نشرت الباحثة آيات حمدان، من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، تحليلا للوضع في فلسطين، وسمته بعنوان "غزة حفرة من الجحيم: التطهير العرقي والتهجير في قطاع غزة"، وقالت فيه إنّ الكيان الصهيوني طلب في 13 أكتوبر المنصرم، من الأممالمتحدة "نقل ما يقرب من مليون فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى الجنوب خلال 24 ساعة. وفي الوقت نفسه، ألقى الطيران الصهيوني منشورات على شمال القطاع تدعو الفلسطينيين إلى الرحيل، وأطلق تهديدات بالقتل في حال بقائهم". وسجلت الباحثة أن الكيان الصهيوني واصل القصف، واستخدم فيه كميات هائلة من الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة المحرمة دوليا، مثل الفوسفور الأبيض، ما يُصنف على أنه جريمة حرب. قالت حمدان إنّ الكيان الصهيوني المدعوم غربيًا يرتكب في حربه على غزة "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وصفها عدد من الخبراء الدوليين بأنها عمليات إبادة جماعية"، وأضافت أن الكيان يقود هذه الحرب أمام العالم بحجة "الدفاع عن النفس"، متجاهلا 75 عاما من الاستعمار الاستيطاني والاحتلال والفصل العنصري والسياسات العقابية الجماعية ضد الشعب الفلسطيني بعامة، وضد سكان غزة على وجه الخصوص. وحذّرت الأممالمتحدة - تقول الباحثة - من مخطّطات تهجير الفلسطينيين داخل قطاع غزة وخارجه باتجاه مصر، وأصبحت قضية التهجير موضع نقاش جدي وتصريحات متكرّرة خصوصًا من الجانب المصري. الوضع الإنساني في غزّة يشهد قطاع غزة الذي يضم 2.2 مليون نسمة في منطقة جغرافية لا تتجاوز 365 كيلومترا مربعا، والذي يعتبر من أعلى المناطق السكانية كثافة في العالم (6,019) فردا/كم2، كارثة إنسانية مستمرّة ناجمة عن الاعتداءات الصهيونية المتكررة على القطاع، وسياسة الموت البطيء المعتمدة ضد السكان، والتي تكرّست من خلال الحصار الجوي والبحري والبري منذ أكثر من 16 عامًا. خاض الكيان خلالها خمس حروب معلنة ضد القطاع (2008، 2009، 2012، 2014، 2018، 2021، قتل فيها 5365، وجُرح 62953 ، وهجر الآلاف عن بيوتهم داخل القطاع، كما دمّر البنية التحتية ومنشآت الرعاية الصحية ودمر المساكن، إضافة إلى العديد من الهجمات المتفرقة ضد مسيرات العودة (2018-2019) والصيادين والمزارعين الفلسطينيين؛ ما حوّل القطاع - تقول حمدان - إلى "أكبر سجن في العالم، حيث منع الكيان الصهيوني خروج السكان منه والدخول إليه، كما مارس قيودا مشدّدة على دخول السلع والبضائع، ومواد البناء الأساسية مثل الحديد والإسمنت، الأمر الذي أثر في عملية إعادة الإعمار. وذكّرت الباحثة أنّ الأممالمتحدة كانت قد أعلنت أن قطاع غزة "غير قابل للحياة" بحلول عام 2020، وهذا ما تحقّق بالفعل بعد ثلاث سنوات من هذا الإعلان. غير أنّ الكيان - تواصل حمدان - يتعامل مع القطاع ك "مختبر" لأسلحته وتقنيات السيطرة والرقابة، ومنها الجدار المحيط به والذي يحتوي على التقنيات الأكثر تقدما من الناحيتين الأمنية والتكنولوجية"، يسعى الكيان إلى تصديرها. وتؤكّد آيات حمدان أنّ العنف الصهيوني أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل القطاع، وتقدّر أن معدل البطالة بلغ نحو 50 في المائة، في حين