يتوقع الخبير الاقتصادي لخضر مداني، أن تفضي جملة التدابير المطروحة لفائدة تعزيز انتشار المقاولاتية، إلى تمكين أصحاب المهارات والكفاءات العالية من اقتحام سوق العمل الحر بأنشطة مربحة، وبطريقة قانونية منظمة وفي إطار رسمي، ملامسا جدوى هذه السياسة؛ لأنها ستسمح - بحسب تقديراته - بتسجيل تطور أكبر لانتشار النسيج المؤسساتي في منطقتي الهضاب العليا والجنوب. واشترط الخبير متابعة هذه الأنشطة، في أثناء تقديم عرض حول التوجهات الحالية الرامية إلى التأسيس لأرضية يتأسس عليها اقتصاد المعرفة بما هو جوهر الاقتصاد الجديد. فضل البروفيسور لخضر مداني، في بداية حديثه عن التحول الجاري نحو تفعيل النسيج الاقتصادي، من خلال خيار تكريس المقاولاتية، العبور إلى تشريح المراحل السابقة التي شهدها الواقع الاقتصادي بالجزائر، كون الحديث عن المقاولاتية يتطلب العودة إلى السياسات المنتهجة من طرف السلطات العمومية في مجال تشجيع القطاع، واعتماد استراتجية تنموية قائمة على مقاربة تعزيز ريادة الأعمال الخاصة. ولم يخف الأستاذ الجامعي مداني، أن الطموح كان كبيرا من خلال استهداف الأصول لأكثر من (2) مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة بحلول عام 2025 وهذا رقم مهم جدا، يقول الخبير، إذ يمثل متوسط 43 مؤسسة صغيرة ومتوسطة لكل ألف نسمة. وبالعودة إلى إحصائيات نهاية عام 2022 – يواصل الخبير - نجد أن العدد وصل إلى أكثر من مليون وثلاثمائة ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، وهذا ما يغطي إجمالي قوة عاملة تقدر بنحو 3 ملايين. وأشار مداني، إلى أن نسبة 56٪ من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ناشطة في قطاعين مهمين، هما قطاعا الخدمات والبناء والأشغال العمومية، بينما كان النمو السنوي المسجل خلال الفترة السابقة بنحو 5,17٪. وبقراءة موجهة لهذا الرقم - يقول الدكتور مداني - يمكن القول إنه تم تسجيل كثافة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بحوالي 30 مؤسسة لكل 100 نسمة. ورغم هذا التقدم المسجل، يجب أن يستمر العمل لتحقيق الطموح المسطر، بالإضافة إلى ضرورة التركيز على تفعيل تواجد المؤسسات في منطقتي الهضاب العليا والجنوب، لتتوازى مع الشمال. على خلفية أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لديها ميزة هامة، تتمثل في القدرة على التكيف مع التغيرات في الطلب والتطورات التكنولوجية، يؤكد الخبير مداني. وبلهجة واثقة، قال البروفيسور مداني، إننا ننتظر، في ضوء التدابير الأخيرة في مجال القانون المتعلق بالاستثمار رقم 22-18 المتضمن الكثير من التدابير التشريعية للاستثمار، تطورا أكبر سواء من ناحية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أو من ناحية تطور انتشار النسيج المؤسساتي في منطقتي الهضاب العليا والجنوب، إلى جانب الإضافة المنتظرة من تجسيد قانون المقاول الذاتي. شكل جديد لممارسة الأعمال وقدم الخبير الاقتصادي قراءته حول التسهيلات المعتبرة والامتيازات الجبائية والتشريعية المغرية المسخرة للمقاولة الذاتية، على ضوء تعليمات دقيقة ومهمة أسداها رئيس الجمهورية لوضع المقاولاتية في قلب التنمية