تمنراست: جثمان عضو مجلس الأمة عبد الله مسك يوارى الثرى بمقبرة قرية تبيربيرت    سكيكدة : استحداث وحدة خاصة بجراحة الأسنان لفائدة أطفال التوحد و التريزوميا 21 و غير المتكيفين ذهنيا    وزير الصحة يستقبل سفير جمهورية زيمبابوي بالجزائر    البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية ونصرة الشعب الفلسطيني    رئيس مجلس الأمة يعزي في وفاة الفنان حمزة فيغولي    عيد الفطر: الدرك الوطني يسطر مخططا أمنيا وقائيا    مؤسسة "نات كوم": تسخير 4200 عون و355 شاحنة لضمان نظافة الاحياء والأماكن العامة بالعاصمة خلال أيام عيد الفطر    تعليمات صارمة للرؤساء المديرين العامين للموانئ لتسريع معالجة حمولات البواخر    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50277 شهيدا و114095 جريحا    بطولة المدارس الإفريقية لكرة القدم : اجتماع تنسيقي ما بين الفاف- المديرية الفنية الوطنية و الاتحادية الجزائرية للرياضة المدرسية    كأس الجزائر : فريق شباب بلوزداد يكمل المربع الذهبي بإقصاء مولودية بجاية    فلسطين تطالب الأمم المتحدة بالتحرك لوقف الإبادة الصهيونية في غزة    مسابقة تاج القرآن الكريم: اختتام الطبعة ال14 بتتويج الفائزين    حملة تحريض منظّمة ضد المقاومة في غزّة..    دعوة إلى الالتزام الصارم بالمداومة    حشيشي يتفقد الوحدات الإنتاجية    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    الجيش الوطني يواصل دحر الإرهاب    وزارة التربية تتحرّك..    البطاقة الذهبية ستتحوّل إلى كلاسيكية    تنظيم حفل ختان جماعي    الشرطة تُعزّز تواجدها    أوقفوا العُدوان على غزّة..    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    48 ساعة لنائب القنصل المغربي بوهران لمغادرة الجزائر    إطلاق أول ناد يهتم بصحة الشباب ومحاربة المخدرات    تكوين شبكة للجزائريات الوسيطات    تكريم المتفوّقين في المسابقة لحفظ وتجويد القرآن الكريم    منظّمات حقوقية تندّد بالتضييق على الجزائريين بفرنسا    إبراز دور القيم المهنية للصحافة في الدفاع عن الوطن    تتويج فريق القناة السادسة بالطبعة الرابعة    تسويق 238 ألف كيلوغرام من اللحوم المستوردة    حلويات قسنطينية تروي قصة تراث وعزيمة    خالدي وبن معزوز يمنحان تأهلا سهلا ل"سوسطارة"    تواصل العدوان الصهيوني على جنين وطولكرم ومخيم نور الشمس    مخزون كبير في المواد الغذائية    صور من الغث والسمين    عمق العلاقات الزوجية وصراعاتها في ظل ضغوط المجتمع    مشروع "بلدنا الجزائر" يدخل مرحلة التنفيذ    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    وفاة شخص بصعقة كهربائية    إرث جمال مناد سيظل خالدا في الذاكرة    بلمهدي يستقبل المتوّجين    إنفانتينو يعزّي في وفاة مناد    أعيادنا بين العادة والعبادة    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال هذا السبت    سوناطراك: حشيشي يتفقد الوحدات الانتاجية لمصفاة الجزائر العاصمة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    اليوم العالمي للمسرح: المسرح الوطني الجزائري يحتفي بمسيرة ثلة من المسرحيين الجزائريين    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    اختتام "ليالي رمضان" بوهران: وصلات من المديح الأندلسي والإنشاد تمتع الجمهور العريض    هذا موعد ترقّب هلال العيد    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذخيرة لغوية وذاكرة حضارية

اعتنى العرب بلغتهم عنايةً قصوى، جمعًا وتأصيلًا وتقعيدًا وضبطًا وشرحًا، نظمًا ونثرًا، تجديدًا وتقليدًا، حتى تجاوزا الغاية، وبلغوا في ذلك النهاية، وقدّموا للإنسانية أروع الأمثال في حب لغتهم، والتعلّق بها، منذ الجمع الأول للغة، عندما طوّف العلماء في البوادي، يجمعون النصوص والشواهد، ويقارنون بين اللهجات، حفظًا لهذه اللغة الشريفة من الميوعة والانفلات الذي كان يتهدّدها من الانفتاح على الشعوب غير العربية.