يعيش 83 في المائة من السكان تحت خط الفقر". وتشير الأممالمتحدة إلى أن 80 في المائة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية". أما فيما يتعلق بالأمن الغذائي، فإن نحو 73 في المائة من الغزاويين يعانون انعدام الأمن الغذائي، نتيجة الحصار المفروض والحروب المتكررة، حيث يفرض الكيان الصهيوني قيودا على دخول المواد الغذائية، بلغت درجة "اعتماد حد أدنى من السعرات الحرارية التي يسمح أن يتناولها الفلسطيني في غزة وفقا لسنه / وجنسه، وبالتالي احتساب عدد الشاحنات الغذائية التي يسمح بدخولها للقطاع". وترى آيات حمدان أن الحرب الجارية ضد القطاع منذ 7 أكتوبر، الأعنف من حيث كثافة العدوان وحجم الأسلحة المستخدمة فيها؛ حيث أدت إلى استشهاد 5087 بما في ذلك 2055 طفل، وأصيب 15273 بجراح مختلفة. ولم تسلم من القصف المدارس ولا المستشفيات، ولا دور العبادة الإسلامية والمسيحية. الوضع الصحي.. سجّلت باحثة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بأن القطاع الصحي في غزة يشهد حالة انهيار شاملة، جراء العنف البنيوي الناتج من سياسة الحصار، والحروب المتتالية التي شنها الكيان الصهيوني عليه. وأضافت أنّ الكيان عزّز عمليات العقاب الجماعي من قطع الكهرباء والماء، لتتفاقم أزمة القطاع الصحي ومشكلاته، وخصوصا غرف العناية المكثفة والأطفال الخدج، وغرف غسيل الكلى. وعلى هذا - تقول الباحثة - يشهد القطاع ضغطاً متتاليا يفوق قدرته على الاستيعاب، في ظل نقص المعدات والمستلزمات الطبية؛ إذ يتوفر فيه 35 مستشفى، ويصل إجمالي عدد الأسرة فيها إلى 3026 سرير، في حين يبلغ عدد الأطباء 6053 طبيب، و 10984 ممرض/ممرضة. أما عدد غرف العمليات فيصل إلى 89 غرفة تحتوي على 2943 سرير". ووصلت نسبة العجز في الأرصدة الدوائية، بداية عام 2021، إلى نحو 47 في المائة، وبلغت نحو 33 في المائة في المستهلكات الطبية". وقالت حمدان إنّ "استمرار عمليات القتل الممنهج خلال الحرب الحالية ضد سكان قطاع غزة، والارتفاع المستمر في أعداد الشهداء والجرحى، يفوق قدرات القطاع الصحي على الاستمرار، فقد شملت أوامر الإخلاء 23 مستشفى في غزة وشمال غزة، بسعة 2000 سرير، وغالبا ما تلحق هذه الأوامر عمليات قصف مباشرة، كما حدث في مجزرة المستشفى المعمداني التي أودت بحياة 500 من المرضى والجرحى والأطباء والمسعفين والممرضين وعائلات النازحين في ساحة المستشفى الذين نزحوا إليها طلبا للأمان". وسجّلت الباحثة أنّ المنشآت والطواقم الطبية تعرضت للاستهداف المباشر من قوات الاحتلال، حيث وثقت منظمة الصحة العالمية عديد الهجمات أدت ما أدى استشهاد كثير من العاملين الصحيين، وإلحاق أضرار أو تدمير المنشآت الصحية، كما خرجت أربعة من مستشفيات شمال غزة عن العمل بالكامل، وهي مستشفى بيت حانون ومستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية ومستشفى الكرامة التخصصي ومستشفى الدرة للأطفال. لا كهرباء ولا ماء ليست سياسة قطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة بجديدة - تقول حمدان - فقد مارسها الكيان الصهيوني خلال الحروب السابقة، وهي واحدة من أدواته للحصار، وترقى إلى جريمة حرب، كذلك يعد قطع المياه والكهرباء والغذاء خرقا لاتفاقية