الاقتصادية وتعزز مسار النمو. واعتبر البرفيسور مداني في هذا المقام، أن الإطار المؤسساتي للمقاولة الذاتية، والمتمثل في القانون الأساسي للمقاول الذاتي رقم 22- 23 الصادر في 18 ديسمبر 2022، وضع النصوص التنظيمية للجهاز المؤطر للنشاط والمتمثل في الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي. كما عكف على تحديث قائمة النشاطات المؤهلة للاستفادة من قانون المقاول الذاتي، مع حرصه على توضيح كيفية التسجيل في السجل الوطني للمقاول الذاتي بجملة من المراسيم، صدرت في ماي 2023، واصفا هذا الإطار المؤسساتي بأنه جاء مكملا لما تم اتخاذه سابقا في مجال تشجيع المقاولاتية، لكنه يمس نشاطا جديدا، أي يؤطر شكلا جديدا لممارسة الأعمال، يختلف عن الشكل المعهود، كونه من الناحية القانونية، يأخذ صفة التاجر الطبيعي وله شروط من ناحية القيد في السجل التجاري، إلى جانب اشتراط ضرورة ممارسة النشاط باستقلالية. بعد استكمال هذا الإطار المؤسساتي - يقول الخبير - يبقى الرهان القائم على تفعيل الجانب العملياتي، بهدف النجاح في تجسيده، كونه يحتاج إلى تنشيط وتفعيل في الميدان، في ظل الأهمية القصوى لتحفيز ميداني سريع، مما يتطلب نشاطا اتصاليا للتعريف به من خلال إبراز هذه الامتيازات التي يوفرها القانون الجديد والآليات العملية لتجسيده. بالموازاة مع ذلك، تناول الخبير الشق المتعلق بوضع السجل الوطني للمقاول الذاتي، ومعالجة طلبات التسجيل عبر المنصة الرقمية التي تم استحداثها، والمنتظر إطلاقها بداية من عشرين جانفي الجاري، من أجل التسجيل والحصول على بطاقة "المقاول الذاتي". واشترط الخبير متابعة هذه الأنشطة والتركيز في البداية على عملية الترويج والتعريف بهذا الإطار المؤسساتي الجديد الذي يمكن الأشخاص من ذوي المهارات والكفاءات العالية، من دخول سوق العمل الحر بأنشطة مربحة، وفق طريقة منظمة وقانونية. تطلع إلى مزيد من التحفيزات ولأن هذا المجال واعد ويعد أولوية للسلطات العمومية، قدم الخبير مداني شروحات متعددة ومقترحات تقصد إلى المحافظة على النسيج المقاولاتي وتطوره المستمر، وقال: "بخلاف الأنشطة الحرفية المقنّنة لكل مجالات النشاط، كونها ترتبط بالميادين المحددة والمؤهلة للاستفادة حسب القانون الأساسي للمقاول الذاتي، وتم تحديدها في عدة مجالات، من بينها الاستشارة والخبرة والتكوين، وتشمل كذلك مجال الخدمات الرقمية والأنشطة ذات الصلة والخدمات المنزلية، إلى جانب الخدمات الموجهة للأشخاص وخدمات الترفيه والتسلية، بالإضافة إلى الخدمات الموجهة للمؤسسات والخدمات الثقافية والاتصال السمعي والبصري. ويعتقد البرفيسور مداني، أن ميادين النشاط تكتسي أهمية عندما تصنف إلى أنشطة وأنشطة مفردة، وتحدد قائمة النشاطات بقرار وزاري، وأصبحت بذلك غير جامدة ويمكن تغييرها مع الوقت، من خلال لجنة متخصصة في هذا الميدان. ويتوقع الأستاذ الجامعي أن يستكمل الإطار القانوني مستقبلا مع مرور الوقت والممارسة، ويرى أنه يحتاج إلى المزيد من التحفيزات في المجال الضريبي، خاصة ما يتعلق بالرسم على القيمة المضافة، من منطلق استقرائه لتجارب بعض الدول في هذا المجال. واغتنم البرفيسور مداني الفرصة ليدعو