دخل قانون المالية لسنة 2024 حيّز السريان عقب صدوره في الجريدة الرسمية مطلع العام الجاري، حاملا معه الكثير من التدابير الهامة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، بما فيها الزيادة الهامة في الأجور لدعم القدرة الشرائية، وطرح مزايا ضريبية تشجّع الإنتاج الوطني وتخفض تكلفته، وتصدر تشجيع الاستثمار جزءاً هاماً وأساسياً من تدابير أهم قانون سنوي، كما نصّ على الرقمنة وتبسيط الأداء الجبائي. ترجم قانون المالية الجديد إرادة الدولة الساهرة على استكمال مسار التنمية، وتوسيع إنجاز البنى التحتية وتجسيد الكثير من الاستثمارات والمشاريع الكبرى، المدرجة في إطار المعركة التنموية السارية بتوجيهات من رئيس الجمهورية. القدرة الشّرائية في صدارة الاهتمام ولعل أهم ما جاء به القانون من تدابير تشريعية فارقة، تندرج ضمن التزامات رئيس الجمهورية لدعم القدرة الشرائية المدرجة في صدارة الاهتمام واستكمال المشاريع المتوقفة، حيث تمّ رصد تخصيصات هي الأضخم منذ الاستقلال، قدّرت بنحو 15275.28 مليار دج، ويرتقب أن تصل الإيرادات 9105.3 مليار دينار، وارتكز إعداد هذه الميزانية باعتماد سعر مرجعي لبرميل النفط بما يناهز 60 دولاراً، بينما 70 دولارا كسعر سوق تقديري لبرميل النفط الخام. وتابع المتعاملون الاقتصاديّون بارتياح كبير واهتمام لكل ما تعلق بإجراء مهم وغير مسبوق، يحمل آثارا إيجابية على الصعيد الاقتصادي وكذا على ترقية القوة الشرائية، ويتعلق بالإعفاء المؤقت إلى غاية نهاية 2024 من الرسم على القيمة المضافة، ويسري ذلك على كل من مرحلتي الإنتاج والتسويق عن طريق تجارتي الجملة والتجزئة، بالنسبة إلى دجاج التسمين والديك الرومي وبيض الاستهلاك، وإلى جانب الفواكه والخضروات الطازجة، المنتجة محليا، ويضاف إليها الحبوب الجافة والأرز بما فيها المستوردة. وحظيت المقاولاتية والمؤسّسات الناشئة بالكثير من التشجيع، على خلفية تخفيض معدل الضريبة الجزافية الوحيدة المطبق على الأنشطة الممارسة تحت النظام القانوني للمقاول الذاتي، من 5 إلى 0.5 بالمائة، ومن ضمن التدابير التشريعية الاقتصادية المعوّل عليها في تسريع وتيرة الدورة الاقتصادية وتعزّز بها قانون المالية الجديد، تمديد الإعفاء لمدة خمس سنوات بداية من الفاتح جانفي 2024 للضريبة على أرباح الشركات والضريبة على الدخل الإجمالي لمداخيل وفوائض القيمة الناتجة عن التنازل عن السندات والأوراق، وسندات الخزينة المماثلة المسعرة في البورصة أو المتداولة في سوق منظمة، لأجل أدنى يقدر بخمس سنوات، وإلى جانب حقوق التسجيل بالنسبة للعمليات المتعلقة بالقيم المنقولة المسعرة في البورصة أو المتداولة في سوق منظمة، وكذلك تمديد التخفيض من الضريبة على أرباح الشركات لمدة ثلاث سنوات بداية من شهر جانفي 2024، يعادل نسبة فتح رأس المال في البورصة، لفائدة الشركات التي تكون أسهمها العادية مسعّرة في البورصة. بعث المشاريع الهيكلية الكبرى وستتواصل عملية الرقمنة على ضوء ما نصّ عليه قانون المالية 2024، ويشمل ذلك التصريح الجمركي الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني، والتسديد عن طريق الدفع الإلكتروني، والسكن، بالإضافة إلى تمويلات جديدة للسكن العمومي الإيجاري مزايا للمهتمين بتسديد المبلغ الجمالي لسكنات عدل. وتسري المزايا الجبائية على بعض الأنشطة على غرار إعفاء عمليات إعادة التأمين وإعادة التأمين التكافلي من الرسم على القيمة المضافة، وإعفاء رقم الأعمال المحقق من أنشطة جمع وبيع الحليب الطازج، من الضريبة الجزافية الوحيدة، مع توسيع مجال تطبيق المعدل المخفض للرسم على القيمة المضافة المقدر ب 9 بالمائة. وعلى ضوء الحرص القائم على تحسين الوضعية المالية للجماعات المحلية من خلال تعبئة موارد إضافية لفائدة الجماعات المحلية، استحدث قانون المالية الرسم المحلي للتضامن المطبق على نشاط نقل المحروقات بواسطة الأنابيب بمعدل 3 بالمائة والنشاطات المنجمية بمعدل 1.5 بالمائة، والزيادة في الحصة العائدة لصندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية من ناتج القسيمة على السيارات، مع إعادة توزيع ناتج الرسم على المنتوجات البترولية. وإلى جانب استكمال مواصلة الإصلاح بالقطاع المالي والمصرفي، برزت عملية تعزيز ديناميكية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وافتكّت حصة الأسد عبر دعم قوي ومن خلال العديد من التدابير للقدرة الشرائية، ومواصلة استحداث مناصب الشغل، ودعم مرصود لعدة قطاعات مثل الصحة والتربية والضمان الاجتماعي والسكن ستنعكس تمويلاته على الجبهة الاجتماعية، علما أنّ القانون بالموازاة مع ذلك يتكفل بترقية الاستثمار، وبعث المشاريع الهيكلية الكبرى ومواصلة إنجاز مختلف المشاريع القائمة. وينتظر أن تحقّق العديد من الإجراءات الاستثنائية والأولى من نوعها، بما فيها الزيادة في الأجور، ودعم الاستثمار بمزايا جديدة وجذّابة بقوة قانون المالية الجديد، دفعا كبيرا للحياة الاجتماعية والاقتصادية، بما يؤكّد مرة أخرى أن الجزائر في الطريق الصحيح، وفق خارطة مسطّرة وأهداف محدّدة، يتم فيها استغلال الثروات والموارد وترشيد النفقات والاستفادة من الكفاءات وتحويل التكنولوجيا والخبرات عبر الشراكة، من خلال إقامة استثمارات منتجة مع الشريك الأجنبي، ولا يخفى أن الجزائر وضعت أقدامها في هذا المسار، وهذا ما تعكسه تدابير تشريعية تعزّز بها قانون المالية لسنة 2024.