جنيف الرابعة وملحقاتها. وقد رافق عمليات العقاب الجماعي الجارية، خطاب صهيوني ينزع الإنسانية عن الفلسطينيين، ويعتبرهم "حيوانات". فعندما أعلن الكيان، في التاسع من أكتوبر 2023، قطع الإمدادات الأساسية، قال وزير الحرب الصهيوني يواف غالانت: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا ماء ولا طعام، إنّنا نقاتل حيوانات بشرية ونتصرّف وفقا لذلك". وسجّلت حمدان وجود مصدرين للكهرباء في غزة؛ هما شركة الكهرباء الصهيونية التي تزود القطاع بالكهرباء من خلال عشرة خطوط، ومحطة توليد الكهرباء داخل مدينة غزة، ومع ذلك، يعتبر الكيان الصهيوني مسؤولا عن إنتاج الكهرباء في القطاع، لأنه يسيطر على نقاط تزويد الكهرباء، ولأنه يتحكم بمحطة توليد الكهرباء الوحيدة داخله من خلال منع دخول الوقود المستخدم فيها، واستهدافها استهدافا مباشرًا خلال الحروب المستمرة، لتقييد وصول الكهرباء إلى الفلسطينيين. بدأت سياسة العقاب الجماعي في عام 2006، عندما دمّر الكيان محطة التوليد الوحيدة داخل القطاع فتوقفت عن العمل كليا، وأعيد إصلاحها جزئيًا في عام 2009، لكن ذلك لم يحلّ الأزمة، بل زادت ساعات قطع الكهرباء خلال عام 2010؛ إذ كانت تعمل المحطة بمولد واحد فقط. كما برزت أزمة الكهرباء في عام 2017 عندما قرّرت السلطة الفلسطينية في رام الله عدم دفع ثمن الكهرباء الذي يمد به الكيان قطاع غزة، والذي يشكل 30 في المائة من احتياجاته، الأمر الذي قلّص ساعات الحصول على الكهرباء إلى 6 ساعات. وذكرت حمدان أن الكيان الصهيوني منع دخول الوقود في عامي 2019 و2020، ما أثّر في إنتاج محطة الكهرباء داخل غزة، حيث توفّرت الكهرباء بين 4 و6 ساعات يوميا. في ظل هذا الوضع المتفاقم - تواصل حمدان - تأتي الحرب الجارية لتعزّز هذه الأزمة، وتعمّق أثر قطع التيار الكهربائي والوقود في المرافق الحيوية، لا سيما القطاع الصحي؛ ما يعرّض حياة آلاف الأشخاص داخل المستشفيات للخطر، فقد قطع الكيان الكهرباء عن قطاع غزة وعطل محطة توليد الكهرباء الوحيدة داخل القطاع ومنع دخول الوقود. وقد أشارت العديد من المؤسسات الدولية كمنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر إلى أنّ احتياطي الوقود يكفي في جميع مستشفيات غزة مدة 24 ساعة إضافية فقط. كذلك عزّز انقطاع الكهرباء والوقود من أزمة المياه، حيث توقّف عمل محطات تحلية المياه، والصرف الصحي والتي أصبحت تزيد من تلوث مياه البحر والحوض المائي الذي يمد القطاع بالمياه؛ إذ يستمد القطاع حصته من المياه من مصدرين أساسيين، الأول المياه الجوفية الساحلية. أما المصدر الثاني فمستمد من شركة المياه الصهيونية "ميكروت"، ويقدر إجمالي الكمية المزودة بنحو 6.4 ملايين متر مكعب. وقالت حمدان إنّ المصادر تشير إلى أنّ "أكثر من 97 % من كمية المياه التي يتم ضخها من الحوض الساحلي سنويا لا تتوافق نوعية المياه فيها مع معايير منظمة الصحة العالمية". ويعد تلوث المياه سببًا في ربع الحالات المعروفة من الأمراض في غزة، وأضافت أن معدل استهلاك الفرد بلغ 82.7 لترا في قطاع غزة في بداية عام 2023، وتصل نسبة المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من هذه الكمية إلى 21.3 لترا فقط في اليوم. في