سوق العملة الصعبة السوداء والأموال المكتنزة..البدائل الممكنة الانضواء تحت لواء التكتلات الاقتصادية.. استراتيجية حصيفة الجزائر واحدة من البلدان المهتمة بالحصول على عضوية "بريكس"، وهناك معايير تدفع إلى التكهن أن نتائج الاجتماع المرتقب في 2 جوان المقبل ستكون لصالح الجزائر، التي تمتلك فرصا حقيقية لنيل موافقة الدول الأعضاء بالإجماع، خاصة من حيث استجابتها للمعيارين الجيوسياسي والجيواستراتيجي. كما سيأخذ أعضاء دول "بريكس" بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي للجزائر، الذي سيجعل التكتل أكثر تمثيلا في شمال إفريقيا، والتي تمثل أهمية استراتيجية بالنسبة للبرازيل، الهند، روسياوالصين، من أجل تسريع وتعميق مجالات الاستثمار بها، ويؤدي إلى تغيير ديناميكيات القوة بشكل أساسي في القارة. بالمقابل، ستستفيد الجزائر من عدة مزايا اقتصادية، أهمها حل إشكالية السوق السوداء للعملة الصعبة والأموال المكتنزة والرفع من وتيرة الاستثمارات. تناول الخبير الاقتصادي، الدكتور إسحاق خرشي، في اتصال أجرته معه "الشعب"، الحديث عن ملف انضمام الجزائر إلى تكتل "بريكس" من زاوية "الإفادة والاستفادة" بالنسبة للطرفين، مركزا على المقومات والمؤهلات الجيو-استراتيجية والسياسية التي تحوزها الجزائر، وما حققته من إصلاحات اقتصادية قد تتطلب بعض الرتوشات من أجل الحصول على العلامة الكاملة، إلا أنها تبقى قوية للظفر بموافقة الدول الأعضاء. فبالنظر إلى تشابه المواقف والسياسة الخارجية للجزائر مع أعضاء تكتل "بريكس"- يقول خرشي- وبالإضافة إلى الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه الجزائر اقتصاديا وسياسيا في القارة وفي منطقة شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وموقعها الاستراتيجي، تكون عضوية الجزائر ضمن تكتل "بريكس" قضية وقت فحسب، وليس قضية شروط ومعايير نظرا لتوفر الشروط مسبقا. أزمات حادة وترتيبات إقليمية بالمرصاد ويرى الخبير الاقتصادي، أن التوصل إلى نيل عضوية تكتل "بريكس" مرتبط بمعايير اقتصادية، جيوسياسية وأخرى جيواستراتيجة، متوفرة كليا بملف ترشح الجزائر، مما يجعل فرص انضمامها الجزائر إلى هذا التكتل جد مرتفعة، مع التركيز على مجموعة من الإصلاحات المطلوبة لبلوغ المعيار الاقتصادي الذي لم تتوان السلطات العمومية بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في تهيئة الأرضية من أجل تحقيقه في عالم يشهد تحولا سريعا نحو تعددية الأقطاب، ويتجه نحو ترتيبات إقليمية جديدة تسعى إلى تغيير موازين القوى والعلاقات الدولية والاقتصاد العالمي. أما بخصوص الفائدة التي ستجنيها الجزائر من انضمامها إلى "بريكس"، فقد أوضح خرشي أن التكتل يعتبر تعاونا اقتصاديا، وفي نفس الوقت منطقة تبادل تجاري شكلتها كل من البرازيل، روسيا، الهند، الصينوجنوب إفريقيا، كدول ذات اقتصاديات مؤثرة ورائدة على المستويين العالمي والإقليمي لكل دولة. يساهم الانضمام إليها في تحقيق العديد من المنافع الاقتصادية أهمها، تحقيق المصالح الوطنية الخاصة بكل دولة عضو وتعزيز برامج التكامل الإقليمي وبرامج البنى التحتية القارية. بالإضافة إلى الشراكة مع الدول