نظم مجلس قضاء معسكر، يوما دراسيا حول مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، في إطار الحملة الوطنية التحسيسية للتصدي لهذه الآفة المتفشية في المجتمع، حيث أثرى عدد من الحقوقيين والأطباء المختصين، فعاليات اللقاء الذي تناول دور الضبطية القضائية في مكافحة المخدرات بما فيها فعالية تقنيات التحري، وكذا الإجراءات التشريعية المستجدة لمكافحة الظاهرة، إضافة إلى التكفل العلاجي بالإدمان والمدمنين. في الموضوع، أكدت الدراسات الأمنية حسب الرائد سهيلة منور، أن الحدود البرية الغربية والجنوبية الغربية، هي طريق مفضل لتهريب المخدرات، بالنظر إلى طول الشريط الحدودي، في حين تتدفق المؤثرات العقلية من الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية، وأشارت المتحدثة المنتسبة للمجموعة الاقليمية للدرك الوطني لمعسكر، أن قضايا حيازة واستهلاك المخدرات، هي الغالبة على الطابع الاجرامي، في حين عرفت تصاعدا متواصلا في السنوات الأخيرة، حيث يمثل استهلاك اقراص "البريغابالين"، نسبة 99 بالمائة من المحجوزات في السنوات الثلاث الأخيرة، وبكميات هائلة. تقليص العرض وتجفيف منابعه حسب الإحصائيات العامة التي قدمتها الرائد سهيلة منور، فقد سجل ارتفاع في استهلاك وحيازة المؤثرات العقلية، مقارنة مع مخدر الكيف المعالج الذي يدخل من الحدود الغربية للبلاد، وأرجع المختصون تراجع احصائيات الكيف المعالج، إلى عدة أسباب، أهمها تضييق الخناق على المهربين، خاصة بعد انجاز المنشأة الهندسية الضخمة "الخندق"، على الحدود الجزائرية الغربية، فضلا عن صعوبة نقل هذا النوع من المخدرات، بفعل يقظة السلطات الأمنية وتجندها التام. أوضحت المعلومات المقدمة، أن الجزائر تحولت إلى سوق لاستهلاك المخدرات لاسيما المؤثرات العقلية التي شهدت تفشيا مقلقا في السنوات الأخيرة، ولأجل ذلك، وضعت السلطات الجزائرية، استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات، ترتكز على التصدي للعرض والطلب، من خلال تقليص العرض وتجفيف منابعه، وتطوير سياسة وقائية فعالة وهادئة، إضافة إلى ضمان رعاية جيدة للمدمنين، حيث تظهر أوجه هذه الاستراتيجية في الأحكام والقواعد الجديدة التي جاء بها القانون الجديد 05-23 المتمم للقانون 18-04، وقال وكيل الجمهورية لدى محكمة تيغنيف، الطيب مأمور، لدى تدخله لتنشيط فعاليات اليوم الدراسي، إن القانون 18-04 للوقاية من المخدرات الموضوع منذ نحو 18 سنة، لم يعد يحقق الأهداف المرجوة، بالنظر إلى التهديد القائم جراء تفشي ظاهرة المخدرات في المجتمع، واستوجب استحداث آليات قانونية جديدة، ضمن القانون 23-05، الذي تهدف أحكامه إلى مواجهة المستجدات وسد النقائص عبر أربعة محاور، منها تعزيز التدابير الوقائية، والتكفل بإشكالية تصنيف بعض المواد الصيدلانية غير المصنفة كمؤثرات عقلية، ضمن الاتفاقيات الدولية. وأشار مأمور إلى أن القانون الجديد لمكافحة المخدرات والوقاية منها، نص على تكفل الدولة بالمدمنين، ووفر الحماية للصيادلة، كما نص على استحداث فهرس وطني للوصفات الطبية، يوضع تحت تصرف الجهات القضائية، وأزال هذا القانون إشكالية تصنيف دواء "البريغابالين" الذي حول عن مقصده الطبي