نجاح صناعة الأدوية مرتبط بالبحث ومواكبة التحول التكنولوجي نحو إقامة قاعدة صناعية متينة بالقارة السمراء يحتل البحث العلمي وضرورة تحويل التكنولوجيا ومواكبة التطور الجاري في أكبر المخابر العالمية، مكانة هامة في منظومة الصناعة الصيدلانية في الوقت الراهن، بعد فرضها للجودة والوفرة في السوق الوطنية، وكشفها عن قدرات ضخمة للتواجد في أكبر الأسواق العالمية، بل إنها تتطلع كذلك إلى إقامة قاعدة صناعية بالقارة السمراء، وجاءت جائحة كورونا لتكون امتحانا حقيقيا أثبتت فيه الآلة الإنتاجية الجزائرية في مجال صناعة الدواء والمستلزمات الطبية، متانة أدائها وقوة تطورها. علما أنه ينتظر الكثير من الوكالة الوطنية للدواء على صعيد تنظيم السوق وضمان النوعية الجيدة ومرافقة عملية صناعة الدواء بداية من تسجيله إلى غاية طرحه للاستهلاك، بما يسهل مهمة خوض رهان التصدير.
الدكتور سمير والي: تنويع الإنتاج ومنح تراخيص لصناعة أدوية غير متوفرة أكد الدكتور والي سمير، الناطق الرسمي باسم النقابة الوطنية للصيادلة المعتمدين، أن الصناعة الصيدلانية الجزائرية قطعت خطوات عملاقة خلال السنوات الأخيرة، وبرهنت على نجاعتها ومردوديتها في فترة جائحة كورونا، أي بعد أن أغلقت الحدود بجميع دول العالم، بل إن بعض الدول انهار نظامها الصحي، وسجلت ندرة كبيرة في التموين بالأدوية الأساسية: وبعكس ذلك، فإن الجزائر نجحت في تغطية الطلب المحلي، بفضل استثمارات كبيرة للخواص وشركة عملاقة وطنية رائدة، ويتعلق الأمر بمجمع صيدال. ووقف الدكتور والي عند الإرادة القوية لرئيس الجمهورية، خاصة بعد أن أعلن مؤخرا، عن تجديد العمل مع الشركة العملاقة صيدال، من أجل أن تغطية نسبة كبيرة من احتياجات السوق الوطنية، وبعد ذلك، تنتج موادّ أساسية ومواد حساسة، تحتاج إلى تقنيات عالية مثل الأنسولين. علما أنه، بسبب ظروف خاصة، انقطع الإنتاج وانخفض إلى نسبة 5 بالمائة من الأنسولين فقط، من إجمالي الإنتاج الوطني لهذه الشركة. ولكن، في نفس الوقت، طرح الخواص إنتاجا وطنيا لبى طلب السوق، وبقي متوسعا في هذه الشركات، خاصة عن طريق الشراكة مع الأجانب من أجل نقل التكنولوجيا. ويعتقد الدكتور والي أن تغطية الإنتاج للسوق الوطنية يصل إلى 70 بالمائة من حيث كمية العلب، ولكن من حيث القيمة المادية، لا يتعدى 52 بالمائة، مقارنة بالمواد المستوردة. من أجل ذلك قال الدكتور والي، إن رئيس الجمهورية وجّه في خطاباته الأخيرة، إلى ضرورة الاستثمار في الأدوية النادرة بالسوق الوطنية، خاصة تلك التي سعرها باهظ، بما في ذلك الأنسولين. كما دعا الدكتور والي إلى ضرورة توقيف منح التراخيص، مدافعا عن خيار التنويع وتوجيه الإنتاج الوطني، ولأنهم في السوق يتطلعون إلى بلوغ تغطية شاملة، أكد عليها رئيس الجمهورية، مثل بعض الأدوية التي لا تتوفر بالسوق. وقال الدكتور والي، إن نظرة رئيس الجمهورية دقيقة في قطاع الصناعة الصيدلانية، وأن المتعاملين يصبون إلى تكثيف إقامة المصانع وتوجيه المنتجين نحو تلبية احتياجات السوق الوطنية، عبر إرساء الآليات القانونية اللازمة، حتى يقتني المواطن الجزائري