الفاعلة بخصوص القضايا المتعلقة بنظام الحوكمة العالمي وإصلاحه، وخدمة الاحتياجات الخاصة لكل دولة بإبراز مكانتها الدولية. كما سيمنح الانتماء إلى "بريكس" الدولة العضو، المزيد من السلطة في المشهد العالمي والاعتراف بها من قبل القوى الكبرى والحصول على التثمين والاعتراف من قبل المنظمات الدولية والمؤسسات المالية الكبرى مثل Goldman Sachs، وهذا ما سيرفع من القدرة التفاوضية لكل بلد. ويساهم تكتل "بريكس"، الذي بلغت الكثافة السكانية لمجموع أعضائه 3.26 مليار شخص، بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، حيث وصلت نسبة مساهمته في الناتج الداخلي الخام العالمي 31,5%. زيادة على ذلك، سيعمل "بريكس" على التعاون القطاعي بين الدول الأعضاء في قطاعات مختلفة كالعلوم والتكنولوجيا، تعزيز التجارة، قطاع الطاقة، قطاع الصحة والتعليم والابتكار ومكافحة الجريمة، ليصل التعاون إلى 30 قطاعا. وأشار المتحدث، إلى أن انضمام الجزائر إلى تكتل "بريكس"، قد يعالج إشكاليات حقيقية تواجهها السوق والاقتصاد الجزائري، على غرار إشكالية السوق السوداء للعملة الصعبة وإشكالية الأموال المكتنزة، ووتيرة الاستثمارات. وقد أبدت الدول الأعضاء، طيلة 13 اجتماعا ل "بريكس" اهتماما كبيرا بإمكانية التخلي عن الدولار في المعاملات التجارية البينية، لتصبح على رأس جدول أعمال اجتماع التكتل في جوان 2023، حيث أعلنت كل من روسيا، الصينوالبرازيل استعدادها الكامل للتخلي عن الدولار والتعامل "باليوان" الصيني، أو العملة المحلية لكل عضو. فإذا تم الأمر، حسب ذات المتحدث، فلن تحتاج الدول الأعضاء لصرف وتحويل عملتها المحلية إلى الدولار أو حتى الأورو، لينتقل الأمر إلى توقيع اتفاقية بين الصينوالبرازيل لإزالة الدولار من مبادلاتهما التجارية والتوجه لاستخدام العملات المحلية. عملات محلية في مواجهة الدولار وكنتيجة حتمية لانضمامها إلى دول "بريكس" - يقول خرشي - فإن الجزائر ستكون ملزمة بتطبيق أجندة التكتل، من بينها التخلي عن الدولار الأمريكي، والتعامل باليوان الصيني أو بالعملة المحلية لكل بلد عضو، وهذا ما سيخفض بشكل كبير من الطلب على الدولار والأورو، في البنوك الرسمية والسوق السوداء، مما سيؤدي إلى خفض كبير في قيمته مقابل الدينار الجزائري، مما سيفقد السوق السوداء للعملة الصعبة بالجزائر الكثير من مجالات الصرف غير الرسمية، ويكثف من نشاط صرف الدولار والأورو في السوق الرسمية. كما يتوقع خرشي، أن يرتفع الطلب على اليوان الصيني والروبل الروسي والريال البرازيلي والروبية الهندية والراند الجنوب إفريقي، كل هذا من أجل القيام بالتوطين البنكي وبعمليات الشراء من عند دول تكتل "بريكس"، كما أن هذه العملات ستكون متوفرة على مستوى البنوك الرسمية فقط، وحتى وجودها في السوق السوداء لن يكون له أي أثر، بالنظر إلى عدم وجود فارق السعر بين السوق الرسمية والموازية، لأن الكتلة النقدية من عملات دول تكتل "بريكس" السابقة الذكر يمكن شراؤها بالدينار الجزائري، وبالتالي ستكون متوفرة على مستوى السوق الرسمية. الأموال المكتنزة لاستثمارات مختلطة وعن تساؤلات "الشعب" حول المقابل الذي ستجنيه الجزائر بانضمامها إلى تكتل "بريكس"، أجاب خرشي أن ذلك سيجعل بمقدورها المساهمة بأجندة ضمن التكتل، حتى يلتزم بها الأعضاء ويتم تحديد حجم الالتزام ونسبة الامتثال في كل سنة يجتمع أعضاء التكتل. فمن الناحية الاقتصادية، ستفرض الجزائر على الأعضاء القيام بالمزيد من الاستثمارات في الجزائر، خاصة في ظل وجود قانون محفز للاستثمار، سواء من ناحية تبسيط وتسهيل الإجراءات أو من ناحية التحفيزات الضريبية. ويتوقع خرشي أن تعرف الجزائر ارتفاعا كبيرا في حجم الاستثمارات الأجنبية بالجزائر لكل من البرازيل، روسيا، الهند، الصينوجنوب إفريقيا. كما أن وجود استثمارات أجنبية بالجزائر وارتفاعها بوتيرة متسارعة سيخلق كثيرا من الثقة التي يحتاجها المستثمر المحلي وأصحاب الأموال المكتنزة، مما سيحفز أكثر على إخراج الأموال المكتنزة للقيام باستثمارات مشتركة وعقد شراكات ومشاريع مختلطة. التزامات مقابل امتيازات يعقد تكتل "بريكس" اجتماعات سنوية لتحديد وتحديث الأجندة منذ سنة 2009، حسبما أوضح خرشي، كما يتم تحديد حجم الالتزام لهذه الأجندة من طرف الدول الأعضاء في التكتل ونسبة الامتثال في كل التزام وهذا على مستوى كل قمة. ففي الفترة الممتدة ما بين 2009 و2021 تم تحديد 933 التزاما، وكانت البداية في 2009 أين تم تحديد 15 التزاما، ثم ارتفع العدد إلى 127 التزاما في سنة 2015، ثم 128 في سنة 2017، ليصل إلى 194 التزاما في سنة 2020. فبحسب الدول المستضيفة، انبثق عن اجتماعات تكتل "بريكس" بالنسبة لروسيا 112 التزاما، ثم الصين ب83 التزاما وبعد ذلك البرازيل ب60 التزاما، ثم جنوب إفريقيا ب56 التزاما وفي الأخير دولة الهند ب47 التزاما. أما من حيث المواضيع، فقد تمحورت معظم الالتزامات حول التعاون الدولي بمقدار 99 التزاما، تليها التجارة بمقدار 68 التزاما، ثم الأمن الإقليمي بمقدار 65 التزاما، الجريمة والفساد بمقدار 61 التزاما، ثم جاءت سياسات الاقتصاد الكلي بمقدار 58 التزاما، التنمية والطاقة بمقدار 47 التزاما لكل منهما، ثم الزراعة الغذائية وتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي بمقدار 42 التزاما لكل واحد منهم، إصلاح المؤسسات المالية الدولية بمقدار 37 التزاما، ثم مكافحة الإرهاب بمقدار 34 التزاما وتغير المناخ بمقدار 32 التزاما، وفي الأخير الصحة والتسوية المالية بمقدار 28 التزاما. ومن خلال المواضيع التي كانت محلّ اهتمام مستمر في العديد من قمم "بريكس"، والتي تنوعت بين المواضيع الدولية والتعاون والتجارة وإصلاح المؤسسات المالية الدولية لمدة 13 عامًا، تليها سياسة الاقتصاد الكلي، التنمية والأمن الإقليمي، أثبتت "بريكس" أنها قد ركزت بالفعل على مهمتها المميزة المتمثلة في تمثيل البلدان النامية، وإلى حد كبير على تعزيز التعاون داخل المجموعة مع إصلاح المؤسسات الدولية، وتعزيز النمو الاقتصادي. فمجموعة "بريكس" اليوم هي أكبر بكثير من مجموعة دول تمتلك معدلات نمو مرتفعة مع ناتج محلي إجمالي كبير، بل تتعلق بشكل أكبر بالأفكار والمواقف. الاقتصاد يجمع الدول الأعضاء وعن سمك وقوة العلاقة التي تجمع الجزائر بباقي أعضاء "بريكس"، فقد تناول خرشي، مثال الصين التي تحصلت في سنوات سابقة