إلى ضرورة تسريع وضع القانون النقدي والمصرفي حيز التنفيذ، خاصة ما يرتبط بتطوير وسائل الدفع الإلكتروني. الاقتصاد الجديد يحركه وينميه المورد البشري ووقف الدكتور مداني عند اقتصاد المعرفة، باعتباره من النظم التي سيشتغل بها المقاول الذاتي. وتناول المتحدث الطريقة المفضية إلى تكريس المزيد من التوجيه لتشجيع الشباب المبتكر على تجسيد أفكار مشاريعه، مؤكدا أن اقتصاد المعرفة يختلف في أسسه عن الاقتصاد القديم الذي يقوم على الإنتاج والعمالة ورأس المال والمواد الخام، لأنه يعتمد على المورد غير النادر والمستمر والدائم، وصار يطلق عليه الاقتصاد الجديد بعد أن رأى النور في مرحلة ما بعد الصناعة، بعد تطور قطاعات جديدة بشكل تصاعدي بعد الزراعة والصناعة، واعتبرت أن صناعة المعرفة أداتها العقل البشري، وموردها البيانات، ومنتوجها الأفكار، ولهذا تحولت الأنظار إلى نشاط التربية والتكوين والاستشارات والمطبوعات والبحث والتطوير وتشجيع الابتكارات في كل المستويات الرسمية والأكاديمية، وعلى مستوى المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الصحية، وهذا ما يصطلح عليه بصناعة المعرفة. وفي هذا المجال ألح الخبراء على ضرورة تركيز السياسات العمومية على مجال اقتصاد المعرفة، ومن الطبيعي أن تنتقل الأدوار الحكومية في اقتصاد المعرفة، من فرض الرقابة إلى الضبط والتحفيز والتنشيط وتوفير الفرص لنمو المؤسسات، مع بسط إطار تنظيمي ومؤسساتي أكثر مرونة، وتركيز السياسات والبرامج على تسهيل عمليات التحول إلى اقتصاد المعرفة، لاسيما في البنية التقنية اللازمة، والاستثمار أكثر في تطوير التعليم وتأهيل الموارد البشرية. انفتاح أكبر للإطار التجاري بخصوص المؤشرات التي تقيس اقتصاد المعرفة، سلط الخبير الضوء على المؤشر المعتمد من طرف البنك الدولي، كونه يحدّد الحافز الاقتصادي والنظام المؤسساتي والتعليم وتنمية الموارد البشرية، إلى جانب الابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأصبحت قراءة مجموعة من المؤشرات ممكنة، كونها صارت تقوم على سبعة مؤشرات فرعية، أي تهتم بتعليم ما قبل الجامعة والتعليم التقني والتدريب المهني والتعليم العالي والبحث والتطوير والابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات واقتصاد والبيئة التمكينية. ومن أجل تطوير اقتصاد المعرفة، يرى البرفيسور مداني ضرورة تبني هذه المقاربة الشاملة لأنها تأخذ بكل هذه المجالات والأبعاد، بهدف الوصول إلى تقليص الفجوة في مجال اقتصاد المعرفة، مقترحا بذل جهد أكبر من أجل بلوغ مصاف هذه الأهداف، بالنظر إلى الأهمية المتمثلة في مواصلة رقمنة الخدمات والهيئات الحكومية وجعلها أكثر انسيابية وسهولة للاستخدام من قبل المواطنين، إلى جانب استكمال الجهود في تطوير البنية التحتية الرقمية في شكلها المادي أو الشبكي، مع تحسين سرعة التدفق. ورافع البروفيسور مدني لانفتاح أكبر للإطار التجاري لتحفيز تطوير المشروعات، سواء كانت أعمالا أو أنشطة المقاولة الذاتية ومؤسسات بصفة عامة، والهدف المرجو من كل ذلك - يقول الخبير - النجاح في تطوير وترقية حجم هذه المؤسسات من مؤسسات مصغرة وصغيرة ومتوسطة إلى مؤسسات كبرى.