منصات التواصل الاجتماعي فتحت الآفاق أمام النساء عرف الأدب النسوي قفزة نوعية ونهضة عالية من خلال ظهور عدة أسماء شابة في مجال الكتابة والنشر، أرجعتها بعض الكاتبات والمهتمات بالشأن الثقافي إلى اهتمام الدولة بالقطاع الثقافي، خاصة ما تعلق بإنجاز هياكل ثقافية بمعظم مناطق الوطن، ناهيك عن التكنولوجيا الحديثة، خاصة ما توفر منصات التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير في تغيير وتطوير الفكر النسوي. هن شاعرات وأديبات مجيدات، عرفن كيف يطوّعن المعاني، ويصنعن عوالم من جمال يهيم فيه المقتصد، وينهل من عليائه المجتهد، ولقد أظهرن من الحصافة والرؤى البعيدة ما يجعل القارئ أو المستمع يعتز بمنجزاتهن التي تمثل إضافات هامة للصرح الأدبي والشعري الإنساني.. الشاعرة صباح لخضاري: لا حدود للإبداع.. هي شاعرة وأديبة جزائرية، أستاذة البلاغة والنقد الأدبي الحديث والمعاصر، ومديرة مخبر تطوير تعليمية اللغة العربية في الجامعة الجزائرية في المركز الجامعي صالحي أحمد النعامة، ومسؤولة التكوين في الدكتوراه تخصص نقد أدبي 2017 /2018، مُؤسسة مجلة "نتائج الفكر" الصادرة عن معهد الآداب واللغات المركز الجامعي بالنعامة ورئيسة تحريرها سابقا، كما أنها اشتغلت مديرة مركز جامعة التكوين المتواصل بالنعامة، ولها العديد من القصائد المنشورة في المجلات، الجرائد الوطنية والدولية، وديوان "أهازيج الرّوح" سنة 2015، كما لها العديد من المقالات الأكاديمية المتخصّصة.. إنها الشاعرة المتمكنة، والباحثة الأصيلة البروفيسور صباح لخضاري. تقول لخضاري: الإبداع النسوي على العموم، في تطور وتزايد مستمر لعدد المبدعات الشابات الجامعيات، وبهذا المبدعة تجمع بين موهبة الكتابة (الاستعداد الفطري وتقنياتها والمكتسبات العلمية) التي درستها دراسة بيداغوجية أكاديمية، وهذا ما يجعل العمل الأدبي عملا مميّزا يبتعد عن السذاجة والعاطفة غير الخلاّقة، وعليه فتعليم الفتاة له الأثر البالغ في اتساع رقعة الوعي وانتشاره بين أفراد المجتمع، ما جعل التطور يشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية، مظاهر العيش واللباس وغيرها من الأمور، وجعل العائلة الكبيرة والصغيرة تشجع أبناءها إناثا وذكورا على الإبداع والفن في جميع مجالاته، ومن الملاحظ أيضا أن بعض المبدعات يبتعدن عن مجال الإبداع، وذلك للضغوطات النفسية التي يتعرضن لها، إما داخل مؤسسة الزواج أو العائلة أو المجتمع بصفة عامة، وأعتقد أن العمل أو أي انشغال يشغل فكر المبدعة، يجعلها تبتعد دون إرادة منها عن مجال الإبداع، لأنّ الفن بصفة عامة لا يحب من ينافسه في الحبّ والاهتمام، وهذا ما حدث معي، حيث انقطعت مدّة ليست بالقصيرة عن مجال الإبداع الشعري.. أما بخصوص مشاكل النشر، فهي عديدة ومتنوعة، خاصة منها الإخلال بالوعود وعدم احترام مواعيد التسليم، ولكن تبقى أغلب دور النشر في الجزائر محترمة وبعيدة كل البعد عن أي اتهام. الروائية نسرين سماحي: الأدب النسوي واقع معيش الكاتبة والروائية نسرين سماحي، من مواليد مدينة المشرية