حين، انخفضت هذه النسبة، خلال الحرب الجارية، إلى أقل من لتر واحد في اليوم ومن مصادر ملوثة، وهو ما صرحت به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، في محاولة للفت نظر العالم إلى شدة المأساة؛ إذ قالت: "سيبدأ الناس بالموت بدون ماء". وذكرت حمدان أنّ الكيان الصهيوني دمّر 6 آبار مياه مع بداية الحرب، ثلاث محطات ضخ مياه، خزان مياه واحد، ومحطة تحلية واحدة تخدم أكثر من مليون ومائة ألف شخص. سياق التّهجير أكّدت الدكتورة آيات حمدان أنّ عمليات التطهير العرقي جارية في فلسطين منذ النكبة، وقالت إنّ هذه العمليات "تعتبر واحدة من الركائز الأساسية للمشروع الصهيوني"، وقد أكّدتها تصريحات الصهاينة في كل حرب يخوضونها ضد الفلسطينيين، حيث صرّح الرئيس الصهيوني، يتسحاك هرتسوغ قائلا: "هنالك أمة كاملة تتحمل المسؤولية [...] ليس صحيحًا القول إن المدنيين غير واعين للأمر". كما قال منسق أعمال الحكومة في الضفة الغربية، غسان عليان، في كلمة موجّهة بالعربية إلى سكان قطاع غزة: "حماس" تحولت لداعش، سكان غزة بدل أن يصدمهم ما قامت به حماس، يحتفلون، ومع وحوش بشرية كهذه سوف نتعامل بما يلزم..الكيان فرض الحصار الكامل على غزة ولن يكون لديكم مياه أو كهرباء، فقط دمار، أردتم جهنم، وسوف تحصلون على جهنم". وقالت حمدان إن هناك في الصهاينة من طالب صراحة ب "نكبة ثانية"، وهو ما تحقّق خلال القصف الوحشي تجاه المدنيين، وعبرت عنه كذلك المقررة الخاصة بالأممالمتحدة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة: "هناك خطر جسيم بأن ما نشهده اليوم يشكل تكرارا لنكبة عام 1948 ونكسة عام 1967، ولكن على نطاق أوسع (...) نفّذ الكيان - في الواقع - تطهيراً عرقيًا جماعيا للفلسطينيين بحجة الحرب، وهو يسعى باسم الدفاع عن النفس، إلى تبرير ما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي. يوجد اليوم نحو 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني موزعين في العالم، إضافة إلى 724 ألف نازح مهجر داخليا في الضفة وغزة، نتيجة لسياسات الاحتلال والفصل العنصري، ويوجد في غزة 1.7 مليون لاجئ، ونحو 3 آلاف ما زالوا نازحين جراء الحروب السابقة". وذكرت حمدان أن التهديد بالتهجير جاء متزامنا مع أنباء عن قرب عملية اجتياح بري لقطاع غزة؛ فقد وجه الكيان الصهيوني في 13 أكتوبر رسالة إلى ممثلي الأممالمتحدة في القطاع، بضرورة إخلاء منطقة شمال وادي غزة خلال 24 ساعة، وإبلاغ مليون فلسطيني بذلك والتوجه إلى جنوب القطاع، وكان هذا أيضًا فحوى المنشورات التي ألقاها الطيران الصهيوني على شمال غزة، مهددا بالقتل لمن لن يلتزموا بذلك، وعلى نحو مماثل طالب الناطق بلسان الجيش الصهيوني، دانييل هاغاري. وخلصت الدكتورة آيات حمدان إلى التأكيد على أنّ الكيان الصهيوني يسعى من خلال هذه الحرب، إلى تغيير قطاع غزة سكانيا وماديا، وذلك من خلال تركيز السكان في مناطق الجنوب وإفراغ الشمال، كما يسعى إلى زيادة الضغط على السكان بتركيزهم في مناطق مزدحمة سكانيا وتفتقر إلى الخدمات، حتى يضطرهم إلى ترك غزة واللجوء إلى سيناء، حيث تعاني مناطق جنوب وادي غزة دير البلح، خان يونس، رفح من ارتفاع معدلات الفقر وارتفاع معدلات البطالة.