سلوكات دخيلة على مُجتمعنا، وتصرّفات غير أخلاقيّة، توثقها مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر.. حين أصبح "اليوتيوب" ملاذا لبعض الشواذ، وبات "الإنستغرام" ساحة حرب بين مشاهير الغناء والتمثيل، تحت شعار "سبني وانسبّك.. أفضحني ونفضحك".. وتسابق بعض النساء المشهورات إلكترونيا، إلى كشف حياتهن الشخصية، تحت شعار "ورّيلي راجلك ونوريلك راجلي"، بحثا عن مُتابعات ومشاهدات تدرّ الملايين. ما هو المحتوى الذي يقدمه مشاهير "السوشل ميديا" الجزائريون، أو ما هو الأثر الإيجابي الذي يتركه "الأنفلونس" في مجتمعنا، مقارنة بنظرائهم العرب أو الغربييّن… سؤال مُهم وجب طرحه ومناقشة أبعاده، في ظلّ التجاوزات الخطيرة والسلوكات غير الأخلاقية، المنتشرة عبر مختلف المنصات الإلكترونية ببلادنا. وماذا يقدم هؤلاء لملايين المتابعين المراهقين؟ غالبية المؤثرين الجزائريين إلاّ من رحم ربك، همّهم من استعمال "السوشل ميديا" هو جمع متابعات ومشاهدات بالملايين، لغرض كسب أموال من شركات مُعلنة ومن مؤسسة "يوتيوب" بالخصوص، ولذلك نجدهم يستعملون جميع الطرق المباحة وغير المباحة لزيادة نسبة مشاهداتهم. فمن استعراض الأجساد والملابس الجريئة والحياة الشخصية، وإظهار الأزواج في وضعيات غير لائقة، وكشف الحياة الشخصية للأطفال.. وفي حال فشل كل ذلك، يختار البعض التوجه إلى سلوكات أكثر انحرافا، وهو ما امتهنته قلة من النساء الجزائريات مؤخرا، خاصة المقيمات بالخارج، لكسب المال، فيعرضن أدق تفاصيل حياتهن الشخصية، مع استعمال كلام وقح وبذيء وغير أخلاقي. أو يقمن بمهاجمة شخصيات جزائرية معروفة، لإثارة الجدل وخلق الفتنة، وكسب متابعات لقنواتهن على "اليوتيوب". ملايين المشاهدات مقابل مئات الملايين في الجيوب والمحتوى لا يهم أما الظاهرة الدخيلة، التي كان مسكوتا عنها سابقا، وبقيت طيّ الكتمان خوفا من رد فعل المجتمع، لكنها ظهرت إلى العلن وبقوة مؤخرا، في ظل غياب أي رادع أو رقيب، فهي ظاهرة خروج شواذ ومتحولين جنسيا جزائريين إلى العلن، عبر إطلاق قنوات خاصة بهم، وحسابات على "الإنستغرام"، يستعرضون فيها حياتهم الشخصية التي تتعارض مع تعاليم ديننا وقيم مجتمعنا، وكلامهم عبارة عن سب وشتم وفضح لأعراض أسر جزائرية.. والغريب، أن هؤلاء يتابعهم ملايين من الشباب الجزائري. آخر الخرجات التي تعرفها منصة "الإنستغرام"، وخلّفت حالة جدل وذهول، وتحولت إلى مسلسل يتابعه آلاف الجزائريين يوميا، هي ظهور حروب بين بعض الفنانين والممثلين، نساء ورجالا، إلى العلن، فصاروا يتسابقون في كشف أسرار بعضهم، والحديث في الأعراض والأخلاق، عبر فيديوهات ينشرونها، بدل الحديث عن أعمالهم الفنية.. وهي الظاهرة التي استفزت وجوها فنية، مطالبة بوضع حدّ لهذه المهازل والفضائح. مُغنو "الكباريهات" يكتسحون الإنترنت بعد غلق الملاهي وأماكن السهر.. أما مغنو "الكباريهات"، بعد غلق جميع الملاهي وأماكن السهر، بسبب جائحة كورونا، فتوجهوا نحو مواقع التواصل الاجتماعي، للترويج لأغانيهم، فأصبحت مُتاحة للجميع. والسؤال المطروح: ألا يمكن متابعة المتسببين في مثل هذه الفضائح قانونيا، في ظل ما يروجون له من فساد الأخلاق وتدمير عقول الشباب؟ فمثلا في مصر، ورغم تاريخها العريق في الفن، ولكن سلطاتها القضائية لا تتسامح مع ظواهر نشر الرذيلة وسوء الأخلاق إلكترونيا، وكان آخرها إلقاء القبض على عارضة أزياء مصرية، قامت بجلسات تصوير قرب الأهرام وبلباس تم اعتباره به "عارية"، وقبلها تم الزجّ بأكثر من خمس فتيات من مشاهير "السوشل ميديا"، وغالبيتهن محجبات، وتُهمتهن هي القيام بحركات مخلة والتحريض على الفسق. كما يجرم هنالك إظهار الوالدين، الحياة الشخصية لأطفالهما على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة قد يُسحب الطفل من والديه. وجميع هذه القضايا حركها محامون، منتقدون لمثل هذه الظواهر. التبليغ الإلكتروني ضرورة وبإمكان النيابة العامة التحرك وفي الموضوع، اعتبر المحامي إبراهيم بهلولي، في تصريح مع "الشروق"، أنه من الناحية القانونية، لا تتحرك الشكوى في مختلف الجرائم الإلكترونية، خاصة ما تعلق بسب وقذف الأشخاص، إلاّ بعد تحرك الشخص المتضرر وتقييده شكوى، أما في السنوات الأخيرة، ونظرا إلى تطور الجريمة عبر الصفحات الإلكترونية، وخاصة إذا كانت جريمة تمس بالآداب والنظام العام "بات بإمكان النيابة العامة أن تتحرك من تلقاء نفسها، ضد الأشخاص المتورطين، ومع وجود معاهد مختصة في البحث بالجريمة الإلكترونية، فصار بالإمكان تثبيت الجريمة أو الوقائع قبل أن تمحى من طرف أصحابها". ويتأسف المختص لكون بلادنا لا تزال بعيدة عن عملية التبليغ الإلكتروني، عكس ما يحصل في بعض الدول العربية، وقال: "في مصر، يوجد محام يدعى نبيه الوحش، الذي يترصد لكل محاولات الإساءة إلى الآداب العامة، سواء عبر تصريحات مسيئة أم ملابس فاضحة، خاصة من طرف الفنانين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي المصريين، فيسارع إلى تقديم شكاوى ضدهم، وتأخذ القضايا مجراها في العدالة". الفيديوهات المثيرة للجدل تجمع ملايين المشاهدات في أيام فقط.. ومن جهته، حمّل "اليوتيوبر"، أنس تينا، في تصريح ل "الشروق"، مسؤولية "الشهرة التي بات يحظى بها بعض الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، الذين يقدمون محتوى تافها ومهدما للأخلاق، إلى الأشخاص الذين يتابعونهم، ونصّبوهم مشاهير من "العدم". وقال: "بعض الأغاني الهابطة، والفيديوهات غير الأخلاقية والمثيرة للجدل، تحصد ملايين المشاهدات والإعجابات في ظرف أيام، أما المحتويات القيمة أو الدينية مثلا، فمتابعوها قلة فقط". وأضاف: "مثلا، أنا، عندما كنت أسجل فيديوهات للترفيه والطرافة، فهي تحصد مشاهدات أكثر بكثير من الفيديوهات التي سجلتها حول الوطنية أو مسألة قيمية في المجتمع". وبالتالي، فالمتتبع أو المشاهد أو الجمهور هو من يمكنه، تخليص المجتمع من تفاهات وانحطاط بعض المؤثرين إلكترونيا، عن طريق إلغاء متابعتهم وتجاهلهم تماما، على حد قوله.