لا يخفى على من له أدنى اطلاع على اللغة العربية وشؤونها مدى عظمة العمل المعجمي الذي قام به علماء اللغة، حيث بدأوا في عصر مبكّرٍ بتأليف المعاجم اللغوية، والذخائر المعرفية التي حفظت اللسان العربي، وصانت الذاكرة اللغوية، وسجّلت كثيرا من الشواهد والنّصوص من بطون الكتب ومن صدور الرّجال، مثلما نلاحظ ذلك في معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (170ه) وكتاب الجيم لأبي عمرو الشّيبانيّ (206ه)، إلى جمهرة اللغة لابن دريد (321ه) وتهذيب اللغة للأزهري (370ه)، والمحيط للصاحب بن عباد (385ه) وغيرهم.
ولم يتوقّف النشاط المعجمي العربي على مدى قرون من الزّمان، ينتج نماذج متفرّدةً من المعاجم، من حيث ترتيب الحروف، ومعالجة المادة، وعرض الشّواهد، وتنويع التبويب..
وفي العصر الحديث طرح المستشرق الألماني أوغست فيشر (August Fischer) فكرة غير مسبوقة في مجال الدراسات المعجمية العربية، استوحاها من معجم أوكسفورد التّاريخي، بدعوته إلى تأليف معجم تاريخي للغة العربية، يعنى بتأريخ الألفاظ، وتحديد مستعمليها، حيث قال: "ويجب أن يحوي المعجم التاريخي كلّ كلمة تدووِلت في اللغة، فإنّ جميع الكلمات المتداولة في لغة ما لها حقوقٌ متساويةٌ فيها، وفي أن تُعرَضَ وتُسْتَوضَحَ أطوارُها التّاريخية في معجماتها، ولكنّ المعجمات العربية بعيدةٌ كلَّ البعد عن وجهة النّظر هذه"،(المعجم اللغوي التاريخي ص7) ولتحقيق هذه الغاية انتدب نفسه للقيامِ بذلك، غير أنّ عمله توقّف قبل اكتماله، وتعطّل مشروعه عند المجلّد الأول، وهيهات هيهات أن يستطيع إنجازه. فظل هذا المشروع دَينًا مؤجّلا، وحُلْمًا معطّلا، حتى انبرى له فريق من اللغويين الطّامحين، والبحثة المتخصصين، فتشرّفوا بحمل راية العربية، وساروا بثبات في سبيل إنجاز هذا الحُلْم العربي الواعد.
إنجاز المعجم التاريخي
يعتبر المعجم التاريخي للغة العربية أعظم مشروع يعنى بمفردات اللغة إحصاءً واشتقاقًا ودلالةً وتأريخًا وتوثيقًا، يتتبّع حياة الكلمات عبر العصور الخمسة؛ قبل الإسلام، وبعده، وفي العصر العباسي، وعصر الدّول والإمارات، وانتهاءً بالعصر الحديث.
إنّه لا يهمل أيَّ كلمةٍ استعملتها العرب، وتَداوَلَتْها ألسنتُهم، ويقدّم لكلّ ذلك شواهد حيّة من القرآن الكريم والحديث الشريف، وممّا استعمله العرب في منظومهم ومنثورهم، كما يستفيد من المعاجم القديمة التي تضمّ بين دِفافِها شواهد معجمية التقطها علماء اللغة ودوّنوا معانيها حفظًا لها من الضياع والتّجاهل والنّسيان.
ومن مميزات المعجم التاريخي للغة العربية أنّه صادرٌ عن هيئات علمية وازنة ومعتبرة في العالم العربي، تحت وصاية اتحاد المجامع اللغوية العربية التابع لجامعة الدّول العربية.
وما كان لهذا المشروع العظيم أن يرى النّور لولا الجهود الخيّرة، والكفاءات المتميّزة التي أسهمت في إنجازه، وواصلت الليل بالنهار ليصبح حقيقة ماثلة، ومشروعًا قوميًا بامتياز، فاستجاب لهذه الرّغبة الصادقة العلماءُ والباحثون من جميع الدّول العربية ومن المهجر، وانخرطوا في هيئاته ومكوّناته زرافاتٍ ووحدانا، محرّرين، وخبراء، وأعضاء في المجلس العلمي، واللجنتين التنفيذية والعلمية، وباقي اللجان الفرعية.. تتضافر جهودهم، في تناغم كاملٍ، وتناسق مثالي، يكمّل بعضهم بعضًا لصناعة مجد العربية.
