«حياتك الشخصية ليست محط أنظار واهتمام الناس الآن، إذا أنت إنسان انشر عن فلسطين"؛ "هذا الوقت للتضامن المجتمعي الكامل، وليس للتباهي ونشر كل ما يتعلق بتفاصيل يومك!"، "تخلى عن محتواك الخاص، وخليك قريب أكثر من فلسطين والتركيز على المجازر التي تعانيها!". عبارات وغيرها نشرها مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي فيها دعوات للتخلي عن المحتوى الشخصي، والتركيز على نشر ما يجري في فلسطين وعدوان الكيان الصهيوني في غزة. "لم يعد هناك وقت لمشاهدة المحتوى الترفيهي" توجُه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بات مختلفاً عما كان عليه في السابق، فلم يعد هناك وقت لمشاهدة المحتوى الترفيهي، بينما يشهد العالم العربي أزمة إنسانية مريرة في فلسطين. وأصبحت يوميات المشاهير ومقاطع المقالب المضحكة وطرق إعداد الأطباق الشهية و«السكاتشات الاجتماعية"، تبدو "مقيتة" للغاية في ظل المآسي التي تعيشها فلسطين. أمينة تقول، إنها اعتادت أن تجلس لوقت طويل تتابع كل تحديثات الانستغرام، وتجد المتعة في متابعة المشاهير يومياً، لكن ومع الأحداث الأخيرة في فلسطين، لم تعد قادرة حتى على مشاهدة مقطع ترفيهي لثوان قليلة. وأضافت "في الوقت الذي تنتشر فيه صور لأطفال وعائلات قضت تحت الركام بالكامل، كيف لي أن أتوازن نفسياً أو أن أتقبل أحداً يقدم محتوى لا يخدم القضية؟" فما يجري في فلسطين هو أزمة إنسانية حقيقية، لذلك تحرص على متابعة ما يجري هناك، والتعبير عن تضامنها بشتى الطرق. وتقول إنها أقدمت على إلغاء متابعة الكثيرين من مشاهير ومؤثرين عرب، ممن لم يستثمروا صفحاتهم ومئات الآلاف من المتابعين لديهم من كل دول العالم، ببث ما يتوجب عن المجازر الحاصلة في غزة والتحدث عن الأزمة الإنسانية في فلسطين. ومنذ انطلاق أحداث "طوفان الأقصى"، وما تبعها بعد ذلك من أحداث "دامية في غزة"، كان هنالك دعوات إلى وقفة إلكترونية كبيرة جداً من قِبل المؤثرين، حيث كان لزاماً عليهم أن يقفوا بجانب الشعب المكلوم في غزة والحديث عن تلك المجازر التي تحدث كل يوم، فتلك مسؤولية أخلاقية وإنسانية. ولمس متابعون لمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، مدى التغيير الذي طال المحتوى لعدد من صُناع المحتوى أو "المؤثرين"، وبمضمون مختلف، كأن يتعمد الشباب الذين كانوا يقدمون المحتوى الكوميدي و«السكاتشات" القصيرة، لتقديم محتوى توعوي بالقضية وما يحدث في فلسطين وقطاع غزة تحديداً. صحفيون من مؤسسات عمومية وخاصة ومواقع إخبارية عربية وعالمية، مراسلون وبعيداً عن عملهم في المجال، قرروا تغيير المحتوى واستبداله بقصص منشورة حول أحداث غزة، ونقل معاناة الآلاف وتبادل الأخبار ونقلها لزملاء لهم في دول أوروبا ليكونوا عوناً للقضية حتى في محتواهم الشخصي. حميدة، تتقن اللغة الإنجليزية بطلاقة، لذا كانت تبث المحتوى باللغتين، وإيصال صوتها الذي يحمل هموم المنكوبين في غزة إلى الملايين في العالم، ومحاولتها للتصدي للكثير من الأخبار الزائفة، عدا عن أنها تبين الكثير من التزييف الذي تبثه منصات التواصل المتعاطفة مع الاحتلال، وتنشر روابط لمواقع تقوم بالدعم والمساعدة بكافة أشكالها "للغزيين". وعلى