إعطاء صورة أكبر للنظام متعددة الأقطاب في خطاب تاريخي ألقاه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال الدورة العادية 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا العالم إلى ضرورة التفكير بجدية في إعادة إرساء نظام دولي جديد يعترف بضرورة تحقيق التمثيل العادل للدول في مجلس الأمن. بصراحة لا تدع مجالًا للتأويل، أشار الرئيس تبون إلى الظلم التاريخي الذي تعرضت له إفريقيا، كونها القارة الوحيدة التي لا تمتلك ممثلًا دائمًا في مجلس الأمن. وفي سياق حديثه، أكد رئيس الجمهورية أن هذه المطالب الشرعية التي تعبر عن رغبة وإرادة العديد من الدول في العالم، نادت بها من قبل الجزائر قبل نصف قرن. بالإضافة إلى ذلك، أشار رئيس الجمهورية إلى تفاقم النزاعات المتعددة والصراعات الجيو سياسية في العالم، والتي أثرت بشكل كبير على الاستقرار والأمن الدولي. هذه التوترات أثرت أيضًا على مستوى التنسيق والتعاون بين الدول، مما زاد من حدة الانقسامات. في هذا السياق، يشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور عبد القادر منصوري، إلى أن خطاب الرئيس تبون كان عمليًا واشتمل على عدة نقاط ذات أهمية بالنسبة للجزائر ومحيطها الجغرافي الواسع، سواء في إفريقيا والمنطقة العربية. ولاسيما أنه أشار إلى القضايا المتعلقة بليبيا وفلسطين، والنيجر والسودان، بالإضافة إلى الأزمة الأوكرانية، باعتبارها أزمة دولية. وفيما يتعلق بالنزاعات، حمل الخطاب رسالة قوية بضرورة حل النزاعات من جذورها، بدلاً من إدارتها لخدمة مصالح جهات معنية. كما نبه إلى ضرورة التحلي بالحذر من التدخلات العسكرية لحل الأزمات، حيث أظهرت التجارب السابقة فشلها، وأشار إلى أن الدول التي تتبنى مثل هذه السياسات معروفة، وخاصة في إفريقيا. ويضيف الدكتور منصوري، أن رئيس الجمهورية في خطابه قد عبّر عن التوجهات الكبرى للدبلوماسية الجزائرية، ولاسيما فيما يتعلق بمسألة الوساطة وحل النزاعات بالطرق السلمية. من النقاط الهامة التي تطرق إليها رئيس الجمهورية في كلمته من على منبر الأممالمتحدة، استعداد الجزائر للقيام بدور محوري في إرساء السلم والأمن العالميين، لاسيما في محيطها الجغرافي عربيا وإفريقيا. كما توجه رئيس الجمهورية بالشكر للدول التي صوتت لصالح الجزائر وعددها 184 دولة، ما يعكس الاحترام الذي تحظى به الجزائر في المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، دعا رئيس الجمهورية إلى ضرورة إيلاء أولوية أكبر لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب. وذلك من خلال إجراء إصلاحات شاملة في الهياكل الرئيسية لمنظمة الأممالمتحدة، بهدف جعلها أكثر شفافية وديمقراطية في التعامل مع القضايا الدولية واتخاذ القرارات داخل المنظمة. وشدد السيد الرئيس على أهمية تعزيز الدور المركزي للجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتبارها الهيئة الوحيدة التي تعكس بصدق تنوع مكونات المجموعة الدولية، والتي تؤدي دورًا أساسيًا في تعزيز المساواة بين الدول وتحقيق توزيع وتمثيل عادل داخل هذا النظام الأممي. ويظهر خطاب رئيس الجمهورية في الأممالمتحدة، كمساهمة قيّمة للحوار الدولي وتعزيز الفهم المشترك للتحديات العالمية، وتأسيس نظام دولي جديد يعكس التمثيل العادل للدول في مجلس الأمن وهو هدف ضروري للعمل نحو السلام والاستقرار العالميين. والجزائر، بدورها، تتعهد بأن تكون شريكًا مخلصًا في جهود بناء هذا النظام الجديد متعدد الأقطاب. ومن المهم إدراك أن التحديات العالمية تتطلب تعاونًا دوليًا فعّالًا وتقديم حل شامل للنزاعات والأزمات. ما يستوجب على المجتمع الدولي أن يتعاون في سبيل تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وأن يتحلى بالحكمة والدبلوماسية في التعامل مع التوترات الجيو سياسية والأزمات الإنسانية.