تنعقد اليوم القمة الإفريقية - الروسية الثانية، وعلى طاولتها مخرجات القمة الأولى، ومستجدات الوضع الدولي الراهن وما خلّفته الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصادات الطرفين، خاصة الدول الإفريقية التي تأثرت بأزمة الحبوب، لأن غالبية دولها تعتمد على استيراد المادة إما من أوكرانيا أو روسيا. ومن الملفات الأخرى التي تتضمنها القمة مناقشة انضمام عديد الدول الإفريقية التي تقدمت بطلب رسمي أو أبدت رغبتها في الالتحاق بمجموعة "بريكس" وقالت روسيا في وقت سابق إنها ترحب بفكرة التوسيع. تأتي القمة الإفريقية الروسية الثانية في إطار تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والدول الإفريقية ، والارتقاء بها إلى مستوى جديد، ويهدف لتنويع مجالات التعاون الروسي الإفريقي، وتحديد تطور هذه العلاقات على المدى الطويل. ومن المقرّر أن يحضر رؤساء أكثر من 49 دولة إفريقية، وتنعقد القمة في ظروف اتسمت بنقص حاد في تزويد 25 دولة إفريقية تعتمد بشكل شبه كلي على القمح المستورد من روسياوأوكرانيا. صفقة الحبوب تتصدّر صفقة الحبوب، وجهود روسيا لدعم أسواق الغذاء العالمية أجندة القمة الثانية. وفي هذا السياق، أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عشية انطلاق القمة الروسية الإفريقية ، أن انسحاب روسيا من اتفاقية البحر الأسود للحبوب، لن تؤثر على تزويد الدول الإفريقية بهذه المادة. وتعهد بوتين بتوفير الحبوب للدول الإفريقية التي لا تستطيع الحصول عليها من أوكرانيا، سواء بشكل تجاري أو مجاناً. وأضاف أن 70 بالمئة من الحبوب الأوكرانية تذهب إلى البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسّط. وأكد الرئيس الروسي، أن دولاً مثل إثيوبيا والسودان والصومال واليمن وأفغانستان لم تحصل إلا على 3 بالمئة من الحبوب الأوكرانية التي صدّرت بموجب اتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود. وعليه، تعوّل الدول الإفريقية على روسيا لتزويدها بالغذاء وتعزيز التعاون في المجال الزراعي، حيث تحتل مكانة مميزة بين أفضل 20 دولة رائدة، وتوفر الغذاء لما يقرب من 160 دولة وتجاوزت صادراتها الزراعية 41 مليار. مع وجود آفاق كبيرة للتعاون بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الاقتصادي وإفريقيا في ضوء أن القارة اليوم تعد واحدة من المراكز الناشئة للتنمية العالمية، بالمقابل تعد إفريقيا أكثر منطقة تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم حيث يوجد 278 مليون شخص في إفريقيا يعانون من الجوع، أي 20 في المائة من سكان القارة.. الانضمام إلى "بريكس" على بعد أقل من شهر، تعقد مجموعة "بريكس" اجتماعها القادم، ومن المقرّر أن يناقش طلبات دول إفريقية، بالانضمام إلى المجموعة. كما ينتظر أن تناقش القمة طرح عملة جديدة بديلة للدولار، وهو ما يضمن للدول الأعضاء والتي تتعامل معها الخروج من هيمنة الدولار، وبالتالي، تسهيل وصول المواد الغذائية والمساعدات والتقدم التكنولوجي والتنمية"، التي ستضمن الاستقرار الاقتصادي المفضي إلى الاستقرار السياسي بالنتيجة، خاصة وأن روسيا تركّز على مبدأ رابح رابح في علاقاتها مع الدول. ومما يساعد على ذلك امتداد العلاقات الإفريقية الروسية إلى الحقبة السوفييتية، حيث كان الاتحاد