الأدوية. وتوقع الدكتور والي تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى أسواق خارجية، خاصة وأن عام 2023 سيشهد طرح أول علب الأنسولين في السوق، تخرج من مصنع مجمع صيدال، إلى جانب شركة خاصة ستطرح الأنسولين على شكل أقلام، وستكون نقلة نوعية من شأنها أن تقلص فاتورة الاستيراد، وبالتالي إدخال تكنولوجيا جديدة حديثة في صناعة الأدوية. وأشار الدكتور والي إلى أن وكالات أدوية أمريكية وأوروبية بالأدوية الجزائرية، سجلت إعجابها واهتمامها بالمنتج الجزائري، بل إنها أخذت أدوية جزائرية ومنحتها الاعتماد. الدكتور معاذ تبينت: رهان على مواكبة الابتكار والتطور العالمي أما الدكتور معاذ تبينت، رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، فقد أشار إلى أن قطاع الصناعة الصيدلانية، شهد تحولا كبيرا في السنتين الماضيتين، خاصة بعد إنشاء وزارة في هذا القطاع الحساس والاستراتيجي، والذي تبنته الدولة وجعلته في أولوياتها الاستراتجية لهذه المرحلة. وذكر الدكتور، أن الصناعة الصيدلانية عرفت منذ إنشاء الوزارة الانطلاق الرسمي للوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية التي تعد أهم مكسب في كل هذه الفترة الزمنية، ولأن الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية تعتبر السلطة العليا، والمنظم الأول لسوق الأدوية في الجزائر. ووقف الدكتور معاذ تبينت، عند رهانات وصفها ب»الكبيرة»، وقال إنها تنتظر الوكالة مع انطلاق عملها، مشددا - في المقام ذاته - على ضرورة تعزيز الوكالة بالإمكانات المادية والبشرية اللازمة، كي تقوم بجميع واجباتها وتؤدي وظائفها على أكمل وجه. علما أنه ينتظرها كثير من العمل والعديد من الملفات، خاصة في مجال دراسة تسجيل الأدوية، والأدوية الحديثة واحترام الوقت اللازم لتسجيل الدواء، وكذلك تنظيم سوق الأدوية من بداية عملية التسجيل إلى غاية مرحلة استهلاك المواد الصيدلانية. الانفتاح على الاستثمار في شُعب جديدة وتطرق الدكتور تبينت إلى إعادة هيكلة القطاع وتنظيمه مؤخرا، عقب صدور نصوص تنظيمية يصل عددها – تقريبا - إلى 70 نصا، ينتظر منها إعادة تعريف كل مستخدمي القطاع من مؤسسات صيدلانية وهيئات وهيئات منظمة. هذه النصوص التنظيمية - حسب تقدير المتحدث - أعطت طابعا جديدا وأنجزت المسؤولية الصيدلانية داخل هذه المؤسسات، لتضفى الرقابة الصارمة، وتنظم السوق بشكل أكبر. وكان من رهانات القطاع، مواجهة جائحة كورونا، فقد تم اختبار الإمكانات الحقيقية للجزائر للتأقلم مع تلبية حاجياتها الوطنية من مواد صيدلانية ومستلزمات طبية. من جانب آخر، تحدث الدكتور معاذ عن رهان الانفتاح على الاستثمار في شعب جديدة، والتي تحتاج حاليا إلى حمايتها، خاصة بعد انقضاء الجائحة، وبالتالي التحضير لمواجهة أي فيروسات طارئة مستقبلا. واستحسن الدكتور معاذ تبينت كثيرا، استحداث الوكالة الوطنية بقطاع الصناعة الصيدلانية، وإعادة تنظيم القطاع بنصوص جديدة وتسيير جائحة كورونا، خاصة وأن سوق الأدوية، وبالتحديد الصناعة الصيدلانية المحلية، في الوقت الحالي، صارت لها حصة معتبرة من السوق الوطنية، داعيا