الرغم من أن حسابها عبر الانستغرام تعرض للتعطيل، إلا أنها ما تزال مستمرة في نشر المعلومات الصحيحة المبنية على مصادر حقيقية وموثقة، وتدعو إلى تكثيف تلك المعلومات والدعم والمساندة، وهي الآن متوقفة تماماً عن بث أي محتوى آخر يتعلق بعملها الخاص، وتستغل الأعداد الكبيرة من المتابعين لنشر الحقيقة. وفي هذه الفترة، لا يمكن للمتابعين أن يتفاجأوا بأن صفحاتهم المفضلة لكل جوانب الحياة باتت جميعها تتحدث عن غزة، وما يدور بها من أحداث. ويذهب نشطاء إلى ضرورة التحوّل الكامل في هذا الوقت، وبث الصور والفيديوهات بما يوثق المجازر الحاصلة في غزة، وما تعيشه العائلات هنالك، فوجود مئات الآلاف من المتابعين لهم من مختلف دول العالم قد يكون كفيلاً بإيصال الرسالة لهم وحجم المعاناة، و«للمتابع حق المتابعة والتعبير والرد". لا يمكن حصر الحديث عن آلاف المؤثرين، وملايين المتابعين لهم، ولكن الحقيقة التي بات يتبعها الكثير هي "إلغاء متابعة لكل من لا يتعاطف أو ينشر عن الأحداث الجارية"، بل وإرسال انتقادات وبلاغات لكل من ينشر محتوى "كالمعتاد" من دون التطرق لأحداث غزة، وخاصة من مشاهير العالم، والعرب منهم بشكل خاص. العالم الافتراضي هو انعكاس للعالم الحقيقي، وحراك مجتمعي يمكن التجوال به ب "كبسة زر"، لذلك يرى المختصون أن الفضاء الإلكتروني يلعب دورًا مهما في نقل المعلومات وتوجيه الانتباه إلى قضية غزة كنقل الأخبار، وهذا يساهم في توفير المعلومات للجمهور العالمي. محاربة الاخبار الزائفة يقول إبراهيم إن النشر على منصات التواصل الاجتماعي يسمح للأفراد والجماعات بتسليط الضوء على القضية الفلسطينية وزيادة الوعي حولها، ويمكن للحملات والوسوم المرتبطة بهذه القضية أن تنتشر بسرعة كبيرة، ويمكن للأفراد والمنظمات استخدام هذه المنصات لجمع التبرعات وتقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين في غزة وتشكيل قوة من الضغط والتأثير على القرارات السياسية عبر تبني مواقف معينة. ومع ذلك، يؤكد إبراهيم أنه يجب مراعاة أن هناك تحديات تتعلق بانتشار الأخبار الزائفة والتضليل فيما يتعلق بما يحدث في غزة، لذلك يجب على الأفراد أن يكونوا حذرين ويتحققوا من مصداقية المعلومات التي يتلقونها. ولا يمكن إخفاء دور المؤسسات الإنسانية، وفق إبراهيم، حيث إن العديد من المؤسسات والمنظمات الإنسانية التي تسعى لتقديم المساعدة الإنسانية والدعم لسكان غزة، لها منصات يمكن أن تبث من خلالها الصورة الحقيقية وتكون مؤثرة بشكل واضح، بالإضافة إلى وسائل الإعلام على اختلافها، والتي تلعب دورًا في نقل الأحداث والتقارير عما يحدث في غزة، وتوجيه الانتباه العالمي إليها. وحسب إبراهيم هنالك أهمية للدور الكبير الذي يلعبه النشطاء والمؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي، من أفراد ومجموعات، من حيث توجيه الانتباه وتسليط الضوء على ما يجري والدعوة إلى التغيير، ويجب مراعاة أن هذه الأطراف قد تلعب أدوارًا متنوعة، بعضها يؤثر إيجابيًا بجهود لحل الصراع وتقديم المساعدة الإنسانية، في حين يمكن أن تكون هناك أيضًا توترات وصدامات بين هذه الأطراف، وعلى المتابعين أن يتحروا الدقة في نقل الأخبار.