ولاية النعامة، خريجة معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي صالحي أحمد، تخصص لسانيات عربية، درجة الثانية ماستر، متحصلة كذلك على شهادة ماستر في إطار القانون الخاص بإنشاء مشروع مؤسسة ناشئة أو براءة اختراع تابع لمخبر تطوير اللغة العربية في المركز الجامعي بالنعامة، لها عدّة شهادات علمية وأدبية، رئيسة سابقة لنادي "بيت اللّسانيات"، وقائدة لدى مشروع النهضة بالقراءة في العالم العربي، متحصلة على جائزة "الميكروفون الذهبي" في ولاية النعامة سنة 2019، وشهادة معتمدة في التصوير الفوتوغرافي، شاركت في أكثر من 30 تظاهرة وندوات علمية داخل وخارج الوطن. عن تطور وانتعاش الأدب النسوي، تقول: المرأة تواكب التطورات والمجريات الثقافية والأدبية، لا تختلف عن الرجل، والأدب النسوي نراه واقعا معيشا وحدثا ملحوظا، حيث إنّ الوسط الأدبي احتضن أجمل الأعمال النسوية، بل استطاعت المرأة فرض خطواتها التي وطئت هذا المجال بكامل الإبداع والتميز، وهذا ما نراه من خلال المؤلفات والكتب التي تحمل أسماء العديد من الكاتبات المتميّزات اللواتي أبدعن وتألقن منذ أولى خطواتهن في هذا المجال. فالواقع الآن بدا على غير العادة، لأننا نرى المرأة تحمل القلم لتشارك به في الرأي والمقال ولتكتب النثر والشعر وتعلو المنصات لتقدّم ما أبدعته مخيلتها، وحتى تلهم بقية النساء اللائي يرغبن في دخول عالم الأدب النسوي. وترجع هذه النهضة، لأسباب عدّة، منها تغير وتطور الوعي الجمعي على ما كان من قبل، خاصة وأنّ المرأة باتت أكثر تقدّما على جميع المستويات والأصعدة العلمية والثقافية والمهنية، ممّا قادها أمام واجهة العالم وفتحه على مصراعيه، فدخلت من بابه الواسع، كما أنّ التطور التكنولوجي الذي تعيشه البشرية حاليا من غير الممكن أن يخفي ملامح المرأة كما كانت في سابق العهد، بل جعلها أكثر انفتاحا على المجالات الأدبية دون تقييدها عن حياتها الشخصية، ومنطقتنا كغيرها من المناطق التي تأثرت بهذه المسببات التكنولوجية التي ساهمت في إخراج المرأة للساحة الأدبية، وجعلها منافسا أول للرجل بل وسبقته في كثير من الأحيان في ممارسة الأدب وتذوقه، أما بالنسبة للصعوبات التي تواجه المرأة في هذا المجال، فهو سبب وجيه ويردّده أغلب الكتّاب وهو انعدام المقروئية، وبالتالي تثبيط همة وعزيمة الكاتب، كذلك نقص التشجيع والدعم بمجال الثقافة من جميع النواحي، وأبسط مثال أنّ منطقتنا بعيدة عن العاصمة بساعات، وهذا قد يجعل حظوظ الكاتبة في التنقل وحضور المعارض الدولية قليلة، وبالتالي الخروج عن الساحة الأدبية، في حين يمكن لدور الثقافة المساهمة في توفير النقل والسفر للكاتبات بصفة خاصة أو أقول للكتّاب بصفة عامة حتى يتسنّى لهم المشاركة في مثل هذه التظاهرات، أما الصعوبات الخاصّة بالنشر فهي تتمحور أساسا في انعدام المصداقية الخاصة ببعض دور النشر، وبالتالي التّخوّف الدائم من المعاملات الخاصّة بهذه الدور، لا سيّما بالنسبة للكتاب الجدد الذين أصبحوا فريسة سهلة لقراصنة النشر، بالإضافة للتكاليف الباهظة