كيف هو حال وواقع الصحافة الثقافية في الجزائر، ما موقعها ومحلها من الإعراب في المشهد الإعلامي ومشهد الثقافة والأدب الجزائري، وهل هناك صحافة ثقافية قوية ونوعية؟، كيف هو مستوى أداء الإعلام الثقافي عبر الصفحات الثقافية والملاحق الأدبية الأسبوعية في السنوات الأخيرة، وهل الصفحات الثقافية الموزعة على مستوى بعض الجرائد أسست حقا لإعلام ثقافي حقيقي في الجزائر، وما هي الإشكالات والمعيقات التي تعترضها وبالتالي تؤثر على مستوى أداء الإعلام الثقافي؟. وهل هناك أسباب بعينها تؤدي إلى ركودها أحيانا وضحالتها وضحالة مستوى الأداء فيها؟. كيف هي عموما وأين تكمن خصوصيتها إن كانت ذات خصوصية؟. حول هذا الشأن يتحدث في هذا الملف بعض المشتغلين في حقل الصحافة الثقافية والإعلام الثقافي من إعلاميين ورؤساء أقسام ثقافية ومشرفين على ملاحق أدبية أسبوعية. استطلاع/ نوّارة لحرش * رشدي رضوان بحث في فائدة الصفحة الثقافية من غير المنصف أن نتحدث عن واقع الصحافة الثقافية في الجزائر بمعزل عن الواقع الشمولي للصحافة في هذا البلد الذي اختلطت فيه المفاهيم وتراجعت فيه الأولويات، لذلك يبقى البحث عن محلّ لإعراب الصحافة الثقافية في جملة اسم الإعلام في الجزائر، مضافا إليه، يتحركّ بتحرّك الجملة ككل. ولأن الجملة آيلة إلى الركاكة، تبقى الصفحة الثقافية في جرائدنا عاجزة عن التميّز، رغم مجهودات بعض الصحافيين الذين لا يزالون يدافعون عن المساحة المخصصة للثقافة في الجرائد التي يشتغلون فيها، لاعتبار واحد، يتمثل في كونهم (أي بعض الصحافيين) كُتّاب ومبدعون بالأساس. يُصرّون على تثبيت ملاحقهم الثقافية في جرائدهم، رغم "كسادها"، بمنطق مسؤولي النشر طبعا. والذين يُضحّون بالصفحة الثقافية مع أول صفحة إشهار واردة، أو صفحة "رسائل طلب عريس". وإذا أردنا حصر أمثلة الملاحق الثقافية التي تتشبّث بصدورها أسبوعيا نذكر (دفتر النصر-كراس الثقافة-، اليوم الأدبي، الفجر الثقافي، ملحق الأثر بالجزائر نيوز، ملحق صوت الأحرار الأدبي والملحق الثقافي بجريدة الوطن) والمُلاحظ أن المشرفين عليها كما قلت، منخرطون أيضا في العمل الإبداعي. وهي حالة ليست بالحكر على الجزائر، إذ يحضرني اسم إليزابيل اللندي، التي اشتغلت بالصحافة قبل بروز اسمها في عالم الرواية. كما كان همنغواي أيضا، مراسل حرب من إسبانيا قبل أن يكتب "لمن تدق الأجراس". وماركيز تلحّف وقتاً بالصحافة، كما كان طه حسين رئيس تحرير جريدة الجمهورية، وأمامه عباس العقاد وغيرهم كثيرون، مع حفظ المقامات طبعا. إذن، تبقى الملاحق الأدبية والثقافية المذكورة تحفظ ماء الوجه الدافئ، في خضمّ برودة حبر الكثير من الصفحات المنسوبة إلى كلمة ثقافة في صحافتنا المطبوعة، التي تتشابه إلى حدّ التطابق، شكلا ومضمونا، لاعتبارات كثيرة، أهمها أن بعض المشرفين على تحرير الصحف ومدراء نشرها، "يعاقبون" أضعف الصحفيين والمتربصين بتوجيههم إلى الصفحة الثقافية، في حين تُكرّم الصحافة البريطانية - مثلا - رجالها الذين قطعوا أشواطا كبيرة في العمل الصحفي، تكرمهم بمنحهم شرف تحرير الصفحات الثقافية. وحتى لا أُحمّل الصفحات الثقافية وزر ما ذكرته، لا بد أن لا ننكر بأن هزالة المشهد