العلاجي، بالاستناد إلى المرسوم الوزاري المشترك، الذي اعتبره مادة ذات خصائص مؤثرة. وتطرق ممثل السلطة القضائية، الطيب مأمور، بالشرح، إلى الأحكام الجزائية التي تضمنها قانون الوقاية من المخدرات، بما فيها التعديلات الجوهرية التي تعفي المبلِّغ عن جرائم المخدرات - إن كان مشاركا فيها - من المتابعة الجزائية، وحمايته قانونيا، وكأن له مركز قانوني كشاهد يستفيد من قانون حماية الشهود، وهو أمر يحفز المتورطين في جرائم المخدرات، على التوبة. مواد مجهولة المصدر تُعقّد التكفل بالمدمنين من جهتها، أكّدت الدكتورة المختصة في الصحة العقلية، بمركز مكافحة الإدمان "الوسيط" لمعسكر، مختاري زينب، في تدخلها، أن فئة الشباب مستهدفة، وهي أكثر عرضة للإدمان، لافتة إلى أن تفشي تعاطي المؤثرات العقلية، هو أكبر مشكلة يواجهها المجتمع منذ 10 سنوات، موضحة أن دراسات المختصين أثبتت وجود مواد مجهولة المصدر في تركيبة المؤثرات العقلية، وقالت إن بعض المخدرات تعقد التكفل بالمدمنين وتزيد من صعوبة وضعهم الصحي، مشيرة أن مصالح الوسيط لمكافحة الإدمان، سجلت مؤخرا، ثلاث حالات لمدمنين أصيبوا بالقصور الكلوي، بسبب التعاطي المفرط للمهلوسات، من بينهم شخص فقد الحياة. وتطرقت الدكتورة مختاري إلى المضاعفات الصحية التي يتسبب فيها تعاطي المؤثرات العقلية، لاسيما في حالات خلطها مع المشروبات الطاقوية وأدوية أخرى للحصول على النشوة، وقد أوضحت الدكتورة أن هذه النشوة الوهمية، ماهي إلا حالة لارتفاع ضغط الدم، مؤكدة أن 80 بالمائة من المرضى الذين يصلون إلى مصالح الاستعجالات المتخصصة في الأمراض العقلية، هم أشخاص يتعاطون المخدرات مهما كان نوعها. وقالت المختصة في الصحة العقلية، إن الملاحظ جليا، تطور ثقافة الإقبال على مراكز مكافحة الإدمان للعلاج، وهو مؤشر إيجابي، تصاعد في الآونة الأخيرة، ولابد من تعزيزه أكثر لاستقطاب أكبر عدد من الأشخاص المدمنين، بالاعتماد على عامل التحسيس والتوعية، لتشجيع هذه الفئة على العلاج، مشيرة بلغة الأرقام إلى أن مركز الوسيط لمكافحة الادمان لمعسكر، استقبل 683 حالة منذ انشائه في 2013، منها 185 حالة تم علاجها بطلب منها، لافتة أن أعلى نسبة للإدمان، تسجل بين فئة العزاب والرجال والبطالين، في حين، تعادل احصائيات الاشهر الاربعة الأولى لسنة 2023، أرقام سنة كاملة من الأعوام السابقة. وعن كيفية العلاج، قالت طبيبة الأمراض النفسية والعقلية، إن علاج الادمان له مراحل متتالية، ويتطلب عملا جماعيا تشارك فيه الأسرة، حيث لا يمكن التخلص منه إلا بتوفر البيئة المناسبة لذلك، مع توفر الإرادة العالية لدى الشخص المدمن، ويبدأ علاج الإدمان، بمقابلات تحفيزية، لتنشيط عزيمة الشخص ورفع رغبته في التخلص من هذه المشكلة الصحية، ناهيك عن فحص وتحاليل نسبة وجود السموم بالجسم، ومدى تأثر أعضاء الجسم بها، بداية من مرحلة التقييم الشامل والأولي، إلى مرحلة إزالة السموم أو علاج الانسحاب الذي يعتمد على منح المدمن أدوية مهدئة لتفادي الاعراض القوية للانسحاب، حيث يحتمل أن تكون لهذه الاعراض، نتائج وخيمة على الجهاز العصبي، ثم تلي ذلك مرحلة التأهيل والعلاج النفسي والسلوكي، ومرحلة المتابعة الخارجية بعد التعافي.