إلى تعزيز هذا الرصيد، إلى جانب كسب رهان القدرة على مواكبة الابتكار والتطوير الحاصل في العالم، من حيث تسجيل المواد الصيدلانية والمستلزمات الطبية الحديثة، حتى لا نتأخر ولا نستغرق وقتا أطول في تسجيل هذه المواد والتي تعتبر ضرورية للتكفل بالمريض الجزائري، خاصة ما تعلق بالتكفل بالأمراض المستعصية أو ما يطلق عليها بالأمراض الثقيلة، مثل داء السكري والسرطان والأمراض النادرة. التكفل الأمثل بالمرضى.. بأقل تكلفة من بين الرهانات التي رافع لصالحها الدكتور، نذكر إعادة تنظيم النفقات أو المرور لما يسمى باقتصاديات الصحة أو اقتصاديات الصيدلة، وبالتالي التكفل الأمثل بالمرضى بأقل تكلفة. وقال، إنها تعد ورشة كبيرة مفتوحة، لإعادة تنظيم وتسيير نفقات الأدوية في الجزائر. بالإضافة إلى ضرورة تحقيق الوفرة المستمرة للمواد الصيدلانية في ظل الاختلالات العالمية المسجلة، على خلفية أن ظاهرة الندرة مستعصية ومزمنة نعيشها منذ سنوات طويلة، وخصوصية هذه المرة أنها بسبب عوامل خارجية وضاغطة وتسبب اختلالات أكبر، من خلال توفر الأدوية وتصنيعها محليا، بينما بخصوص المادة الأولية، اعترف الدكتور أننا نعتمد على كبار المنتجين مثل الصين. وفيما يتعلق بالرهان الأخير، والمتمثل في التطوير والبحث في القطاع الصيدلاني، أدرج رئيس جمعية الصيادلة الجزائريين هذا الرهان ضمن الأولويات في الوقت الحالي، ويتعلق الأمر بتعزيز البحث وتفعيل دور الصيادلة وفتح مخابر بحث وتطوير وربط الجامعة مع الواقع الاقتصادي لتصبح مخابر البحث التابعة للجامعات تعمل بفعالية ونجاعة أكبر، وكذا توفر ميزانيات معتبرة من حيث البحث والتطوير. وبخصوص دراسة التسعير، قال الدكتور تبينت إن الموازنة الأولى تتمثل في اقتصاديات الصحة والتي تصبو إليها كل دول العالم، لأن ميزانية الصحة تعد من الميزانيات المعتبرة للدول، أي الوصول إلى التكفل الأمثل بالمريض بتكلفة ملائمة، مع ضرورة منح كل مريض حقه في الاستشفاء. والأمر الثاني، الأخذ بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي وصلابة النسيج الصناعي الوطني، لأن أسعار كثير من الأدوية - حسب تقدير الدكتور - مازالت تراوح نفس الثمن منذ أكثر من 20 سنة، وكل ضبط يدرج من أجل إحداث التوازن لاستمرار الاستثمار في قطاع الصناعة الصيدلانية، كونه يعد رافدا مهما للاستثمار. لذا أوضح الدكتور معاذ تبينت، أنه ينبغي أن تكون الأسعار ملائمة وتنافسية؛ لأن هذه التنافسية ستخلق قيمة مضافة، ويمكن توجيهها نحو التصدير، ولأن الدول التي تستورد الأدوية الجزائرية، ستقارن الأسعار المقترحة من طرف المصدرين الجزائريين بالأسعار المعمول بها في الجزائر، لذلك كلما أخذت الأسعار بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي واستقرار السوق، أي الصيدليات والموزعين والمنتجين، ستتوفر هوامش يمكن توجيهها نحو التصدير، وفي حالة بقاء أسعار المواد واسعة الاستهلاك بالأسعار الحالية، سيحدث خلل وعدم توازن في الاستثمار والقيمة المضافة على حد تقدير الدكتور. مشددا - في السياق ذاته- على التكفل بالمريض بأقل تكلفة وإحداث التوازن بين