الثقافي العام والخاص في البلد، انعكس سلبا على مرآة الصحافة الثقافية الجزائرية، التي يفتقد أغلب محرريها للتكوين المتخصص وربما الإيمان بأنهم يشرفون على خطاب العقل في مجتمع متهم بتمييع الثقافة. * نصيرة محمدي الإهمال وانعدام التأسيس كبل تطور الإعلام الثقافي كقارئة ومتتبعة وحاملة لتجربة متواضعة في الإعلام الثقافي بفروعه المسموعة والمكتوبة والمرئية لم أرضَ يوما عن هذا الإعلام ولم أشعر يوما أن القائمين عليه يوجهون عناية خاصة للثقافة بشكل عام ولمن يشتغلون في هذا الحقل الحساس والغني والملغم في آن، هناك احتقار كبير للإعلام الثقافي وغياب مطلق لإستراتيجية ناجعة وفاعلة للثقافة والعمل الثقافي وإيصال هذا الجوهر للمُتلقي الذي دأب على تلقي الفُتات والضحل من المادة الثقافية من طرف صحافيين غير متكونين وغير متخصصين ومحدودي الثقافة والخبرة والتجربة، بالإضافة إلى المحيط العام المُعادي لكل ما هو ثقافي معتبرين أن السياسي والاقتصادي هو الأهم وبالتالي المهيمن والبراغماتي والأكثر منفعة. مازال الخبر الثقافي يأتي في هامش الأخبار ومازالت الإذاعة الثقافية في مؤخرة الإذاعات ولا يُرصد لها غير ميزانية ضئيلة وموجات محدودة وأجهزة هزيلة وإهمال خطير وهنا أذكر مثالا عن ضياع كل المادة التي أنجزتها مع نخبة المجتمع الجزائري وبعض العرب من كُتاب ومثقفين وفنانين وأدباء وفاعلين في الثقافة من أرشيف الإذاعة الجزائرية. لا أزال أذكر حروبي المؤلمة مع مدراء الجرائد التي اشتغلت بها دفاعا عن الإعلام الثقافي ومحاولة فسح فضاء حر للصحافة الثقافية والكتابة الحرة والأكثر من هذا ضرورة الإيمان بأن الثقافة هي حل لكل مشاكلنا وتخبطاتنا الفكرية. التسطح والإهمال وانعدام التأسيس كبل كثيرا تطور الإعلام الثقافي وكارثة التعليم أودت بنا إلى هذا الحال من البؤس رغم كل التكنولوجيا المتطورة ووسائل الاتصالات الحديثة التي كان من المفترض أن تجعلنا في الصدارة. في تجربتي بالتلفزيون الجزائري يعيش الصافي المهتم بالشأن الثقافي عزلة إجبارية وسخرية متأتية من تربية عامة تزدري الثقافة، كانت تجربة مبتورة في قطاع عمومي مسيج بالمحظورات، أذكر أني خلال عرضي لأحد الكُتب التي تتناول شخصيات وطنية ذكرت اسم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد حينها وجه لي مدير الأخبار ملاحظات وخطوط حمراء عليّ ألا أتجاوزها وأن السياسة تقتضي الحذر إزاء كل كلمة واسم، تصوروا الإلغاء والإقصاء بالنسبة لي أنا الرافضة للقيود والطابوهات. أتصور الآن أن العالم مفتوح وهو مختبر شاسع للتعلم والتجربة بفضل الإنترنت والفضائيات والصحافة الالكترونية وتعدد الوسائط وفرص التكوين، علينا أن نستثمر في كل ذلك. * الخير شوار برز نوع من الصحافة لا يقدّم المادة الثقافية والملاحق الأدبية تأتي ضمن مبادرات شخصية لأفراد يحاولون إشعال شمعة في ظلام دامس حال الصحافة الثقافية من حال الصحافة نفسها، فهذه هي انعكاس لتلك، وكلنا يعرف تراجع المهنة باستمرار مع التحولات الجذرية التي عرفها المشهد السياسي منذ نهاية ثمانيات القرن الماضي وانعكاس ذلك على الممارسة الصحفية، عموما. كان يمكن أن تسير الأمور في الاتجاه