السوفييتي داعما لحق تقرير المصير في الدول الإفريقية. وتسعى روسيا، من خلال السعي إلى التواجد في إفريقيا، إلى تحييد الدولار بصفته عملة التبادل التجاري في العالم، واستبداله بالعملات المحلية في التعاملات الثنائية. وقد تمّ ذلك بالفعل عندما فرضت دفع مستحقات الغاز والنفط بالروبل الروسي بالنسبة للدول الأوروبية المشاركة في فرض العقوبات، واتفقت مع الصين على استعمال عملتيهما المحليتين في التبادل الثنائي، والتحقت بذلك السعودية في التبادل التجاري مع الصين أيضا. كما تسعى روسيا إلى فكّ الارتباط بين العملة الأوروبية والمصالح الاقتصادية الفرنسية. ففي لقاء بين الوزير الاقتصاد الروسي ونظيره الفرنسي، قال الوزير الروسي إنه: "لا يمكن أن نتفرج على الفقر المدقع الذي يعيشه الأفارقة بسبب عملة مفروضة عليهم، الاستعمار انتهى وآن الأوان لأن ينال الأفارقة استقلالهم الكامل". إن فكّ الارتباط بالعملات العالمية، وتعويضها بالعملات المحلية، يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لروسيا خاصة مع العقوبات المفروضة عليها. إذ أن ذلك يساعدها في تخفيف العقوبات الغربية، إلى جانب تدويل عملتها ما يسمح باستقطاب الاقتصادات إليها وتقليل الاعتماد على الدولار، وبالتالي، إيجاد بدائل لا يتحكم فيها الغرب، ومنه إلى عالم متعدّد العملات ومتعدّد الأقطاب. اعتماد متبادل تقوم العلاقة بين روسيا والدول الإفريقية على مبدأ رابح رابح، على اعتبار أن إفريقيا تحتاج نقل التكنولوجيا المستخدمة في جميع المجالات الزراعية والصناعية، في حين ترى روسيا في الدول الإفريقية أسواقا واعدة للاستثمار الروسي سيما في المجال الزراعي الذي تعتبر رائدة فيه. وبلغة الأرقام، ازداد حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الإفريقية في 2022، ووصل إلى قرابة 18 مليار دولار. وتسعى الدولة إلى كسر حاجر 20 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الاستثمارات المباشرة 40 مليار دولار. وصدرت روسيا، عام 2022، نحو 11.5 مليون طن من الحبوب إلى إفريقيا، كما صدرت في الأشهر الستة الأولى من هذا العام قرابة 10 ملايين طن من الحبوب رغم العقوبات المفروضة على صادراتها. إلى جانب التبرع ب300 ألف طن من الأسمدة المحتجزة بسبب الأزمة الأوكرانية وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا. كما ألغت روسيا ديون بقيمة 20 مليار دولار لعديد الدول الإفريقية . وعلى الصعيد العسكري، تشير أرقام لمعهد ستوكهولم الدولي لدراسات السلام، أن روسيا تصدر نحو 13 بالمائة فقط من السلاح إلى إفريقيا، بينما تراجعت صادراتها من السلاح إلى القارة بنسبة 32 بالمائة بين 2013 2017، مقارنة بالفترة 2008 2012. لكن هذه الأرقام لا تأخذ بعين الاعتبار بعض عقود الصيانة للسلاح السوفيتي في الدول الإفريقية. من جهة أخرى، ورغم أن أرقام المبادلات التجارية الإفريقية الروسية هي الأضعف إذا ما قورنت مع الاتحاد الأوروبي (275 مليار دولار) والصين (200 مليون دولار)، والو م أ (53 مليار دولار)، فإن هدف روسيا من العودة إلى إفريقيا، حسب مهتمين بالشأن الروسي، ليس متعلقا باعتبارات السياسة الخارجية بقدر ما هو مرتبط برؤية حول بعث تعاملات في منطقة لا تخضع للعقوبات الاقتصادية الغربية، حيث تعتبر روسيا نفسها