ربط البحث العلمي بالصناعة الصيدلانية.. حتمية الاستمرار والتطوّر الجزائر.. الثالثة إفريقيا في تصنيع الدواء ويمكنها اقتحام أسواق أوروبا طرح رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، الدكتور معاذ تبينت، مفاتيح توسيع نسيج الصناعة الصيدلانية والحفاظ على مسار تطورها وتنافسيتها العالية، وحرص على إثارة ما تفرضه هذه السوق من تحديات كونها عمودا فقريا للمنظومة الصحية، ورافع لصالح ربطها بالبحث العلمي والجامعة، بهدف تكوين واستغلال العنصر البشري، وتحدث عن أهمية تنويع الأسواق وعدم الاكتفاء بالأسواق الإفريقية، لأن الجزائر تقدم منتوجا ذا جودة عاليا يمكن تسويقه بالدول الأوروبية. قدّم رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، تشريحا دقيقا ومستفيضا عن واقع ووتيرة نمو قطاع الصناعة الصيدلانية في الجزائر، باعتباره القطاع الحيوي المتنامي في خلق الثروة واستحداث مناصب الشغل، وقال إنه قطاع شق طريقه نحو تحقيق وثبة اقتصادية مهمة، خاصة بعد أن تمكن من تلبية الطلب الكبير والمتزايد على المنتجات الصيدلانية وشبه الصيدلانية، من طرف المنظومة الصحية، واعتبر محدثنا أن صناعة الدواء تعد من الأسواق المستحدثة للقيمة المضافة، ونجح هذا النشاط - خلال السنوات الأخيرة - في تحقيق مستويات متصاعدة من حيث النمو والتطور بالجزائر، وقدر الدكتور معاذ تبينت، إجمالي الطاقة الإنتاجية للمنتجات الصيدلانية بنحو 2.5 مليار أورو سنويا، بمعدل تطور يناهز نسبة 4 بالمائة، رغم أن السنوات الأخيرة شهدت جائحة كورونا وتذبذبا محسوسا في مجال التصنيع والتموين في العالم، إلا أن هذا النشاط – يضيف تبينت - صنف ضمن القطاعات الصناعية المسجلة لتطورات كبيرة وهامة. ولعل أهم ما يميز هذا القطاع الصناعي الواعد في الجزائر – يقول محدثنا - الإطار التنظيمي الثابت والمتين والمهيكل لهذه الصناعة، كونها تشهد تكافؤا مع المعايير التي تتطلبها الصناعات الصيدلانية في العالم. وقال الدكتور تبينت إن سوق الدواء الجزائري، تعد ثالث سوق إفريقية من حيث الحجم وفرص النمو، على خلفية أن نسبة نموها تناهز 6 بالمائة، علما أن هذه الصناعة المحلية تغطي 70 بالمائة من الاحتياجات الوطنية. تعدد الفرص وثراء الطاقات وأثنى رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، كثيرا على تأسيس وزارة للصناعة الصيدلانية، ويرى أنه من أجل تحقيق المزيد من التطور في هذه الصناعة، يحتاج الظرف إلى ترسيخ رؤية جديدة ومتجددة، تضاف إلى الخطوات الفعّالة التي اتخذت في مسار إعادة تنظيم السوق وتوازنها، وبعد أن تم رد الاعتبار إلى الجانب التنظيمي والمعياري للأدوية في الجزائر على وجه الخصوص، وقال إن الجزائر نجحت بإرادة قوّية، ومضت بنجاح في إعادة هيكلة وتنظيم السوق، وفي الوقت الحالي تحتاج إلى الاستمرار على النهج نفسه، عبر تبني رؤية جديدة، إذ لا ينبغي أن نعزل صناعة الأدوية الجزائرية عن المتغيرات الجيوسياسية والتوازنات الكبرى، وكذا كل التداخلات التي تعرفها سوق الأدوية العالمية، لأن الحديث عن الأسواق المجاورة أو الأسواق الإفريقية، يكشف أنه صار لديها متطلبات جديدة. ووقف الدكتور تبينت عند العديد من الحقائق والمستجدات على ساحة سوق الدواء العالمية ومدى تأثيرها على الصناعة