التي تفرضها هذه الدور من أجل طبع الكتب، وبالرّغم من وجود بعض الدور والجمعيات التي تتكفّل بطباعة الكتب للمؤلّفين، إلاّ أنّها تستغرق أوقاتا طويلة لطباعة الكتاب قد تصل إلى أشهر وحتى لسنوات. الباحثة آمال علالي: التظاهرات الوطنية والدولية حركت الرواكد الثقافية ترى الباحثة والمهتمة بالشأن الثقافي، آمال علالي، أن سبب نمو وازدياد الكتابة النسوية بالجزائر راجع لعدة أسباب وعوامل، حيث شهدت الساحة الثقافية عدة تفاعلات ثقافية خلال العشرين سنة الأخيرة على المستويين الوطني والمحلي حركت الرواكد الثقافية، مما نتج عنها بروز فعاليات ثقافية في مختلف المجالات ومجال الكتابة على الخصوص، حيث تم تنظيم عدة لقاءات أدبية وفكرية على هامش الجزائر عاصمة الثقافة العربية، أين أخذت وزارة الثقافة على عاتقها طبع أكثر من 1100 عنوان في مختلف المجالات، ثم تلتها الجزائر (تلمسان) عاصمة الثقافة الإسلامية، التي شهدت هي الأخرى طبع عناوين كثيرة، وأصبح المعرض الدولي للكتاب الذي تنظمه الوزارة من أهم المعارض الدولية التي تستقطب المثقفين والكتاب ودور النشر العالمية، مما جذب انتباه القراء والزوار، كما تم فتح مكتبات للمطالعة العمومية على مستوى بلديات الوطن للرفع من نسبة المقروئية، إلى جانب مكتبات البلدية والمكتبات الخاصة ومكتبات القطاعات الأخرى المتواجدة على مستوى دور الشباب أو المراكز الثقافية. كما لا ننسى الحركية الثقافية التي أحدثتها التبادلات الثقافية بين الولايات، ما مكّن الكتاب والمثقفين من إيجاد منابر وفضاءات للتعبير والاحتكاك وتبادل الأفكار والاستفادة من تجارب الآخرين كل في مجال اختصاصه. يجب الإشارة إلى التنافسية الايجابية التي أحدثها وجود معرض للكتاب المحليين في عدة فضاءات وعدة مناسبات، أشرفت عليها المكتبة الرئيسية، على غرار لقاء الكتاب المحليين الذي يجمع شمل كتاب ولاية النعامة كل سنة والذي وصل إلى طبعته الرابعة، ومن جهة أخرى شهد المجتمع على مستوى منطقتنا على غرار باقي المناطق، تغيرات كثيرة منها ما هو إيجابي والذي نذكر منه على سبيل المثال حركية جادة في تشجيع التحصيل العلمي على العموم وبخاصة على مستوى فئة الإناث، حيث أصبح الأولياء والعائلات يشجعون بناتهم على مواصلة الدراسة وممارسة الهوايات على اختلافها وتنوعها، والتوجّه إلى الجامعات. ونسجل هنا الفائدة الكبيرة التي عادت على المنطقة بافتتاح مركز جامعي بالولاية، والذي هو في تطوّر من سنة لأخرى من خلال فتح معاهد وتخصصات كثيرة كانت فئة الإناث محرومة منها بسبب وجودها في مناطق بعيدة حالت الظروف دون بلوغها وهذا كنوع من منح حرية وثقة لهن شجعتهن على الدراسة والتي كانت في وقت ما حكرا على الذكور. كما ساهم الفضاء الأزرق وانتشار استعمال وسائل التواصل الاجتماعي بانفتاح المجتمع والمبدعات على تجارب عالمية، كانت متنفسا لهن لإبراز مواهبهن وصقلها، ولكل واحدة منهن أسباب دفعتها للكتابة. الكاتبة حجازي زواوية: الأدب النسوي في تقدم وازدهار الأدب النسوي بالجزائر يشهد ازدهارا وتقدما ملحوظا، بحيث نرى