متأخرة عنها. يضاف إلى ذلك أن التواجد الروسي في إفريقيا يبحث أساسا عن مزايا اقتصادية مقابل بيعها العتاد والخدمات في المجال الأمني. ومن أجل تحقيق ذلك وتحسين مكانتها في إفريقيا، استعملت روسيا الجانب الإعلامي بداية من 20ّ13، من خلال تقدّم إفريقيا على أنها احتياطي اقتصادي قوي، وأن إفريقيا مهمة بالنسبة لروسيا والعكس صحيح، عكس الصورة السلبية التي طالما روج لها الإعلام الغربي. كما كثفت مراكز البحث الروسية نتاجها الأكاديمي حول إفريقيا وأهميتها بالنسبة لروسيا، وتراجعت النظرة الروسية المبنية على أساس تقسيم ثنائي "شمال إفريقيا باعتباره الجزء الأكثر فائدة بالنسبة لها، وإفريقيا جنوب الصحراء غير المهمة". وفي السياق، قام وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بزيارات إلى عدد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء حيث تعتبر روسيا تواجدها ضعيفا هناك، وقادته الزيارة إلى أونغولا، مانيبيا الموزمبيق زيمبابوي وإثيوبيا في الفترة بين 5 و9 مارس 2018، (وهي دول ربطتها علاقات مع روسيا في الفترة السوفيتيه من خلال نوعية السلاح المستعمل وكذا تكوين النخب العسكرية). وهدفت الزيارة إلى ترقية ثلاث دعائم في العلاقة بين روسيا وهذه الدول: تجديد وترقية التعاون العسكري والأمني، فتح الاقتصادات الوطنية أمام الاستثمارات الروسية، وإعادة بعث التبادلات الثقافية والجامعية. بمعنى أن روسيا تريد أن تضمن حصة من الأسواق والموارد الطبيعية الإفريقية ، وترقية التعاون العلمي والتقني، وتقديم نفسها على أنها فاعل مؤثر في مجال مكافحة الإرهاب. أهداف ومحاور قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو تتوقّع أن ترتقي القمة الإفريقية الروسية الثانية، بعلاقاتها مع القارة إلى مستوى جديد. وأضاف أن نتائجها ستستند إلى العمل الذي تمّ منذ القمة الأولى التي عقدت في سوتشي في خريف 2019، وأضاف: "لقد رأينا اهتماما كبيرا من جانب أصدقائنا في جنوب إفريقيا بالتأكد من أن الحدث سيسفر عن اتفاقيات ذات مغزى". وقالت مؤسسة "روس كونغرس" الروسية، المسؤولة عن تنظيم المؤتمرات، القمة الإفريقية الروسية هي الحدث الرئيسي والأكبر في العلاقات الروسية الإفريقية . يهدف عقد هذه القمة إلى تحقيق مستوى جديدا نوعيا لشراكتنا المتبادلة المنفعة التي تلبي تحديات القرن الحادي والعشرين. يهدف هذا الحدث إلى تعزيز التعاون الشامل والمتساوي بين روسيا والدول الإفريقية في جميع أبعاده السياسة والأمنية والاقتصادية والمجالات العلمية والتقنية والثقافية والإنسانية. وتنويع أشكال ومجالات التعاون الروسي الإفريقي، وكذلك تحديد تطور هذه العلاقات على المدى الطويل. وحسب مؤسسة روس كونغرس، فإن برنامج القمة يتضمن أكثر من 30 جلسة نقاشية وفعاليات حول أهم قضايا التعاون بين روسيا والدول الإفريقية والتي ترتكز على محاور رئيسية وهي محور الاقتصاد العالمي الجديد والذي يتناول مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة النووية والفضاء، والمحور الاجتماعي والإنساني لحياة أفضل والذي يتناول التعاون في مجال التعليم العالي ونقل أفضل الخبرات التعليمية في مجال التعليم عن بعد، والتعليم المهني ودور المرأة في التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي ودور