أمام هذا الصلف الصهيوني العنصري برفض الإفراج المبكر عن المناضل الأسير وليد دقة، والذي أكمل حكمه في آذار 2023، ويعاني من مرض تليف النخاع وهو نوع نادر من السرطان ويزداد وضعه الصحي سوءا، وأمام فشل كل الجهود القانونية في إنقاذ وليد الذي مورس بحقه إجراء تعسفيا مستهجنا باضافة عامين على حكمه الأصلي بحجة تهريب هاتف خلوي الى السجن، وقفت طفلته الجميلة ميلاد ابنة الثلاث سنوات والتي خلقت بنطفة مهربة امام البحر والناس والشعوب والأمم وخاطبت والدها والدموع تغمر وجهها البريء: بابا وليد خليك قوي . إن قوى الشر والاستعمار والفاشية تحالفت على الأسير وليد دقة : الجدران والاسمنت والقمع والقوانين الانتقامية، تجمعت كلها لتشكل حائطا سميكا مسلحا ومصفحا لمنع الافراج عن وليد وتركه يذوب في مرضه رويدا رويدا، وقد رأت ميلاد كل اجهزة الحكومة الصهيونية من جيش ومخابرات وقضاة ووزراء وبرلمانيين وأطباء وسجانين يشكلون سدا منيعا أمام كل المطالبات والنداءات التي تدعو بالإفراج عن وليد وإنقاذ حياته وحياة المئات من الاسرى المرضى الغارقين في اوجاعهم والامهم يتربص الموت بهم ويفترسهم واحدا واحدا . بابا وليد خليك قوي، لم يبق إلا قوتك الروحية والنفسية والعقلية للمواجهة والصمود والاحتمال، لقد دخلت السجن قويا فدائيا، وبقيت قويا خلف القضبان، وقوتك هذه سببت كل هذا الاستنفار والتحشيد الأمني والعسكري والقانوني الصهيوني ضدك، لاحقوك وعذبوك في السجن وخارج السجن، طاردوا كتاباتك واقلامك وصوتك الحي، شنو حربا على رجل يحاربهم بانسانيته وأفكاره ويوجعهم ويؤرقهم بسؤال الضحية . بابا وليد خليك قوي، ذاكرتك هي ذاكرة البحر المتوسط، المدن والخرب والقرى والسفن والقمح والناس منذ آلاف السنين، تنتصر للتاريخ والمهمشين والضائعين والمعذبين واللاجئين صمودا وثقافة وزمانا ومكانا، وستعيش بقدرة جبال الكرمل وعكا وحيفا وغزة والقدس، هي عجينة الدمع والتراب والمطر، هي هويتنا القومية التي تحميها يد ارضية ويد سماوية . بابا وليد خليك قوي، حضورك في الوعي حطم الاليف المتكرر والدائرة، قلت لنا : يجب ان نكون واضحين مشتعلين مع براكيننا الداخلية، وحينها سألت كل مثقفي العالم عن الفلسطيني الذي يكتب على وقع مذابح دامية في جنين ونابلس واريحا، وفي كل شارع وحارة، وأينما تحرك قلمك ونبض قلبك في مختلف الاتجاهات والامكنة . بابا وليد خليك قوي، انت الذي قلت إن الحياة لا تستحق كل هذا التعب ان تعاش إلا اذا كانت حرة، حرية أو لا شيء، وجعك هو وجع التاريخ المسروق من قبل الغزاة عندما اخترعوا بلدا فوق جماجمها بأساطير وهمية . بابا وليد خليك قوي، نصوصك الوعرة لم يستطيعوا إلقاء القبض عليها، فمنذ اعتقالك وانت في حركية دائمة، استطعت أن تنجو من صدأ الابواب والنوافذ الموصدة، تنفست اكثر مما تنفس الطلقاء، فأنت المحارب الشرعي للغة والنطفة والريشة والاغنية . بابا وليد خليك قوي، المجتمع الدولي يعرف أن هناك جرائم ترتكب في السجون هي جرائم طبية ممنهجة ومتعمدة، السجون تحولت الى مقابر حجرية ومكان متوحش للنسيان وصهر الذاكرة، والعجيب العجيب يا والدي أنك الوحيد الذي لم يكتب عن المأساة والموت، كأن الموت غير موجود، ولا زالت رغم وضعك الصحي الخطير مشغولا بتحريرنا وتحرير المستقبل الذي قلت عنه بأنه أكبر سجين في العالم، دائما تزرع الوردة على السياج الشائك، السجن وهم لا يقدر أن يحتجز الأرواح الثائرة . بابا وليد خليك قوي، في جعبتك خيارات اخرى حتى في الظروف المستحيلة، فوجود الالاف من الأسرى بعضهم منذ أربعة عقود هو فشل في مسيرتنا النضالية، لذلك لجأت إلى حكاياتك الثلاثية : سر الزيت، سر