المشاركة الجزائرية في المعجم التاريخي للغة العربية:
وقد ضربت الجزائر في كلّ ذلك بسهمٍ، بل سهام، فكان حضورها لافتًا، ومشاركتها فعالةً على كلّ المستويات، بفريق هو الأكبر عددًا والأكثر فاعلية من بين جميع الفرق المتسابقة في الخير، والمتنافسة في خدمة اللغة العربية، فشرّفوا بلدهم، وطرّزوا أسماءهم بأحرفٍ من ذهب في الموقع الإلكتروني للمعجم، وفي صفحات النسخة الورقية المطبوعة، حيث يبلغ عدد الباحثين المشتغلين فيه حوالي مائة وأربعة وعشرين باحثًا ما بين محررين وخبراء، بنسبة تبلغ 47% من مجموع المشاركين في صناعة هذا الإنجاز اللغويّ المتميّز.
ولا يمكن أن نتحدّث عن المشاركة الجزائرية في المعجم التاريخي للغة العربية من دون الحديث عن أبرز شخصيتين علميتين كان لهما أثرهما البيّن، وبصمتهما الواضحة، وهما العلّامة الدكتور أمحمد صافي المستغانمي، أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة، الذي يواصل الليل بالنّهار، ويسخّر جهده وخبرته وعلاقاته من أجل أن يرى هذا المشروع النّور في الآجال المحدّدة له، وهو ما نراه عيانًا، ونلمسه واقعا ويقينا، فقد تمّكن هذا الرّجل الأمّة من أن يجمع العرب على مشروع يوحّد جهودهم، ويضمّ طاقاتهم، من خلال عشر مجامع لغوية ومؤسسات بحثية تعنى بالشأن اللغوي، وهو ما لمسنا ثمرته في هذا العام بالوصول إلى ما مجموعه سبعة وستون مجلّدًا في بضع سنين.
كما أعطى الپروفيسور صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية نفسًا قويًّا للمعجم التّاريخي، برئاسته المجموعة الأكبر، التي تضمّ السّواد الأعظم من البحثة والمتخصصين في التحرير والخبرة، وهي المجموعة الجزائرية، حيث يسهر شخصيًا على دقائق الأمور قبل عظائمها، وجزئياتها قبل كلياتها، ممّا جعل عمل المجموعة في منتهى الإتقان، وغاية التقدير، إذ يشرف بنفسه على برمجة الدّورات التدريبية، ويتابع الأعمال المنجزة عبر المنصة الإلكترونية، ويحفّز الباحثين، ويحثّهم على تقديم أفضل ما لديهم، لا يكلّ ولا يملّ من السفر والتّرحال مرشدًا وموجّها.
الأبعاد الحضارية للمعجم التاريخي
إنّ المعجم التاريخي للغة العربية كتاب لغويّ بالدرجة الأولى، يحصي مفردات اللغة العربية، ويشرحُ معانيَها، ويؤرّخ دلالاتها، وفق سنن العرب، وطرائق تعبيرها، الصوتية والصرفية والنحوية وغيرها، ولكنه إلى ذلك كتاب في الثقافة والحضارة والفن والسياسة وفنون القتال، وفي الطب والصناعة والزراعة والعمران، وفي الاجتماع والفلسفة والمنطق والأديان وفي الخرافات والأساطير وفي كلّ ما جال بخاطر الإنسان وعبّر عنه.
لقد عكف المشرفون على المشروع على إطلاق أجزاء من المعجم بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية لنحتفل في هذا العام بصدور 67 مجلّدًا حتى الآن، تغطّي 15 حرفًا، من مجموع حروف العربية الثمانية وعشرين، كما يمكن الاطلاع على مادة المعجم التاريخي في موقعه الرّسمي (www.almojam.org)، أو من خلال التطبيق الإلكتروني الذي يسمح بالبحث في المعجم هاتفيًا أو من خلال الألواح الإلكترونية، وهو ما يسمح بالمراجعة والتنقيح والتحديث المستمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.