تختلف قصتنا اليوم عما اعتدناه في الأيام السابقة لأن تفاصيلها تروي مأساة طفل لم تمنحه الحياة فرصة ليتعافى من الإدمان، لأنه وبكل بساطة وجد نفسه في دهاليز المجتمع المظلمة يتحسس جدرانها علّه يجد مخرجا الى النور، بمجرد وفاة والدته تحول الى عبء ثقيل حتى على أقرب الناس إليه، ليرموا به الى الشارع الذي صوّر له «المخدرات» والانحراف كوسيلة ناجعة للنسيان وتجاوز الاحزان، وفي رحلة دامت من 13 الى 17سنة أصبح محفوظ مدمنا ومصابا ب «الايدز». تختزل قصتنا مأساة انسان بدأت تفاصيلها منذ نعومة اظافره، محفوظ يعيش على هامش المجتمع ينتظر في صمت في احدى المراكز المختصة بالتكفل بمرضى الايدز ساعة خروجه في نعش يريحه من كل آلامه وأحزانه، التي بدأت بعد وفاة والدته وهو لا يتعدى سن التاسعة من العمر، ولأن والده لا يستطيع الاهتمام بطفل صغير، تزوج بامرأة أخبره أنها ستكون أمه الثانية، وبالفعل أغدقت عليه بالحنان والحب، حتى ظن الطفل ان الحياة منحته أما أخرى تعوضه الأولى التي ماتت. لكن هيهات ان تكون الحياة بهذا الهدوء والسكون فبمجرد ولادة ابنها الأول بدأت تتغير مشاعرها اتجاهه، فأصبحت فاترة وباردة تضعه دائما في المرتبة الثانية، الى ان جاء اليوم الذي ضرب فيه محفوظ أخاه وهو لم يتجاوز ال 13 من العمر، حينها طلبت زوجة أبيه خروجه من المنزل لأنه حاول إيذاء أخيه، وبالفعل اخذه الى جدته التي كانت تعيش وحيدة في قرية بعيدة. بقي عندها شهرا واحدا، ليتنقل الى العاصمة باحثا عن دفء فقده منذ وفاة والدته، بقي في الشارع وهناك تعرف على أصدقاء السوء الذين فتحوا عينيه على آفة المخدرات التي بدأها باستنشاق مواد مخدرة، ثم المهلوسات الى ان بلغ مرحلة المخدرات الصلبة كل ذلك وهو لم يتجاوز ال17 من العمر. الناظر إليه يجده شابا هزيل الجسد وكأن لم يبق منه سوى «الجلد على العظم»، تقاسيم وجهه تحكي هموما ثقيلة رغم صغر سنه، فبعد المخدرات وجد محفوظ نفسه مصابا بداء نقص المناعة «الايدز»، نعم «الايدز» الذي أصيب بعدواه بسبب حقنه جسده بحثا عن نشوة مفقودة بحقنة مستعملة. يقول محفوظ: « بعد إصابتي ب «الايدز» عرفت الكارثة التي حلت بي بسبب المخدرات التي أدمنتها للهروب من واقعي المر، لتنسيني حاجتي لعائلة، لأب وأم وإخوة، لتعطيني القوة والشجاعة لأنام في الشارع دون خوف، لكن ماذا وجدت؟، أصدقاء سوء زيَّنوا لي طريق الإدمان وتعاطي المخدرات، وعلموني السرقة لربح المال، واعطوني مبادئ لم أكن لأتعلمها لو بقيت في بيتنا الريفي الصغير، لكن ماذا كنت سأفعل وأنا في ال 13 من العمر، ركبت القطار وانا أحلم بعائلة وحياة سعيدة في ولاية لا أعرف فيها أحد، الطفل الصغير كبر عندما استنشق أول مرة ال «ديليو» في بور سعيد، وأيقن ألا أحد يعوض دفء العائلة،.. أمنيتي الوحيدة اليوم هو زيارة قبر أمي لأشكو لها ما فعله بي غيابها، فلو بقيت حية لما فرط في والدي عند أول مشكلة بسببي مع زوجته الثانية.» ربما يتساءل البعض كيف استطاع الصمود والبقاء واعيا لكل تفصيل في حياته، الإجابة باختصار انه عندما سقط أرضا وبقي وحيدا امتدت له يد استطاعت إخراجه من محيط يملؤه رفقاء السوء، وتأخذه الى حياة جديدة وجد فيها خيرا فقد طعمه لسنوات، وبين جمعية لمكافحة المخدرات وأخرى تهتم بمرضى «الايدز»، استطاع محفوظ العيش بسلام ورضى يحاول جاهدا تقديم تجربته حتى يتعظ آخرون ما زالوا مسحورين بسم ينتشر لضرب المجتمع في أساساته المتينة.