الرياضة في الصداقة بين روسيا وإفريقيا، إلى جانب عقد المنتدى الإعلامي ومؤتمر عمداء الجامعات ومائدة مستديرة وفعاليات في إطار برنامج الشباب وجلسات من منتدى الأعمال الإبداعية، ومنتدى المجتمع الصحي، وأن جلسات القمة الثانية للمنتدى ستتطرّق لتأثير التهديدات التي يتعرض لها الأمن العالمي على القارة الإفريقية من النزاعات العسكرية التقليدية ونقص الغذاء وأزمات الطاقة والهجرة غير المنظمة إلى النشاط الإرهابي الإجرامي. كما يناقش محور الاقتصاد العالمي الجديد آفاق تعزيز الأعمال التجارية في إفريقيا لرجال الأعمال الروس، ودراسة مخاطر وظروف السوق والفرص المتاحة في ضوء النمو السريع لإفريقيا التي تبرز كمنطقة تحمل الآمال لحدوث انتعاش اقتصادي عالمي، وخاصة وأن الشركات الروسية تنفذ بالفعل عددا كبيرا من المشروعات الرائدة التي تسهم في التنمية المستدامة للمنطقة الإفريقية. البناء على مخرجات القمة الأولى من المقرّر أن تكون مخرجات القمة الأولى قاعدة انطلاق لمخرجات القمة الثانية. واتفق الجانبان في ختام القمة الأولى على إقامة منتدى شراكة روسية إفريقية لتنسيق تطوير العلاقات الإفريقية الروسية وجعل قمة روسيا - إفريقيا كهيئة عليا لها تنعقد مرة كل ثلاث سنوات. وعقد مشاورات سياسية سنوية بين وزراء خارجية روسيا والدول الإفريقية التي تتولى الرئاسة الحالية والسابقة والمستقبلة للاتحاد الإفريقي في الفترة بين انعقاد القمم، وقد تمّ التوقيع على مجموعة كبيرة من الاتفاقيات في ختام القمة بلغت قيمتها تريليون روبل. يضاف إلى ذلك، التأكيد على أهمية التعاون الوثيق في تنفيذ أهداف ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة والتأكد من أن الأممالمتحدة تلعب دورا نشطًا في الشؤون الدولية، ولا سيما في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتنسيق الجهود لإصلاح الأممالمتحدة بما في ذلك مجلس الأمن وكذلك دعم قدرتها على مواجهة التحديات والتهديدات العالمية القائمة والجديدة. إضافة إلى تعزيز الحوكمة العالمية وضمان مشاركة أكبر للدول الإفريقية في مجلس الأمن وضرورة إجراء مشاورات منتظمة بين البعثة الدائمة لروسيا والبعثات الدائمة للدول الإفريقية لدى الأممالمتحدة. كما أكد أهمية تعزيز الشراكة والتعاون بين دول "بريكس" والدول الإفريقية، بهدف دعم الآليات الجماعية للحوكمة العالمية في إطار نظام متعدّد الأقطاب للعلاقات الدولية. ومكافحة الإرهاب الدولي بجميع أشكاله، وتنفيذ البرامج المشتركة لبناء القدرات اللازمة للدول الإفريقية، إلى جانب تعزيز التجارة والاستثمار والتنمية المستدامة بين روسيا والدول الإفريقية بما في ذلك عن طريق زيادة حصة المنتجات الزراعية في عمليات الاستيراد والتصدير، والتعاون في مجالات أخرى منها الأمن الطاقوي للقارة، ومنع الكوارث الطبيعية والأوبئة والتخفيف من حدتها ومناقشة سبل تعزيز التعاون في مجالات مثل المساعدة الإنسانية ومكافحة تغير المناخ والجفاف والتصّحر والوقاية من الكوارث الطبيعية والتخفيف من حدّتها وكذلك رصد حالات الطوارئ والتنبؤ بها، مؤكدا أهمية الجهود للتصدي لتغيّر المناخ في إفريقيا ونقل التكنولوجيات اللازمة وبناء القدرات وتعزيز قدرات الدول الإفريقية على بناء قدرتها على الصمود والتكيّف مع الآثار السلبية لتغيّر المناخ.