بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ عقّبت الصديقة هدى: "مرارة وحزن حين نقرأ تفاصيل إهانة الأسيرات والأسرى ولكن مع كل ما نحس بيه لكن بيزيد فخرنا بصمودهم والاعتزاز بأنفسهم. الله يفك كربهم جميعا ويفك أسرهم".وعقّب الصديق محمد عمارنة: "أستاذ حسن عبادي المحترم نزاهتك وضميرك الحي وانتماؤك لوطنك وأبنائه الأسرى والأسيرات ودعمك المتواصل لهم لن ينساه أي إنسان شريف أنت القافلة وأنت شعاع أمل يتسلل عبر غياهب الجب وعتمة الزنازين وظلمة السجان ليضيء الطريق أنت آية الكرسي تبدّد وساوس الغياب سر على بركة الله ولا يضرك من خالفك ولا يضرك كل كذاب معتد أثيم هماز مشاءٍ بنميم. شكرا لك وألف ألف شكر لعائلتك لزوجتك وابنتك. شكرا لكم من كل قلوبنا والشكر لا يفيكم حقكم ولكنه اعتراف منا بأنا مدينون لكم". وعقّبت الصديقة ندى الجيوسي: "كل الاحترام والتقدير لك ولجهودك. أن تزور أسيراً انقطعت به الأسباب وحال بينه وبين أهله عدو لئيم وتحمل منه رسالة إلى أهله مطمئنة هذا لعمري عمل ثقيل في ميزان الله وأجره عند الله عظيم. بوركتَ وبوركت مسيرة عطائك. نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. عُدت لزيارة الدامون لأسمع عن الانتهاكات المستمرّة بحق حرائرنا؛ عدت لأسمع حكايات وقصصاً تقشعرّ لها الأبدان حول الاعتقال في ساعاته الأولى، التهديد والترهيب في أبغض صوره؛ الحرمان من أبسط الحقوق التي شرّعتها كلّ المواثيق والمعاهدات الدوليّة؛ التجويع والتبريد، وحرمان الأسيرات من الخصوصيّة لمحاولة كسر شوكتهنّ؛ عدتُ لأرى الإصرار والأمل في عيونهن. نِفسي أسمع يارا تناديني "ميما" زرت صباح الثلاثاء 23 جانفي 2024، سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة النابلسية حليمة إيهاب أحمد أبو صالحية؛ (مواليد 14.03.1997)، جامعيّة، طالبة دكتوراه علاقات عامة، جامعة القاهرة، أطلّت مبتسمة ابتسامة طفوليّة لتنقل لي سلامات زميلات الأسر. حتلنتني عن وضع السجن؛ 27 أسيرة من الضفة الغربية، 11 من الداخل، 3 مقدسيات، 48 من غزة وأسيرتان جديدتان (يمكن من النقب؟)، تفتيش (نحشون) "عزلونا كلّنا بالحمام وفتّشوا الغرفة وصادروا كلّ قصقوصة ورق"، عقاب يومان بدون فورة بسبب الإنشاد والتصفيق، تجويع وتبريد، 3 جاكيتات (شباص) ل-11 أسيرة، ما زالت تلبس البيجاما التي لبستها حين اعتقالها، جاكيتها ما زال محجوزاً، والبوت بدون الربّاط. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ "كنت نايمة، الماما فيّقني ومش عارفين لمين جايين الجنود، 10 ومنهم مجنّدة، (ولا مرّة توقّعت اعتقال)، قالولي ميخذينك، غمّضوا عينيّ، صوّروني بالبيت بدون الحجاب، كلبشوا إيديّ وإجريّ/ كل الطريق بضحكوا وأنا مصدومة، وفي هشارون ما دخّلوا أكل، تفتيش مُهين عدّة مرات، برش حديدي بدون فرشة، بطانيّة نتنة ووسخة كثير"، والدامون أرحم بكثير. وجدتها قويّة تلازمها ابتسامتها. فجأة قالت: "حاسّة حالي بحلم، بدّي أروّح وأراجع الأمر، وشو صار معي. معقول؟ كلها دعاء على صفحتي وأبيات شعر لتميم البرغوثي! طلبت إيصال سلاماتها للعائلة، وخصّت بالذكر جدّها الجميل جميل وجدّتها الحنونة ابتسام. آية زوّدتها بجينز وبلوزة وحاضرات للترويحة. تتوق لسماع يارا (ابنة أخيها إياد، عمرها سنتان) تناديها "ميما". اجعلي زنزانتك حديقة لك عُدتُ صباح الأربعاء 24 جانفي 2024، لألتقي بالأسيرة أنوار داوود شاكر رستم؛ من قرية كفر مالك/ رام الله (مواليد 14.11.1991)، أطلّت مبتسمة ابتسامة خجولة لتنقل لي سلامات زميلات الأسر، وحبن دخلت غرفة اللقاء تروحَنت وقالت لي: "هاي أوّل مرّة بشعر بالدفى من لحظة الاعتقال. (طلبتُ تشغيل المكيّف/ تدفئة قبيل دخولها الغرفة). حتلنتني عن وضع السجن؛ زميلات الزنزانة (فاطمة ريماوي، خالدة جرار، إخلاص صوالحة، حنين الزرو، مي يونس، سندس عبيد، جراح دلاشة، فلسطين، نفيسة)، 5 أسيرات يفترشن الأرض، الظروف جداً سيئة، الإهمال الطبّي صارخ، فوضى عارمة (بغياب الدوبيرت)، "بفوتوا علينا فجأة وإحنا مش لابسات، مش محجّبات"، الأكل سيئ جداً، مش مستوي وبارد، الشاي بارد، قهوة مرّة بالأسبوع. خبرة وتجربة خالدة وآية ممتازة وتمدّهن بالقوة والمعنويات. انفرجت أساريرها حين قرأت على مسامعها رسالة بنات خواتها "اجعلي زنزانتك حديقة لك"، (لديها 6 أخوات وأخ)، ورسائل أختها إليانا. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ والتحقيق في أريئيل، "كلّه عن الفيس"، صادروا اللابتوب وأوراق امتحانات طالباتها (مدرّسة تربية إسلاميّة في ثانويّة أبو فلاح). أوصلتها رسائل أهل أم قتيبة وأم محمد، وعلامات الخليليّات، وطلبت إيصال سلاماتها للعائلة، "طمّن أهلي عليّ، الحمد لله الأمور ماشية، ما يقلقوا، ما في ضرب، ما يهملوا الهم". لكما عزيزتيّ حليمة وأنوار أحلى التحيّات، والحريّة لكما ولجميع أسيرات وأسرى الحريّة (حيفا جانفي 2024). وين الصليب الأحمر؟ بعد لقائي بخلف، التقيت في سجن "مجيدو" بالأسير ماهر عبد اللطيف حسن أخرس من سيلة الظهر/ جنين (مواليد 02.08.1971)، (هاي الحبسِة السادسة)، أصررت على فك كلبشاته لنبدأ اللقاء، وباغتني سائلاً: "أنت من الصليب؟ من الهيئة؟ من نادي الأسير؟" فأجبته أنّ الزيارة تطوّعيّة بناءً على توجّه زوجته، وارتاح حين لمح صور حفيداته (يقين وإيلياء وتغريد) بيد غريب يلتقيه لأوّل مرّة. انبسط لسماع أخبار العائلة والمزرعة (مزرعة أبقار، الأكبر في الضفّة الغربيّة) بعد طول غياب. حدّثني عن وضع السجن؛ غرفة 5 في قسم 1؛ زملاء الزنزانة: مأمون بني عودة، عبد الرحمن الحين، محمود تركمان، عبد الرحمن تركمان، عبد الباسط، إبراهيم حرب، مهدي حيفاوي، محمد تركمان، أحمد عساف، سيف. هاي