أصحاب البزّة الزّرقاء..الدّرع الحامي لتماسك المجتمع وتوازنه التّرويج الإلكتروني للمخدّرات..آخر حيل ناشري السّموم يشنّ أمن ولاية البليدة حربا على مروّجي المخدرات والمؤثرات العقلية، والتي توغّلت بشكل مقلق وسط المجتمع، فأصبحت تهدّد تماسكه وتوازنه أكثر من وقت مضى. في هذه المساحة، ننقل لكم تفاصيل معارك يومية يخوضها رجال الأمن لوضع حدّ لعدو يتخفى وراء براءة الأطفال وآلام وأحزان الشباب، دون تكثيف أعمالهم التحسيسية لمنع جر ضحايا جدد الى نفق مظلم نهايته مدمرة. يقول ضابط الشرطة الرئيسي، عبد الحفيظ مكاحلية، إنّ النشاط الدؤوب لأفراد الأمن سمح بوضع حزام أمني ضد الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، ووضع حد لنشاط بارونات سعوا إلى جعل البليدة منطقة عبور وتوزيع نحو ولايات أخرى، نظرا لموقعها الاستراتيجي فهي تتوسط البلاد وتتميز بكثافة سكانية عالية. وكلّل العمل الميداني لأمن البليدة خلال سنة 2023 بإجهاض محاولات تفريغ مختلف السموم ب "عاصمة المتيجة" من قبل هؤلاء المتاجرين، وتظلّ الإطاحة بمروجي المخدرات هدفا رئيسيا، يقول المسؤول الذي يشغل منصب رئيس لخلية الإعلام. وتؤدي الشرطة بما أنها أداة لتطبيق القانون، واجبها في مكافحة تعاطي المخدرات والمهلوسات بمعاقبة المستهلكين وعدم التسامح معهم عند اكتشاف حيازتهم لها، لكنها تعمل - حسب مكاحلية - على محاصرة مروجي المخدرات، هؤلاء هم الذين يجب وضع حد لنشاطهم المضرّ بالمجتمع، فهم يعملون على إيصال هذه السموم إلى المستهلكين، خاصة المدمنين عليها مقابل أموال يجنونها، ولا يأبهون بالأضرار التي ستحلق بصحة ونفسية هؤلاء المستهلكين الضعفاء. البارونات يستغلّون الأطفال كشف الضّابط الرئيسي مكحالية، أنّ مروّجي المخدرات بمختلف أنواعها، هم الخطر الحقيقي على المجتمع، خاصة بعدما أصبحوا يستغلون الأطفال المراهقين لبيع واستهلاك السّموم، فامتد الضرر إلى الوسط التربوي باستغلال فئة عمرية ينبغي أن تحظى بعناية كبيرة لحمايتها من الانحراف. بدوره، يرى عميد الشرطة، رابح دعينش، رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية، بأن الطفل خلال الطورين المتوسط والثانوي يشعر بأنّه كبر، ويتغير سلوكه في فترة المراهقة التي تعتبر حساسة جدا، وبفعل تغيّر سلوكياته، ما يمكن أن يجعله فريسة سهلة للمتاجرين بالمخدرات، الذين لا يرحمون طفولته ويستغلونه في الترويج لسلعهم المسمومة. وفي السنوات الأخيرة، تنامت ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي، وهي الظاهرة التي ينبغي التصدي لها بقوة، خاصة وأن بعض العائلات اكتشفت بأن بناتهن أصبحن يستهلكن بعض المهلوسات. تُروّج المخدرات أيضا باستعمال شبكة الأنترنيت، وكذا وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة على غرار "فايسبوك" والمواقع المختلفة، وهذا ما تفطنت له شرطة البليدة، خاصة وأنها واكبت التطور الحاصل مع تحول الجريمة من تقليدية إلى إلكترونية، وبفضل تنسيقها المحكم مع فرقها لاسيما فرقة الجريمة المعلوماتية، استطاعت تتبّع آثار مروّجي ومتاجري ومستهلكي المخدرات على حد سواء، بحسب ما أكّده مكاحلية. مداهمات مكثّفة ومستمرّة للنّقاط السّوداء تروّج المخدرات أيضا في النقاط السوداء، ونقصد بها الأحياء المعروفة بانتشار مروجي المخدرات في الأوساط الشعبية، والتي تداهمها الشرطة بالبليدة باستمرار للقبض على بائعي السموم، وفي بعض الحالات تكون عمليات المداهمة مشتركة بين الشرطة وأفراد الدرك الوطني، ويتم التخطيط لها بشكل مُحكم، وتسمح هذه المداهمات بتضييق الخناق على المروجين ومنع استهلاك المخدرات على حد تعبير الضابط الرئيسي. وتُشارك في عمليات محاربة ظاهرة المخدرات التي أصبحت تنخر المجتمع، الشرطة القضائية بمختلف فرقها، ونقصد الفرقة المتخصصة المتمثلة في فرقة مكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، فرقة قمع الإجرام BRB، فرقة البحث والتدخل BRI، الفرقة الجنائية، وفرقة مكافحة الجريمة المعلوماتية، وبالتنسيق مع المصلحة الولائية للاستعلامات العامة التي يمكنها الحصول على معلومات