يبدو أن شعب النيجر حسم موقفه وحدّد موقعه، حيث تعجّ شوارع العاصمة نيامي كلّ يوم بالوقفات والمظاهرات المؤيّدة للمجلس العسكري والرافضة لأيّ وجود فرنسي ومن ورائه لعقوبات وتهديدات المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس" التي تلوّح بخيار القوة لحسم الأزمة في هذه الدولة الواقعة في قلب الساحل الإفريقي الملتهب. أمس، احتشدت الجموع الغفيرة أمام أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في النيجر ومنطقة الساحل للمطالبة برحيل فرنسا، و قبلها شهد الملعب الرئيسي في العاصمة نيامي، تجمعا شارك فيه الآلاف الذين ردّدوا شعارات مؤيدة للمجلس ورافضة للوجود الفرنسي والتدخل العسكري الذي تهدد به مجموعة "إيكواس" وأطراف أخرى مثل باريس. في السياق، قالت راماتو إبراهيم بوبكر، وهي عارضة أزياء ارتدت وشاحاً بألوان علم البلاد، "لدينا الحق في اختيار الشركاء الذين نريدهم، وينبغي على فرنسا احترام هذا الخيار". فيما قال إدريسا هاليدو، وهو عامل في القطاع الصحي وعضو جمعية النيجر لحماية الوطن، إن "السفير الفرنسي، بدل أن يغادر، يظن أنها أرض أسلافه". وكانت هناك مظاهرات أخرى في عدد من المناطق في النيجر بالتزامن مع التجمع في الملعب الرئيسي في نيامي، ما يعكس تنامي الرفض الشعبي للوجود الفرنسي، وما يترجم قرار السلطة العسكرية الجديدة في نيامي بطرد سفير باريسو إخراج القوات الفرنسية. ومنذ الإطاحة ببازوم قبل شهر، أبدت الجماهير الشعبية في النيجر دعمها وتأييدها للمجلس العسكري الذي يعتقد بأنه استطاع أن ينتزع ورقة الشرعية الشعبية لمواجهة ضغوط وتهديدات الخارج التي تحرّكها فرنسا. وكان قادة نيامي الجدد اتهموا المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بأنها تابعة لفرنسا التي تنشر 1500 عسكري في النيجر كانت مهمتهم المعلنة مساعدة الرئيس السابق محمد بازوم على مواجهة الارهابيين في بلاده ودول أخرى في منطقة الساحل الإفريقي. وأصبح الوجود العسكري الفرنسي في غرب إفريقيا هشا بشكل متزايد وسط موجة من الشعور المعادي لباريس، حيث طردت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو، ويتوقّع المراقبون نفس المصير للقوات الفرنسية في النيجر، وهو الأمر الذي يفسّر التصعيد الفرنسي ضدّ المجلس العسكري في نيامي والاصرار على إعادة الرئيس بازوم الحليف الكبير. حشد ودعوات لليقظة بينما تتعقّد الأزمة في النيجر وتتداخل أطرافها، يمضي المجلس العسكري في الحشد الشعبي والاستعداد لكل الاحتمالات، حيث دعا الشعب لكي "لا ينام وأن يكون مستيقظا في الأيام المقبلة". وقالت مصادر عسكرية، السبت، إن هيئة الأركان التابعة للمجلس العسكري في النيجر اتخذت قرارا برفع حالة التأهب في الجيش إلى حالة "الاستنفار القصوى"، تحسبا لتدخل عسكري محتمل للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. كما يتمسك المجلس بالمرحلة الانتقالية، ويمدّ يده للحوار والبحث عن مخرج سياسي يحول دون الانزلاق إلى الحرب التي لا يمكن إلاّ أن تكون كارثية على المنطقة بأسرها وليس على النيجر فقط. ما مصير قوّات فرنسا؟ منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في 26 جويلية الماضي، والعلاقات بين فرنسا والدولة الواقعة في غرب إفريقيا تتدهور باستمرار. ولعلّ آخر حلقات هذا التدهور تمثلت في طلب المجلس العسكري من السفير الفرنسي مغادرة البلاد، فيما ردت باريس برفض هذا الطلب. إلا أن هذا التوتر الأخير دفع إلى التساؤل حول مصير العسكريين الفرنسييين المتواجدين في البلاد، إذ لا يزال ما يقارب 1500 عسكري فرنسي متواجدين في النيجر، بموجب اتفاقيات دفاعية بين البلدين. علماً أن المجلس العسكري أعلن بعد أيام من سيطرته على السلطة إبطال تلك الاتفاقيات، في قرار لم تعترف به باريس، معتبرة أنه لا يمثل السلطات الشرعية. إلا أن الضغوط على هؤلاء العسكريين تتزايد وسط تنامي مشاعر الرفض الشعبي للوجود الفرنسي. وفي كلمة أمام الحشد الاخير، قال عضو المجلس العسكري الكولونيل إيبرو أمادو إن "النضال لن يتوقف حتى اليوم الذي لن يكون فيه هناك أي عسكري فرنسي في النيجر"، وأضاف "أنتم من ستخرجونهم". جهود دبلوماسية هذا، ورغم تصاعد الأزمة في النيجر، تستمر الجهود من أجل التوصل إلى حلّ دبلوماسي. وزار مبعوثان جزائريان المنطقة، كما التقت السبت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية مولي فيي مسؤولي إيكواس في أبوجا، عاصمة نيجيريا التي تتولى رئاسة المنظمة.