اهتماما كبيرا للفئة النسوية بالقراءة والتأليف على حد سواء وكذا التدقيق اللغوي، إضافة إلى بروز عدة أسماء في الساحة الأدبية محليا في الولاية وفي البلاد عامة، بل وحتى ترشحهم ومنافستهم في جوائز أدبية وظهورهم في العديد من المحافل الأدبية. فسبب النهضة الأدبية النسوية هي الحاجة الملحة للمرأة منذ الأزل في التعبير عن نفسها والدفاع عن حقوقها المهضومة، ولأن الأدب كان مجالا مكتسحا من طرف الرجال تاريخيا ولم ينصف النساء، فكانت هذه الثورة النسوية في الأدب ضرورة لابد منها، وقد كتبت رضوى عاشور في ذلك "نحن الكاتبات نركض، نركض باستمرار تحت ضغط لا نهائي ونحارب في كثير من الزوايا، فنحن الأمهات، ونحن الزوجات، كأن الكاتبة في حاجة دائمًا إلى أن تسرق وقتًا".. فالأدب مهما كان نوعه أو المجال الذي يصبّ فيه بالنسبة للنساء كان مهربا ووسيلة دفاع، ولأن المجتمعات تزول وتفنى ولا يبقى منها إلا أحرف التاريخ، فلا مفر للنساء من فرض أنفسهن بالتأليف وبدخول مجال كان حكرا على الرجال، ورغم كثير من المحاولات، مازال على المرأة الجزائرية وخاصة تلك التي تقطن في مناطق نائية بذل مجهود مضاعف لفرض نفسها في المجال الأدبي، رغم وجود العديد من الأوجه التي برزت، ولكن الطريق بالنسبة للنساء ليس معبدا بالورود. هذا الوعي أو التحرّر هو السبيل الأول في نهضة الأمم، وكذا هي الحال في المجال الأدبي النسوي، فإطلاع المرأة على ثقافة المجتمعات المجاورة وكذا انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في تغيير وتطوير الفكر النسوي دون التخلي عن الطابع المحافظ، كما أنه لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا سلطت الضوء بشكل كبير على نهضة الفكر الأنثوي وبداية مرحلة جديدة في الأدب، وانضمام الطابع النسوي للمجال، ولكن لم يكن ذلك ليكون ممكنا لولا إطلاع المرأة على الأدب والتشبع بالثقافة من الكتب والوصول لإدراك أن الكتابة جزء لايتجزأ من هوية المجتمعات، فكان لابد الانضمام إلى الركب ومجاراة التيار، فالحريات لا تأتي على طبق من ذهب، لهذا، كان على المرأة أن تحارب قولا وفعلا. ومن الصعوبات التي تواجه المرأة في النشر والكتابة والتي تعاني منها معظمهن، أن المرأة لايمكن لها أن تصبّ جل اهتمامها على الكتابة وفقط، فالكثير من المسؤوليات في مجتمعنا تقع على عاتق المرأة فهي قبل كل شيء ربة بيت وأم ومربية، فهي متجزئة في كثير من المهام ولا يكمن أن تسخر نفسها وكلها للكتابة فقط، فمعظمنا دون تعميم، يسرقن برهة من الزمن يقفن عندها ليحملن كتابا أو ليكتبن بعض أحرف تكون مهربا لهن وذلك دون التطرّق لمشاكل دور النشر. فبعض دور النشر في الجزائر لا تهتم بتنقيح الكتاب ولا التدقيق اللغوي ولا حتى التسويق، فالكاتب هنا عليه أن يسعى ليكون مدققا لغويا ومهتما بالتصميم الداخلي ودارسا للتسويق الالكتروني. للعلم حجازي زواوية طبيبة أسنان، محبة للكتابة، صاحبة رواية "نبض وتين" طبعة 2019، كانت من بين الروايات الأكثر مبيعا في إحدى دور النشر عام 2020 في معرض الجزائر الدولي للكتاب.