الإيجابي مع تأسيس الصحافة المستقلة، لكن حدث العكس تماما وحدثت حالة نزيف حاد بعد أن أصابت آلة العنف الدموي الكثير من الصحفيين وهاجر بعضهم وتوجه بعضهم إلى مهن أخرى. المشكلة أن أجيال جديدة من الصحفيين وجدت نفسها دون تأطير وعدنا إلى نقطة ما قبل الصفر، وبرز نوع من الصحافة لا يقدّم المادة الثقافية ولا حتى الخدمة العمومية المطلوبة لأنه يجهلها وفاقد الشيء لا يعطيه بالضرورة. لقد اجتهد الكثير من أصحاب المخلصين لكن "طريق جهنم محفوف بالنوايا الطيبة"، وانتشرت صفحات هزيلة تملأ في كثير من حالاتها بمادة منقولة بشكل ساذج من الإنترنيت دون أي وعي ودون أن تقدم شيئا للقارئ، مما أساء للصحافة الثقافية وساهم في انتشار صحافة "قتل، ونهب، واغتصب"، ومما ساهم في قتامة الصورة غياب المجّلات والدوريات المتخصصة وكثير من المجّلات تصدر موسمية مناسباتية ولا توزع إطلاقا إلا في دوائر ضيقة. ووسط هذه الصورة القاتمة يجتهد بعض الأفراد في مبادرات شخصية جدا يحاولون إشعال شمعة في ظلام دامس. طبعا الملاحق الأدبية والثقافية تُعد على أصابع اليد الواحدة وهي تأتي كما سلف الذكر ضمن مبادرات شخصية جدا لأفراد يحاولون إشغال شمعة في ظلام دامس. * زهية منصر الصفحات الثقافية تُعاني من مشاكل عدة أهمها أنها غير ثابتة أو تمثل العجلة الخامسة في المهنة أسئلتك يا سيدتي تحتاج إلى كِتاب وأنا لا أملك كل الإجابات لكن سأجيبك حسب فهمي البسيط. كيف هو حال وواقع الصحافة الثقافية في الجزائر، ما موقعها من الإعراب في مشهد الثقافة والأدب الجزائري؟ وهل في الجزائر شيء اسمه مشهد ثقافي؟ وهل هناك شيء اسمه صحافة ثقافية أصلا؟، برأيي لا يمكن أن نعتبر النشاطات والمهرجانات الموسمية والمناسباتية رغم أهميتها فعلا ثقافيا، لأن الفعل الثقافي هو وعي يمارسه الناس جماعيا من أجل إنتاج الأفكار وتحقيق التقدم الإنساني لكن عندنا يمكن فقط حضور جلسة نقاش بين "كاتبين" حتى ندرك مستوى الثقافة عندنا. زيادة على ذلك فالثقافة التي نحصرها نحن في بضعة أسماء لكُتاب وشعراء وروائيين أغلبهم صنعهم الفايس بوك والصداقات المشبوهة والتملق هي أكبر بكثير من ذلك. أين نحن من الفن التشكيلي؟ أين نحن من المسرح والسينما والموسيقى والفلسفة والهندسة المعمارية وكل ما له علاقة بالجمال؟، إنطلاقا من هنا لا يمكن اعتبار الصفحات التي تصدر بالجرائد وتُعنى ببعض أخبار الفعل الثقافي على قلتها وواقعها لا يمكن تسميتها إعلاما ثقافيا كما لا يمكن تسمية التنشيط الثقافي فعلا ثقافيا، وهل هناك صحافة ثقافية قوية ونوعية في الجزائر؟، لا توجد صحافة قوية عموما في الجزائر لأن النظام السياسي "غلق الدومينو" وصارت مقصلة الإشهار عقابا للعصاة وطريقة لابتزاز النزهاء حتى صارت صحافتنا اليوم أشبه بالمقاولات يا إما تمشي في الخط أو تُهمش وتُحاصر أو تنسحب من الساحة. أما الصفحات الثقافية أو ما يُسمى كذلك فهي تُعاني من مشاكل عدة أهمها أنها غير ثابتة أو تمثل العجلة الخامسة في المهنة لأن بمجرد قدوم الإشهار فإن الناشر يستغني عنها، كما أنها آخر صفحة في سُلم الأولويات، فعادة الناشرون وأصحاب الصحف يولون أهمية لأقسام السياسية والمحلي ويأتي القسم الثقافي