يحتضن رواق "باية" بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، منذ أول أمس، معرض "موروث ثقافي غير مادي لإفريقيا"، في إطار برنامج شهر التراث، وهو من تنظيم المركز الإقليمي لحماية التراث الإفريقي غير المادي في إفريقيا "كريسبايف"، ويقترح على الزوار نماذجا من التراث غير المادي، المصنف ضمن التراث العالمي للإنسانية من طرف "اليونسكو"، عبر لوحات مشكلة يمتد عرضها لثلاثة أشهر. يقترح المعرض الذي زارت "المساء" مختلف أجنحته، التعريف وتثمين عناصر التراث الثقافي غير المادي، المسجل من طرف مختلف دول القارة السمراء على قوائم تراث الإنسانية للاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي ل"اليونسكو" سنة 2003. وتحوز 27 دولة عنصرا أو أكثر مقيدة على هذه القوائم، وقد اختار هذا المعرض الاحتفاظ بعنصر رمزي من كل بلد، للاطلاع على المواريث الثقافية غير المادية الإفريقية المنتسبة لمختلف مجالات التراث غير المادي، كالتقاليد والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات والمعارف والممارسات المتصلة بالطبيعة والكون والمعارف والمهارات. يجعل المعرض زواره منبهرين بهذه الكنوز الإفريقية العريقة الآتية من أبعد مدى، وهي تشكل قوام الهوية الثقافية الإفريقية، القائمة على المقول والمنشد والمحكي والمغنى والملحن والمرقوص والممارس والطقوس، وغيرها النابع من المخيال والإحساس ومن الرؤية للعالم، وهي مركبة ومتراكمة ومنتقلة، تهب نفسها للنظر والفهم والحب. يسعى هذا المعرض، إلى التعريف بهذا التراث غير المادي لمنطقة إفريقيا وجرده والبحث العلمي والتوثيق والحماية وتحفيز التعاون، وتبادل الخبرات. ومن بين ما تم عرضه؛ رقصة "إزوكوتي" المسجلة في "اليونسكو" سنة 2014، وهي رقصة تؤدى في الاحتفالات التقليدية والتجمعات الجماهيرية، تمارسها عشائر "الإزوخا" و"الإيداخو" من غرب كينيا، وهي سريعة وحيوية ترافقها الطبول والأغاني، وتعبر عن السلام بين الأسر. هناك أيضا طبل "سيغا" المسجل في "اليونسكو" سنة 2017، وهو من جزيرة موريشيوس، ويمثل الأداء الموسيقي والغنائي للرقصات التي كانت تمارسها جماعات العبيد، ويؤدى هذا الطبل في جميع أرجاء الجزيرة، وفي كل المناسبات، واستعماله وصل إلى مناطق أخرى من العالم. يعرض أيضا التراث الشفوي "جيليدي" المسجل سنة 2008، بالاشتراك مع البنين ونيجيريا والطوغو، ويمارس "الجيليدي" من قبل جماعة "اليوروبا ناغو" المستقرة بالبنين ونيجيريا والطوغو منذ أكثر من قرن، وخصص تبجيلا للأم "ايا نلا"، ولدور المرأة في مجتمع يوروبا، ويمارس هذا التراث بعد الحصاد وفي الجفاف أو الأمراض. ويتميز هذا الفن بالأقنعة المنحوتة والأغاني المعبرة عن تاريخ شعب "يوروبا ناغو"، ويظهر المغنيون والعازف على الطبل، ثم ترافقهم فرقة موسيقية، يتبعهم الراقصون المقنعون بألبسة مزركشة. يحضر أيضا الرقص على إيقاع الطبل الملكي من بورندي المسجل سنة 2014، وهي رقصة طقوسية، تجمع بين قرع الطبول القوي والمتناغم مع رقصات وأشعار بطولية، وأغان تراثية تعبر عن هوية هذا البلد، وتتطلب هذه الرقصة حوالي 10 طبول موضوعة على شكل نصف دائرة حول طبل مركزي، لتتبع أنغامه وإيقاعه. يوجد في هذا المعرض الإفريقي بامتياز، مهرجان "فيتشي –شامبالالا" لرأس السنة عند شعب "سيداما" بأثيوبيا، وهذا الحفل لإحياء ذكرى "سيداما" المرأة المشهورة، وهو مسجل في "اليونسكو" سنة 2015، وتلك المرأة المتزوجة كانت تزور قريتها مرة واحدة كل سنة، حاملة معها أشهى الأطباق، لتتقاسمها مع الآخرين، كنوع من التضامن والوحدة. يقدم المعرض أيضا "الأوشيتوتي شوماغونغو" بناميبيا، وهو مهرجان فاكهة المارولا، مسجل في 2015، ويقام ليومين أو ثلاثة، بين نهاية مارس وبداية أفريل، وتجتمع فيه عشائر "أوامبو" الثماني المقيمة في الشمال، لاستهلاك هذه الفاكهة في شكل مشروب في أكواب خشبية، ينحتها الرجال، وأدوات بقرون البقر لثقب الثمار. أما "الزاولي"، فهو موسيقى ورقصات شعبية لجماعات الغورو بكوت ديفوار، مسجل سنة 2007 ب«اليونسكو"، وهذا العرض يجمع عدة فنون، منها النحت والنسيج والرقص، وكل وجه له 7 أقنعة، كل قناع يحكي أسطورة. بالنسبة للفضاء الثقافي "سوسو –بالا" من غينيا، المصنف في 2008، رمزا للحرية، وللآلة الموسيقية طقوسها المستمدة من الطقوس القديمة وتعزف في المناسبات. وفي شرق بتسوانا، يصنع النساء الفخار ويورثن حرفته للبنات بالممارسة، هناك أيضا "الرومبا الكونغولية" من الكونغو، المسجلة في 2021، وهي رقصة شعبية تؤدى في المناطق الحضرية، مستمدة من رقصة قديمة هي "نكومبا"، وتعني المقاس. تتوالى الصور والتعبيرات والفنون، منها فن الخط العربي مثلا، كما خصص جانب مهم من المعرض للفنون والثقافة الجزائرية، منها فن الراي المسجل في "اليونسكو" سنة 2022، وعرضت ضمن هذا الفضاء، صور أبرز فناني الراي، منهم حسني وفضيلة وصحراوي والريميتي، وكذا نجوم الأغنية الوهرانية وفن البدوي، كالشيخ حمادة وأحمد وهبي وبلاوي الهواري وغيرهم كثير. ضمن الفضاء الجزائري، عرض زي الزفاف التلمساني المسجل في "اليونسكو" كتراث عالمي في 2012، وأيضا "الممارسات والمهارات المرتبطة بالإمزاد عند التوارق، المسجل في 2013، وكذلك السبيبة المسجلة في 2014، وهي احتفالات تدوم 10 أيام. للإشارة، أكدت وزيرة الثقافة بمناسبة هذا المعرض، "أن الحرص على تنظيم معرض ثقافي للتراث الإفريقي، يندرج ضمن هذه الخطوة التي ستعيد بلا شك، زخم وثراء إفريقيا إلى الواجهة، وتذكرنا بكل تلك الجماليات التي نتقاسمها مع الإخوة الأفارقة".