على العديد من العقود في إطار المناقصات العامة في الجزائر في قطاعات تطوير البنى التحتية، كالطريق السيار شرق- غرب، شبكات السكة الحديدية في الغرب، بناء الوحدات السكنية، كما تشجع السلطات الجزائرية كلا من الشركات الهنديةوالبرازيلية على المشاركة في مثل هذه المناقصات. وقد صنفت الصين كممون أول للجزائر من ضمن أعضاء دول "بريكس" وحتى الدول خارج تكتل "بريكس"، بقيمة 6.34 مليار دولار في سنة 2021 ثم البرازيل بقيمة 1.52 مليار دولار وروسيا بقيمة 1.48 مليار دولار، في حين أن الهندوجنوب إفريقيا لا تمون الجزائر إلا بما قيمته 703 مليون دولار و12.1 مليون دولار على التوالي. بالمقابل، تمثل البرازيل الزبون الأول للجزائر ضمن تكتل "بريكس"، حيث صدرت الجزائر إلى البرازيل ما قيمته 1.04 مليار دولار في سنة 2021، لتليها الصين بقيمة 961 مليون دولار، ثم الهند بقيمة 555 مليون دولار، في حين تبقى صادرات الجزائر ضعيفة نحو كل من دولة روسياوجنوب إفريقيا بقيمة 17.3 مليون دولار و6.67 مليون دولار على التوالي. الجزائر مفاوض قوي.. أما على الصعيد الجيو استراتيجي، يواصل المتحدث تأكيده، فإن الجزائر تعتبر دولة رائدة في حركة عدم الانحياز بامتلاكها لعلاقات جيدة مع مختلف الدول في القارات الخمس، كما تعتبر الجزائر دولة مصدرة للسلم، خاصة في إفريقيا من خلال المقاربات التي قدمتها، فمن ناحية الانتماء القاري تعتبر الجزائر دولة افريقية تربطها علاقات قوية مع معظم الدول الإفريقية ومن ناحية جغرافية هي دولة متوسطية لها وزنها في القضايا التي تخص دول البحر الأبيض المتوسط، كما تعتبر الجزائر أيضا دولة عربية وقرارها فاعل في القضايا العربية، خاصة بعد القمة العربية التي انعقدت بالجزائر في سنة 2022. فبالإضافة إلى تصدر كل من جنوب إفريقيا والجزائر اقتصاديات القارة الإفريقية، تعد جنوب إفريقيا حليفا تقليديا للجزائر في الاتحاد الإفريقي، فإن عودة الرئيس اليساري لولا دا سيلفا، إلى الحكم يخدم مساعي الجزائر للانضمام إلى "بريكس". أما بخصوص روسيا، فهي حليف استراتيجي للجزائر، بينما يخدم الحضور الدبلوماسي للجزائر في إفريقيا، مصالح الصين التي تعتبر الشريك التجاري والاقتصادي رقم واحد في القارة الإفريقية. موقع استراتيجي يصنع حظوظا أوفر وقال خرشي، إن الموقع الإستراتيجي للجزائر يسمح لها بتقديم قيمة مضافة جيو-استراتيجية، فمن ناحية جغرافية نجد روسيا في الشمال والصين في الشرق والبرازيل في الغرب وجنوب أفريقيا في الجنوبوالجزائر تتموقع في المركز، هذا ما يشكل حلقة وصل استراتيجية خاصة في مجال التجارة والشحن ورسوّ السفن والطائرات ونقطة عبور في كل اتجاهات القارات الخمس. إضافة إلى قيام الجزائر بإمضاء اتفاقية مع دولة الصين بخصوص مبادرة الحزام والطريق، والتواجد الاقتصادي في كل من مالي والنيجر، بالإضافة إلى مشروع أنبوب الغاز نيجيريا- الجزائر. كما تمتلك الجزائر حوالي 15 ولاية حدودية ترتبط مع ست دول افريقية، وشريط ساحلي بطول 1644 كلم يطل على إيطاليا في الشرق وعلى إسبانيا والبرتغال في الغرب. كما تعتبر الجزائر أكبر منتج للنفط في شمال إفريقيا، وضمن أكبر عشرين منتجًا للنفط في العالم.