الحبسِة تختلف عمّا سبقها، السجون تغيّرت بعد الحرب، المعاملة صعبة كثير، أخذوا الساعات ورزنامة رمضان والأقلام والورق، فش قهوة/ شاي/ سكّر، قنينة شامبو واحدة أسبوعيا لخمسة عشر أسيراً، بنغسل ووممنوع نعلّق برّا، وممنوع نعلّق جوّا مع خيط، الضرب مرّات دون سبب، مسبّات، تركيع وقت العدد مع إيدين ع الراس. طلبت منه إيصال رسائل اطمئنان من الأهل لأسرى مجيدو. فجأة يتساءل: "وين الصليب الأحمر؟ وين منظمات حقوق الإنسان؟ لمّا روّحت المرة الماضية بعد 104 أيام إضراب عن الطعام الكلّ بدّو يتصوّر معي، سفراء ووزراء وحتى محادثة هاتفية مع بوتين واليوم ما بنشوف حدا، وين الهيئة ونادي الأسير؟ ضغطوا عليّ ووقّفت الإضراب عن الطعام بعد 24 يوم وفجأة تبخّروا!". رسالة لا بد منها للأهالي؛ لا ضرب في الطلعة ولا بالرجعة لزيارة المحامي! لك عزيزي ماهر أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا بين أهلك. حيفا 28 شباط 2024. البلاد طلبت أهلها التقيت في سجن الدامون الكرمليّ بالأسيرة شاتيلا سليمان محمد أبو عيادة (مواليد 14.05.1993، ومعتقلة منذ 03.04.2016)، (كان من المقرّر أن تتحرّر في النبضة الأخيرة من صفقة التبادل، ولكن شاء القدر وكانت ترافق أسيل في المراش/ مسلخ الرملة وتعرقلت الأمور، "لمّا طلعِت بالبوسطة التقيت بعناد بس ما حكيت معه، كنت بدّي أحكيلُه إذا بدّك أوصّب سلام لإمك وتراجعت، رجِعت ع القِسم لاقيت إم عناد مروّحة، والكلّ مروّح، صحيح إنّو فراق الناس اللّي بتحبهم صعب لكن فرحة الإفراج كانت أجمل!"). حين دخلت غرفة لقاء المحامين لمحت صور أولاد أخيها غنيم فانبسطت جداً، أوصلت لها رسالة العائلة؛ ورسالة لمى، ورسالة ولاء، وسلامات رحمة ورسالة لشيماء من أهلها في غزة مما أسعدها. حدّثتني عن عودتهن لقسم 3؛ غرفة 13، وزميلات الزنزانة، رنا عيد (أسيرة مُصابة) وسماهر حامد. والقسم تحسّن بعد الترميمات والغرف أصلح، لكن البرد قارس، أسيل تصحصحت، 46 أسيرة (في أسيرات جدد مش فاهمات شو السيرة)، الوضع مشحون ومش حاسّات بأمان بالغرف. حدّثتني عن مصريّات الكانتينا المحجوزة بسبب التعويض المستحَق، معقول بعدها ما وصلت؟!؟ طلبت إيصال رسائل لأهلها، لأم عناد، للمى ولولاء وسلامات لكلّ من يسأل عنها، وكذلك رسائل من الأسيرات لأهاليهن. وحين افترقنا قالت: "بستنّى بالترويحة، البلاد طلبت أهلها".لك عزيزتي شاتيلا التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة (حيفا 25 شباط 2024). عيّدت مع عُدي في السجن التقيت صباح اليوم في سجن الدامون الكرمليّ بالأسيرة فاطمة فضل علي الشمالي (أبو جحيشة) (مواليد 22.02.1986، ومعتقلة منذ 18.01.2024)، من قرية إذنا/ الخليل. أوصلتها بداية رسالة العائلة بعد طول انقطاع، فتروحنت وبكت كثيراً عند سماع أخبار الحبايب؛ ورسائل من أهل آية؛ زوجها وأبنائها