الصناعة المحلية والتسعير لضمان استقرارها. وتوقع الدكتور أن تتسع قوة القطاع في السنوات المقبلة، على ضوء القاعدة الصناعية والإرادة القائمة والموارد البشرية المتاحة، في ظل وجود كفاءات من الصيادلة ومختصين من قطاعات أخرى، تكونوا بالجامعة الجزائرية. يضاف إلى كل ذلك، الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجزائر والخبرة المكتسبة في قطاع الصناعة الصيدلانية المحلية. واغتنم معاذ تبينت، رئيس جمعية الصيادلة الفرصة، ليقترح وضع خطة متكاملة ومتجانسة تجمع الإمكانات لبناء قوة حقيقة للصناعة الصيدلانية، كي تقتحم العالمية. الخبير خفاش: تكريس استراتجية تسمح ببروز المناولة قال الدكتور كمال خفاش، خبير اقتصادي، إن صناعة الأدوية في أي بلد تكتسي أهمية كبيرة، خاصة أنها تسعى لإنجاز مشاريع عديدة لتحسين وفرة الأدوية في أسواقها، بهدف تحقيق الأمن الصحي للبلاد، لأن وفرة الأدوية تنعكس على متانة المنظومة الصحية. ويرى الخبير، أنه بما أن الجزائر نجحت في تحقيق الأمن الطاقوي وخطت خطوات متقدمة من أجل إنجاز أهداف الأمن الغذائي، أمامها في الوقت الراهن تحدي تحقيق الأمن الصحي، ويمكن اعتبار هذا الهدف بأنه رئيسي وطموح، من أجل مضاعفة وفرة الأدوية وتلبية الطلب المحلي، عبر استراتيجية استشرافية، تمكن من بناء تعاون وشراكات مع قطاعات أخرى، من شأنها أن تفضي إلى بروز صناعة مناولة، على خلفية أن صناعة الأدوية تتطلب كميات كبيرة من المواد الأولية، ويمكن تصنيع بعض منها بالجزائر، إلى جانب توفير مختلف مواد التغليف «أومبلاج» التي يمكن تصنيعها ببلادنا، على غرار تصنيع الأغلفة والقارورات الزجاجية والبلاستيكية والعلب الكرتونية، أي كل صنف من الدواء يتطلب غلافا أو علباً معينة، وهذا ما يسمح بإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، تعكف على تصنيع ما تحتاجه مؤسسات إنتاج الأدوية. واعتبر الخبير خفاش، أن السوق الجزائرية تتوفر على 44 مليون نسمة من السكان، لذا من الطبيعي أن السلطات العمومية العليا كشفت عن إرادة كبيرة لتكثيف الاستثمارات عبر هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي؛ لأنه مهم جدا، ويمكن من خلاله الاستجابة للاحتياجات الصحية للمواطنين. وبالنظر إلى أداء وإمكانات القطاع في الوقت الحالي، يعتقد الخبير أنه يمكن خلال السنوات القليلة المقبلة، أن يطرح وفرة أكبر، وبالتالي يأخذ بعين الاعتبار جميع الطلبات خاصة الأدوية المخصصة للاستهلاك العام أو تلك المطلوبة بكثرة، وبالتحديد الأدوية الموجهة إلى أصحاب الأمراض المزمنة، وهذا يتطلب إرساء استراتيجية خاصة؛ لأن عملية استيرادها تتطلب إنفاق أموال ضخمة، في حين عملية تصنيعها ستتحقق على المدى الطويل. واقترح الخبير خفاش - في سياق متصل - أنه في حالة تسجيل إنتاج معتبر من الأدوية، يمكن تصديره نحو السوق الإفريقية عبر بناء شراكات للتصنيع وكذا تصدير الأدوية. ولم يخف أستاذ العلوم الاقتصادية كمال خفاش، أن الاستثمار في الدواء يتطلب أموالا ضخمة، من أجل أن تكون الأسعار تنافسية، مراهنا على كثافة الإنتاج بهدف التحكم الجيد في الأسعار.