السيف، سر الطيف، رؤية أخرى تفتح خيارات جديدة للتحرر بعيدا عن السجن، خيارات للأجيال المقبلة، التفكير بالاستراتيجيات البديلة، هدم السور من العقل والذات، إنتاج معرفة علمية تحررية وأساليب كفيلة أن توقظنا من تحت كل هذا الركام والصدمات المتراكمة . بابا وليد خليك قوي، يوجعك الانقسام الفلسطيني الفلسطيني أكثر مما يوجعك السجن، هكذا كتبت لكافة القوى السياسية الفلسطينية، وقلت لهم : من الصعب على التحرري أن يتنازل عن الوحدة والبندقية، إذا لم يدرك أن الحرية قيمة سيكون من السهل عليه في أول نقاش مع شركائه من القوى السياسية أن يوجه البندقية نحو الداخل، تمسكوا أيها الناس بالقيم العميقة الاصيلة، لا حسابات فردية وحزبية، ان قيما استهلاكية يولدها الزمن بسرعة الضوء تزول بسرعة الضوء أيضا . بابا وليد خليك قوي، اعرف انك يا أبي تنزف ويزداد وضعك صعوبة، نزيفك يزداد كلما زادت سنوات السجن والغياب، لم يأت احد ليدق على الباب ويسأل عن المهجورين في تلك الحجرات المظلمة، الذي ينزف ليس جسدك وانما عقارب الزمن الحادة التي تنخر الأرواح المنسية، فحطموا أيها الناس هذا الفاصل الزجاجي بينكم وبين أبنائكم الأسرى، أضيئوا العتمة لتروننا، ففي كل العالم هناك دول وحكومات لها أسرى الا نحن، اسرى لنا وزارة في حكومة ليس لها دولة . بابا وليد خليك قوي، لانك علمتني ان الحلم قوة، وانك ستظل تحلم رغم مرارة الواقع، ها هي دولة نووية صهيونية حاربتني وأصبحت خطرا على أمنها وجزءا في تقاريرها الاستخبارية ومرافعاتها القضائية قبل أن أولد، فكم يخافون من افكارك يا والدي، فكيف عندما أصبحت الفكرة حقيقة واقعية ؟ بابا وليد خليك قوي، صوتك جغرافيا ممتدة وأراضٍ مزروعة، لهذا اراك تتقدم الى الامام سياسيا وادراكيا عندما تقول : لا اريد العودة الى فلسطين الماضي، فلسطين الانتدابية حيث الصبار والرمان وطواحين الماء والعواطف الرومانسية، لأنها ببساطة غير موجودة الا في الذاكرة، انا اريد العودة الى فلسطين المستقبل والتي لا بد أن تتطابق فيها الهوية الوطنية الجامعة مع جغرافيا الوطن الكامل . بابا وليد خليك قوي، كنت مع والدتي يوم 10 تموز 2023 في جنيف، شاركنا في ندوة على هامش الدورة ال53 لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، وبمشاركة الكثيرين من المؤسسات الحقوقية الدولية والمقررة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، سافرنا إلى هناك بعد ان نظم مركز بديل، المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين هذا اللقاء، تأملنا أن نجد هناك من يخترق المحظورات الأمنية الصهيونية، ويفتح الباب على العدالة الانسانية لاراك واحضنك وأشعر بأهمية الحماية الدولية للضحايا الواقعين تحت نير الاستعمار . في جنيف اتخذوا قرارات مهمة، وقالوا ان اجراءات الاحتلال ضد وليد تشكل انتهاكا تعسفيا وتمييزا وسوء معاملة، وان الممارسات اللا انسانية بحق وليد والاسرى المرضى قد ترقى الى مستوى جرائم دولية تستلزم المحاسبة عليها بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية، ودعت اكثر من 60 دولة الى اطلاق سراح وليد دقة وغيره من الفلسطينيين المعتقلين تعسفيا وخاصة الذين يعانون من مشاكل صحية، ما زلت يا ابي انتظر ان تطبق هذه القرارات والتوجهات الدولية، انتظر ان تبتسم امي سناء عندما تعود الى البيت حرا سالما وبعافية . بابا وليد خليك قوي، رغم مرور كل هذا الزمن الثقيل لا زلت تملك الابتسامة والامل، لا زلت تحمل كل المشاعر والاحاسيس النبيلة، وهذا سر قوتك وعظمتك يا أبي، فالاحساس بالناس وبالوطن وبألم البشرية هو جوهر الحضارة البشرية .