استباقية بخصوص عمليات متاجرة بالمخدرات، ودورها مهم جدا أيضا بحسب مكاحلية. وبحسب رئيس خلية الإعلام لأمن ولاية البليدة، فإن الأمن الولائي يقوم بعمل رقابي ضمن لجنة خاصة تعمل تحت إشراف مديرية الصحة، حيث تراقب سجلات الصيادلة التي يرخص لهم ببيع بعض الأدوية التي يستغلها البارونات كمواد مخدّرة، وتتأكّد هذه اللجنة من بيع هذه الأدوية لمستحقيها بفحص سجلات الصيدلة التي يشترط عليها تدوين رقم الوصفة الطبية وبطاقتي العلاج والهوية. حملات تحسيسية وتوعوية منذ إطلاق الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات مع بداية شهر ماي الجاري، قام أمن ولاية البليدة بحملات تحسيسية وتوعوية بتنفيذ برنامج موجه لمختلف شرائح وفئات المجتمع، وبالتنسيق مع الشركاء الأمنيين على غرار الدرك الوطني وكذا المجتمع المدني. ومسّ هذا البرنامج في بدايته مراكز التعليم والتكوين المهنيين، وكذا جامعة سعد دحلب التي أقيم بها معرض خاص لفائدة الطلبة كما جرى بالمدرسة الوطنية العليا للري، إضافة إلى أبواب مفتوحة بساحة بلدية أولاد يعيش، وستتواصل العمليات التحسيسية سواء بمبادرة شرطة البليدة، أو بمرافقة قطاعات أخرى. وستشهد ساحة بونعامة الجيلالي وسط مدينة الورود، هذا الثلاثاء، أياما تحسيسية لفائدة الشباب، وتتمثل في عرض بالصور لمختلف المخدرات والتحذير منها من خلال التعريف بأضرارها، إضافة إلى تقديم إحصائيات بشأنها، وعرض مختلف الوسائل المستعملة في الكشف عنها. دراسة الظّاهرة بتسليط الضّوء على المستهلكين يرى عميد الشرطة رابح دعينش، بأنه ينبغي تسليط الضوء على المستهلكين أيضا، فلولا تنامي عدد المستهلكين في السنوات الأخيرة لما ارتفع الإتجار بها وترويجها، محذّرا من تأثير مفعولها على فئة الأطفال الذين أصبحوا يرتكبون جرائم ضد الأصول، فضرب الابن لأبيه يتعارض مع قيم المجتمع الجزائري الأصيل على حد تعبيره، غير أن هذه الموبقة صارت تحدث بسبب الإدمان الذي يجعل المستهلك يفعل كل شيء من أجل الحصول على المال لشراء ما يحتاجه من المخدرات. ويرى مسؤول مصلحة الشرطة القضائية في البليدة بأن ثمة فئتين من المستهلكين، تتمثل الفئة الأولى في المستهلك البسيط الذي يستهلك الحشيش وبعض المهلوسات التي يمكنه اقتناؤها، وقد يكون وقوعه في الإدمان بسبب ظروف اجتماعية، وتعتبر البطالة من بين الأسباب الرئيسية التي قد تجعل الضحية يقدم على تناول المخدرات، وقد تعود إلى أسباب أخرى مثل التسرب المدرسي، أما الفئة الثانية فتتمثل في المستهلكين الأثرياء الذين يتناولون المخدرات الصلبة، فهؤلاء يختلفون كليا عن المستهلك الأول ويحتاجون إلى توعية وعمل نفسي، يُضيف المتحدث. ودعا العميد إلى إعادة النظر في المناهج التربوية، والعمل على تربية الأجيال وتوعيتهم بخطورة المخدرات على صحة الإنسان بداية من الطور الابتدائي، مع تكثيف الدروس حول آفة المخدرات في الطور المتوسط الذي يتزامن مع دخول الأطفال سن المراهقة، وبداية مواجهة بعض الحالات النفسية التي تكون سببا في وقوع بعضهم فريسة سهلة للمخدرات. المهلوسات..خطر قائم خلال سنة 2022، عالجت مصالح أمن ولاية البليدة 4473 قضية، تورط فيها 4965 شخص، وتم إيداع 843 منهم، ووضع 43 تحت الرقابة القضائية، وأسفرت العمليات عن حجز كمية كبيرة من القنب الهندي قدرت ب 128 كيلوغرام و210 غرام، وكمية كبيرة أخرى من الحبوب المهلوسة وعددها 181060. وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة من سنة 2023، عالجت مصالح أمن ولاية البليدة 1978 قضية، تورط فيها 2136 شخص، وتم إيداع 325 منهم، ووضع 8 تحت الرقابة القضائية، وأسفرت معالجة هذه القضايا عن حجز ما يقارب 8 كيلوغرام من القنب الهندي، و31343 قرص من المؤثرات العقلية، 38 قارورة من سائل مخدر، 31.68 غرام من الكوكايين، وغرامين من الهيرويين. واللافت من خلال هذه الأرقام ارتفاع استهلاك القنب الهندي، وكذا الحبوب المهلوسة التي أصبحت أكثر انتشارا، وهذا يستدعي تضافر جهود كافة الأجهزة الأمنية الجزائرية لمواجهتها، بل إن ترويج المخدرات يعد مسألة تهم الأمن القومي العام والصحة العمومية.