017، وهو من جزيرة موريشيوس، ويمثل الأداء الموسيقي والغنائي للرقصات التي كانت تمارسها جماعات العبيد، ويؤدى هذا الطبل في جميع أرجاء الجزيرة، وفي كل المناسبات، واستعماله وصل إلى مناطق أخرى من العالم.. ويعرض أيضا التراث الشفوي «جيليدي» المسجل سنة 2008، بالاشتراك مع البنين ونيجيريا والطوغو، ويمارس «الجيليدي» من قبل جماعة «اليوروبا ناغو» المستقرة بالبنين ونيجيريا والطوغو منذ أكثر من قرن، وخصص تبجيلا للأم «ايا نلا»، ولدور المرأة في مجتمع يوروبا، ويمارس هذا التراث بعد الحصاد وفي الجفاف أو الأمراض. ويتميز هذا الفن بالأقنعة المنحوتة والأغاني المعبرة عن تاريخ شعب «يوروبا ناغو»، ويظهر المغنيون والعازفون على الطبل، ثم ترافقهم فرقة موسيقية، يتبعهم الراقصون المقنعون بألبسة مزركشة، أما ملامحهم فهي تبدو مغطاة كليا برسومات ملونة تشبه الوشم.