في آخر الإهتمام يمكن أن يُوجه له كان من كان مع احتراماتي للكل طبعا ولا أستثني نفسي لأننا جميعا في النهاية نحتاج إلى إعادة تكوين في هذا المجال. بالنسبة للملاحق على قلتها فيُعاب عليها أنها غير تمثيلية لكل الأطياف والحقول الثقافية واقتصارها في الغالب على الشعر والكِتاب والفلسفة بينما الثقافة كما أخبرتك أرحب وأوسع وثانيا إغراقها في لغة لا يفهمها البسطاء وثالثا بعض كُتابها يمارسون التعالي وكأنهم يكتبون لأنفسهم زيادة على ضرورات الشكل والتقديم، فبعض الملاحق تقدم مثل "الحصاير والزرابي" لا تشجع على القراءة لأننا حاليا في عهد الإعلام التفاعلي الذي يكون فيه القارئ –شريك- وليس فقط متلقي سلبي. الإشكالات والمُعيقات التي تعترض ما يُسمى بالصحافة الثقافية عندنا هي إشكالات الصحافة التي يجب أن يُعاد النظر في تنظيمها وطريقة عملها، لا يمكن الحديث عن صحافة في ظل غياب الحرية وغياب المسؤولية والاحترام للقارئ وعدم تتفيه الناس ونقل كلام الشوارع على صفحات الجرائد، يجب إعادة النظر في كل منظومة الإعلام بداية بالتكوين والتوجيه نهاية بعلاقة "أصحاب المقاولات" بأسياد القرار، الصحافة حسب رأيي كلٌ متكامل فلا يمكن الحديث عن صحافة ثقافية قوية وصحية بدون صحافة حرة عموما وبدون الحديث عن فعل ثقافي تصنعه الآراء الحرة التي تُناقش بعضها خارج صراع اللوبيات وبارونات الفساد والمال. * إسماعيل يبرير الصحافة الثقافية كجنين لسيدة نهشتها أدوات تعذيب كثيرة وكائن متأزم لعدة أسباب أتصور أن الصحافة الثقافية مفهوم غير متأصل في الصحافة الجزائرية، ليس بوسع قُراء الصحف الجزائرية ولا المهتمين بالصحافة دراسةً وشغفًا أن يؤكدوا أن الصحافة الثقافية موجودة حقا، لقد جانبنا الصواب عادة ونحن نلتمس المفهوم، فهل الصحافة التي تنقل أخبار الثقافة هي المقصودة؟ أم نتحدث عن الصحافة التي تمنح المثقف مساحة للهذيان أو الإستعراض؟، أليست تلك صحافة رأي؟. إن الصحافة كقيمة إذا ارتبطت بالثقافة تعني الجرأة في الطرح، القدرة على إطلاق تحقيقات تنزع نحو الاستقلالية وتُعالج مواضيع تشغل الثقافة والمثقف، تعني أن يكون المشتغلون فيها هم خيرة ونخبة الصحافة وليس العكس، تعني أن يُعقّد الصحفي المتخصص في الشأن الثقافي رئيسه مدير أو رئيس التحرير بطرحه المميز بتفسيره الثقافي وبجرأته المعرفية باعتباره العنصر القادر على التعاطي مع كل الأقسام، العنصر الأهم، لا أن يتعقّد من عمله في أفقر الأقسام، وهذا حاصل في الكثير من الدول التي تملك تقاليد صحفية، حيث يكون أبرز صحفيوها هم المشتغلون في الشأن الثقافي. ثمّ لماذا نتحدّث عن الصحافة بوصفها حالة تتطلبّ بحثنا وتساؤلنا؟ أليست هي جزء ممتد، ألا تمثل صورة لوضع عام؟ السؤال الأهم هو هل نملك مشهدا ثقافيا حقيقيا؟ فاعلين ثقافيين؟ هل لدينا معالم صناعة ثقافية؟ الحقيقة أن الثقافة هي رديف للفلكلور في الفكرة الإدارية للحكومة، ردة ولغو في الفكرة التقليدية للمجتمع وعذاب في الفكرة القارة لدى المثقف، من ثمة أجزم أن الصحافة الثقافية في الجزائر جنين لسيدة نهشتها أدوات تعذيب كثيرة بأيدي تدعي أنها غير معروفة. الصحافة الثقافية ومنها الأدبية والفكرية والفلسفية والتشكيلية والمسرحية الدرامية وغيرها هي لا يمكن وجودها باعتبارها صحافة متخصصة إلا بوجود جمهور/متلق، ومنتج ثقافي يعرف واجبه. إن الصحافة في الجزائر كائن متأزم لعدة أسباب ليس هنا المجال المناسب لتشريحها. إن هذه النظرة السريعة لا تؤدي إلا شذرات من أفكار كثيرة في الموضوع، لكنني لا أقلل من شأن محاولات الكثيرين بعث مشاريع صفحات ثقافية في أكثر من مرة منها ما استمر ومنها ما ولد ميتا ومنها ما يتذبذب، في كل ذلك يبقى الناشر المتواضع شريكا في فشل الصحافة إلى جانب أيدي الخفاء المعلومة. * نبيلة سنجاق الصحفي الثقافي يمتاز بالاجتهاد لكنه لا يحظى بنفس امتيازات المشتغلين في الصفحات الأخرى يكثر اللوم على الصفحات الثقافية كلما تناول أحدهم الحديث عنها، وعن أدائها في مجال الإبداع الثقافي والفني. وأول من يُشار إليه بالبنان هو الصحفي العامل في هذا الجزء من الجريدة، أقول –عامل- لأنه لا يختلف عن باقي الصحفيين في الأقسام الأخرى، بفارق بسيط فقط أنه لا يحظى بنفس امتيازات المؤسسة الإعلامية كما هو الشأن بالنسبة للصفحات ذات المضمون السياسي أو الإقتصادي أو الرياضي. "الصحفي الثقافي" إن جاز وصفه بذلك، يأتي إلى الصفحة الثقافية بدون سلاح، يوضع في غمار المعركة وهو لا يفقه الفرق بين القصة والرواية، وبين الشعر العمودي والحر، ولا يعرف كيف يتابع فيلما سينمائيا فيقرأ مضمونه وشكله سوى أن يعيد كتابة ملخص السيناريو المرفق في أحسن الأحوال. القائمين على رئاسة تحرير هذه الجريدة أو تلك، لا يبالون بمستوى أداء الصحفي الثقافي، لا يهتمون إن كان يحسن الكتابة أو التحليل أو النقد أو التمحيص. وهو ما يجعل "القلم الثقافي" أمام أمر الواقع، يحتك بتجارب ميدانية، لا يعرف قدر الصحيح منه من الخطأ. هذه الحالة من "السباحة" في كل شيء واللاشيء، تجعل من الصفحة الثقافية، مساحة تتكرر في أكثر من جريدة، بدليل أنكِ عندما تتصفحين اليوميات تشعرين بالتشابه، وقد قال أحدهم أن التشابه نقمة. كثر الحديث في السنوات الأخيرة، وتكرر كثيرا أيضا، عن الملاحق الثقافية ودور الإعلامي في الترويج للمنتج الإبداعي بمختلف أشكاله وأنواعه. وهنا ما زلنا نخلط في نظري بين العمل الصحفي الإعلامي القاضي بنقل الخبر، وبين المستوى الآخر من تناول المادة الإعلامية، من حيث التعليق والتنويه والنقد والتحليل. كما لا تراهن الجرائد على الملاحق لأنها بغير فائدة تجارية في نظر المالكين، فشتان بين ملحق للسيارات أو حتى صفحة للطبخ وبين دفتر أو كراسة تجمع عصارة أفكار روائيين وشعراء وتشكيليين ونُقاد. وهنا على الصحيفة أن تحدد توجهها الفكري والأدائي، أي جمهور تستهدف بالدرجة الأولى. وقد لاحظنا يوميات تقول أنها "الأولى قاريا" ألغت الصفحة الثقافية لشهور طويلة، قبل أن تحولها إلى كشك للفضائح والإشاعات. رغم كل العيوب المتراكمة على ظهر الصحفي الثقافي، إلا أنه يمتاز بالاجتهاد والحضور في كل الفعاليات الثقافية والفنية. ملبيا حاجة جريدته اليومية في مادة متواترة وغير منقطعة، ما قد يصيبه بالهلاك ويدخله دائرة الملل والفتور، ويحوله إلى "آلة" تكتب بدون شعور. * الدكتور عمر عيلان الصحافة الثقافية تراجعت كما تراجع النشاط