أكّد الكاتب والناقد الثقافي محمد الصديق بغورة، أن الدخول الثقافي أضحى حدثا هاما في الحياة الثقافية المعاصرة، وتتجلى هذه الأهمية في عدد المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تساهم في تنشيط أجوائه بشتى الفروع الفنية والفكرية من دور نشر ومسارح ومعارض وجامعات، ووسائط تحاول جمع أكبر عدد من الناس للمشاركة فيه. أوضح محمد الصديق بغورة "إذا كانت الثقافة في الأساس جزءا من الحياة العامة الغربية عموما، بسبب عراقة تقاليدها وتراكماتها التي صنعت هذا الواقع بخصائصه الحالية، فإن الدخول الثقافي يعني عندها هبة ثقافية أولى في فصل الخريف بعد انقضاء فترة الراحة والعطل، وكثير من الكسل الضروري". وذكر المتحدّث أنه في ظل هذا التحول الذي مس إيقاع الحياة والحالة النفسية والاجتماعية، فإن المؤسسات المنتجة للمادة الثقافية تستغل شراهة المستهلك الثقافي الأولى فتعرض عددا كبيرا من المنتجات الثقافية، غير أن ذلك بحسبه لا يعني أن يتوقف الفعل الثقافي بعد الدخول الثقافي عن نشاطه وإنتاجه وتنافسيته، خاصة فيما تعلق بالمواد الثقافية من كتاب ومسرح وسينما وصورة وحفل..جزء من الاستهلاك المستمر وهو يمثل نسبة من مصاريف الفرد في الحياة الغربية، حيث تبدو دور النشر من أبرز المؤسسات التي تهتم بمضاعفة عدد العناوين المعروضة أمام القراء والمكتبات". وأضاف، "فماذا يمكن القول عن اهتمام النخب الوطنية بالدخول الثقافي في الجزائر؟ خاصة وأنه من الملاحظ أنها صارت منشغلة بجدية على الأقل في الحوارات التي تثار داخل الوسائط الثقافية والاجتماعية، ودور النشر والمحطات الإعلامية، وقد يكون المعرض الدولي للكتاب الذي تتظافر فيه الجهود الرسمية وجهود المؤسسات الخاصة أبرز تجل لهذا الدخول، الذي يفتح المجال كذلك للمبادرات الفردية والجماعية بأن تعبّر عن حضورها، ودعوة جمهورها للمشاركة في صنع تجمع كبير أشبه بعرس سنوي للمهتمين بالكتاب تأليفا وقراءة وتسويقا، لذلك كانت دور النشر وما تزال هي العنصر الأكثر فاعلية في ملء الفراغ الناجم عن حداثة تجربة هذا الدخول أصلا، وعن قلة المؤسسات القادرة على المساهمة بشكل فعّال لأسباب متنوعة بين القدرة على التصور والتخطيط والتنفيذ والإرادة في هذا الحدث، الذي هو أساسا من تقاليد المجتمعات العريقة في استقبال العمل الثقافي بشغف وحماس وفضول". وأوضح المتحدث، أنّ معاناة عالم الثقافة بسبب كورونا، كان وما يزال من أبرز أسباب كساد سوق الكتاب، غير أن هذا الكساد يفسّر قبل ذلك بتدهور تقاليد القراءة نفسها، في ظل تدهور قيمة المعرفة التي لم تعد مفتاحا للنجاح الحياتي في تصور عدد كبير من الطبقات الاجتماعية للأسف، بل وفي ظل وضعية حرجة تنذر بانهيار القدرة الثقافية على التلقي والتفاعل، وماديا وبإطلالة بسيطة على قيمة الورق المرتفعة عالميا، فالملاحظ هو أنه أدى إلى انخفاض نسبة الطبع مثلا في باريس قياسا إياها بالسنوات السابقة، لذلك فإنه من الطبيعي أن يكون هذا العامل مؤثرا في عالم القراءة بصفة عامة في أوروبا وخارج أوروبا. وفي الجزائر يفرض الكتاب نفسه على المشهد الثقافي حتى إنه يكاد يختصر تفاصيل الدخول الثقافي كلها، فأين الفنون والمعارف والثقافات الأخرى؟