ووالدها. حدّثتني عن عودتهن لقسم 3؛ غرفة 10، وزميلات الزنزانة، سهام، بدرية، أنوار، زهرة وهناء. تحسّن الوضع بعد التصليحات (بظلّو سجن)، البرد قارس جداً، 43 أسيرة (آخرهن فادية البرغوثي، بدها بنتها تدير بالها على أخوها). حدّثتني عن الاعتقال وتهمة التحريض الموجهّة لها إثر مقابلة تلفزيونيّة حين فقدت فلذة كبدها عُدي، اقتحموا البيت الساعة الثالثة والنصف (كتيبة ومجنّدتين، كسّروا البيت كلّه، كلبشوا زوجي وبدأوا يزتّوا عليه صحون وأثاث البيت، تفتيش مهين، اقتادوني للتحقيق ما بعرف وين، ومنها إلى سجن الشارون البغيض، مررت بطقوس التفتيش العاري بالكامل، ومنها إلى الدامون، كمان مرّة تفتيش عاري بالكامل، حاسّة بحلم ومش مستوعبة شو بصير معي، وبحلم كل الوقت أنهم أعطوني مفتاح القدس). أخبرتني أنّها احتفلت بعيد ميلاد عُدي الثامن عشر وعيد ميلادها مع زميلات الأسر يوم 22.02 واختلت لتنتحب بضع دقائق (بجيني عُدي بالحلم بضحك، مع نفس الابتسامة، تخيّلته معي بالتحقيق، مع عطره، ونفَسُه حواليّ). طلبت إيصال رسائل لأهلها، وكم تتوق لاحتضان حفيدها بدر، ابن نداء. وكذلك رسائل من الأسيرات لأهاليهن. لك عزيزتي فاطمة التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة (حيفا 26 شباط 2024). الواحد بتعلّق بقشّة التقيته في سجن "مجيدو"، قابلني بنظرة حائرة، هو خلف محمد عبد الرحيم مخلوف من عصيرة القبليّة/ نابلس (مواليد 29.09.1990)، اعتقل يوم 21.10.2023، (هاي الحبسِة الأولى)، طلبت من السجّان فك الكلبشات قبل بدء اللقاء، وحين استفسرت عن سبب البغتة أجابني أنه للمرة الأولى منذ اعتقاله يزوره محام/ وفكّر أنّه "انتسى"، وفكّر أنّ التكلفة عالية كيف بسمع فطمأنته أنّي متطوّع فارتاح. بدأ بالنحيب حين شاهد صور حمود ويمنى، وهدأ من روعه حين أوصلته رسالة الأهل، وطمأنته عليهم وانقبض حين قرأت له "الأكلة اللي كنت تحبها ما انعملت من يوم ما أخذوك، ما النا نفس نعملها بدونك". حدّثني عن وضع السجن؛ غرفة 8 في قسم 8؛ زملاء الزنزانة: منتصر النورسي، عبد الله حويل، زيد غنام، علاء شرقاوي، مدحت أبو عمشة، عبد الحليم دغلس، علي معروف، حسين شتيتية، أحمد أبو طبخ وعمر، الوضع تصلّح قليلاً لكن ما زال سيئاً، الأكل تجويعي، بلوزة نص كُم وبنطلون فقط ما غسلهن من يوم الحبسِة، (آخر مرة غسلت الملابس الداخليّة قبل شهر)، بطانية واحدة بهالبرد. ورغم ذلك مقطوعين عن العالم والواحد بتعلّق بقشّة. طلبت منه إيصال رسائل اطمئنان من الأهل لباسل شحادة، أسامة بعيرات، كفاح ويزن زاغة، محمد جلامنة، مصطفي أبو ريالة، رأفت بشير وآخرين. رغم ذلك ودّعني بابتسامة "الصحة بخير رغم الديسكات، خلّي أمي تطبخ منسف للولاد وكأني موجود وزيادة".لك عزيزي خلف أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا بين أهلك (حيفا 28 فيفري 2024).