المحلية، باعتبار أن الدول المتقدمة صارت تتجه نحو تكريس الصناعة البيولوجية، وبدأت تتخلى تدريجيا عن الصناعات التقليدية، وهذا - في تقديره - ما يمنح فرصة تاريخية للجزائر من أجل استقبال الطلب الهائل للصناعات الدوائية التقليدية للدول الأخرى، في صدارتها البلدان الأوروبية، ويعتقد أنه على المنتجين الجزائريين التهيؤ لهذه المرحلة والظفر بهذه الفرص، أما بالنسبة للدول الإفريقية، يقول محدثنا إنها صارت تتطلب تنافسية أكبر من حيث التركيز على الاستثمار ونقل التجارب بهدف التموقع الجيد في عمق هذه الأسواق المغرية والمربحة. واقترح الدكتور تبينت التركيز على العمل الجماعي لترسيخ رؤية جديدة تبنى على دراسة مستقبل السوق وتوجهاتها، واستغلال الفرص المتاحة بشكل مبكر في ظل تعدد الفرص وثراء الطاقات والخبرة المعتبرة التي يراهن عليها في تحقيق الأمن الصحي للبلاد، وجني إيرادات معتبرة من العملة الصعبة. ومن بين التحديات القائمة أمام المنتجين الجزائريين، ذكر رئيس جمعية الصيادلة الجزائريين، أنها تكمن في سرعة التأقلم مع مختلف المستجدات الداخلية والخارجية، والمواكبة السريعة عبر إيجاد تقنيات متطورة في التصنيع، مع أهمية الأخذ بعين الاعتبار أن النسيج الصناعي مرشح للارتفاع، في ظل تزايد عدد الطلبات لاعتماد إنشاء مؤسسات إنتاج جديدة، وهذا ما يستدعي التفكير من أجل التحضير الجيد لمرحلة منح الاعتمادات، وإطلاق عمليات الإنتاج، بهدف تحقيق النجاعة والحفاظ على التطور المستمر للمؤسسات المستحدثة للثروة. ويعتقد الدكتور تبينت - في المقام نفسه - أنه حين يزداد عدد المنتجين في السوق، يتحتم على كل منتج تسطير رؤية حديثة لتسويق منتجاته بالسوق الداخلية، أو في أسواق خارجية، كما دافع عن مقترح تقاسم رؤية جماعية لتحديد الأسواق التي يمكن التوجه إليها. الاحتكاك بالتجارب المتطورة ونقل الخبرات أما فيما يخصّ الاستيراد، فقد أكد الدكتور تبينت أنه من الضروري الاستفادة منه عبر عدة محاور وأشكال، في إطار العوامل الإيجابية والاستفادة من كل ما يساعد على إنتاج أدوية ذات جودة عالية وتنافسية قوية، لذا في الوقت الراهن، يرى أنه لا يمكن التخلي – بصفة نهائية - عن الاستيراد، في ظل وجود تطورات ومستجدات وحاجيات تتزايد، إضافة إلى واقع مشجع تتوفر فيه صناعة تسجل نموا وتطورا مستمرا، ويضاف إلى كل ذلك حاجة الصناعة المحلية إلى الاحتكاك بالتجارب المتطورة، والاستفادة من الخبرات عن طريق بناء شركات تصدير واستيراد أدوية حديثة، لا يمكن تصنيعها في الوقت الحالي بالجزائر، خاصة أن صناعتها معقدة، إضافة إلى أن الحاجة تفرض استيراد تلك الأدوية التي ينتجها مصنع واحد عالميا. وخلص رئيس جمعية الصيادلة الجزائريين إلى القول إنه من الضروري ترشيد سياسة الاستيراد بالتوقف عند استيراد المواد الضرورية والأساسية، وفي الوقت نفسه، ينبغي أن ينصب الاهتمام على تطوير الصناعة بشكل يتماشى مع الطلب المحلي والاكتفاء باستيراد ما ينقص، ولكن لا ينبغي ترك الأبواب مفتوحة للاستغلال التجاري. وفي إطار جهود الدولة لتكثيف النسيج الصناعي، وما يقابله من الإقبال الكبير على الاستثمار، قال رئيس جمعية الصيادلة الجزائريين إن التسهيلات المقدمة في مجال الاستثمار ضرورية يضاف إليها التواصل الإيجابي وتقديم الرؤى والمقترحات، إذ يتوقع محدثنا أن تنشأ المئات من مؤسسات الأدوية، والظرف كما التجارب، تستدعي التفكير في مستقبلها ونجاعتها وديمومة نشاطها، مع أهمية الحفاظ على تنافسيتها؛ لأن توسيع الاستثمار في قطاع الأدوية أصبح ضروريا في سوق منظمة، وكل تلك الأهداف تتجسد - حسب تقدير تبينت - من خلال تنمية التواصل وتحديد الرؤية المستقبلية ضمن سلسلة من الأهداف تكمن في التوجه لتكريس المزيد من هذه الاستثمارات، وتمثّل على ذلك بالانطلاق في تصنيع أدوية مكافحة داء السرطان، ولم يخف أن السوق المحلية ليست بالكبيرة، وأن عدد المصنعين معتبر ومتزايد، ولديهم طاقات إنتاجية ضخمة جدا، داعيا إلى التفكير في تصدير هذه المنتجات، مع تحديد الأسواق المستهدفة. تفعيل القدرات لاستباق الأزمات ومن جهة أخرى، سلط محدثنا الضوء على رهانات التصدير، ورافع لصالح إرساء المناخ المتكامل، ويرى أن الجزائر ينبغي أن لا تكتفي في توجيه صادراتها نحو السوق الإفريقية، بعد أن صارت هذه السوق الاستهلاكية الكبيرة، تشهد تنافسية كبيرة لاعتبارات قال إنها تنظيمية وتاريخية، لذلك، يقدر أن الهدف ينبغي أن يكون متوازنا بين اقتحام السوق الإفريقية والانطلاق إلى أسواق أخرى منفتحة على المنتوج الجزائري، مثل أسواق منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وأوروبا، على خلفية أن العديد من الدول الرائدة في صناعة الأدوية تسعى إلى تغيير النموذج للصناعة الصيدلانية، لذلك، يمكن أن تفتح فرصا كبيرة للمصنعين، وهذا يحتاج لمناخ ورؤية، وهو ما يتوقع محدثنا إمكانية تحقيقه مستقبلا. وتناول الدكتور معاذ تبينت مسألة الاكتفاء الذاتي بالتحليل الاستشرافي، وذكر في هذا السياق، أن الجزائر تصنف ضمن الدول الرائدة في إفريقيا في مجال صناعة الأدوية من حيث حجمها وطاقاتها، ولأن جميع المؤشرات تؤكد أن الجزائر واحدة من الدول الضامنة لتغطية ممتازة في تصنيع الأدوية محليا، مقارنة بدول أخرى مازالت تركّو على الاستيراد. وأوضح تبينت أن ازدهار هذه الصناعة التي تضمن اكتفاء ذاتيا كليا، مرتبط بعدة عوامل خارجية لا يمكن التحكم فيها، مثل حالات الندرة، أو أي نقص في الأدوية قد تشهده السوق المحلية، ليس بسبب عوامل داخلية فقط، وهذا ما يستدعي تفعيل القدرات لاستباق هذه الأزمات، لأنه لا يمكن تفادي هذه الحالات حاليا ومستقبلا، علما أن كل دول العالم تواجه هذا التحدي. وبخصوص أهم الرهانات الحالية، تحدث الدكتور تبينت عن أهمية تبني الرؤية الجديدة بهدف إرساء صناعة تتجاوز حدود السوق الجزائرية، وقال إن الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية يمكن أن تلعب هذا الدور الفعال بموارد بشرية ومالية معتبرة، بهدف ضمان تنظيم مجال التسجيل والتقييم المدرج في القائمة الاسمية، لأن التصدير وكل الأنشطة المرتبطة بالأدوية، تبدأ من التقييم والتسجيل ومراقبة الجودة، وهذا الهدف، يكتسي أولوية في إرساء صناعة صيدلانية أكثر تقدما، يقول تبينت.تبينت وتطرق رئيس جمعية الصيادلة الجزائريين كذلك إلى ضرورة ربط محيط البحث والتكوين على المستوى الجامعي بمصانع الأدوية، ومتطلبات تطوير سوق الأدوية لبناء منظومة صناعة صيدلانية واعدة مستقبلا، ويتحقق ذلك من خلال تطوير التكوين لتجد الصناعة الجزائرية مكانة في صناعة دائمة التطور بالعالم.