الثقافي الصحافة الثقافية أو بتعبير أعم الإعلام الثقافي، مؤسسة تتفاعل ضمن الفعاليات الاجتماعية المتعددة ولا يمكن فصل الإعلام والصحافة الثقافية عن جملة من الميكانيزمات التي تسهم قي بلورة بنية ثقافية مجتمعية متعددة الأبعاد والآفاق. إنها تعكس بصورة أساسية حاجة المجتمع إلى المعرفة بمكونات المجال الثقافي الذي يجعل الصحافة والاعلام الثقافي حساسا لهذه المتطلبات والاحتياجات، المعبر عنها من خلال خلق الفضاءات المتنوعة في الأدب والمسرح والسينما والموسيقى والنحت والأنواع الأخرى من التعابير الجمالية كالرقص و الأوبيريت وغيرها من الفنون. ونظرا لغياب هذه الفعاليات الثقافية في المجتمع فإن الدور الذي يؤديه الاعلام الثقافي تراجع دوره وانحسر وأفسح المجال لفعاليات أخرى منها الرياضة على وجه العموم ورياضة كرة القدم على وجه الخصوص.. لذا فإنا لا نكاد نجد في أكبر اليوميات الجزائرية انتشارا فضاء للثقافة على صفحاتها في مقابل صفحات ثابتة خاصة بالرياضة أو الصفحة الخاصة بالفتاوى الدينية أو الصفحات التي تتناول الحوادث الاجتماعية. دون أن ننسى الصفحات الاشهارية التي قد تستنفذ أحيانا أكثر من نصف صفحات الجريدة ومرد ذلك أن الصحافة الجزائرية منفعلة بالواقع الاجتماعي ثقافيا ولا تسعى لتجاوز منطق الفائدة والربح الآني.ولعل التجربة الوحيدة التي كانت في مجال الصحافة الثقافية هي تجربة "مجلة جسور" الصادرة بقسنطينة مع بداية الانفتاح الإعلامي للصحافة وأدارها محمد زتيلي والمرحوم مصطفى نطور لكن سرعان ما تراجع صدورها وتوقفت لغياب الدعم. باستثناء ذلك لم نجد بعدها ظهور إعلام ثقافي متخصص في السينما أو المسرح أو الفنون الأخرى. ولعل اللائمة لا تلقى على الاعلاميين بقدر ما تتقاسمها أطراف متعددة منها المؤسسات الرسمية للدولة ومنها الهيئات والجمعيات الثقافية للمجتمع المدني، ومنها المؤسسات التربوية والجامعية التي لم تؤسس للفعل الثقافي في فضاءاتها. لأن الاعلام يلبي حاجة مجتمعية ، وبقدر ما تكون الحاجة في المجتمع ينشط الإعلام . وللأسف فإن المجتمع الجزائري لا تهمه الحياة الثقافية بدرجة كبيرة إلا في محيط محدود بالمهتمين بالفعل الثقافي بصورة مباشرة. فلا نشاط مسرحي ولا سينمائي ولا موسيقي ولا ما يمت بصلة إلى الاهتمام الثقافي.كما أن ظاهرة العزوف عن القراءة الثقافية أو المطالعة جعلت الفعل الثقافي ينراجع في الجزائر. هذه الملاحظات لا يجب أن تلغي الجهود التي تبذلها بعض اليوميات لإبقاء الحضور الثقافي قي واجهة الأحداث مثل ماتقدمه جريدة النصر عبر ملحقها الأدبي أو ما قامت به جريدة الأحرار أو جريدة الفجر.أو الجهود الفردية للبعض الكتاب والأدباء عبر إنشاء مدونات أو مواقع ثقافية غبر شبكة الانترنت. أو بعض الحصص الثقافية في التلفزيون أو القناة الثقافية للإذاعة الجزائرية التي لم تتمكن في إطار الفضاء والأثير المفتوح من مواجهة السيل الثقافي المتتالي. والخلاصة التي يمكن أن نقدمها بشأن الإعلام والصحافة الثقافية، هو ضرورة إيلاء أهمية خاصمة من طرف المؤسسات الاعلامية للفعل الثقافي ونشره على نطاق واسع لجذب اهتمام الفعاليات الاجتماعية لتداول المنتوج الثقافي والتفاعل معه