تصف الدكتورة وردة لواتي، التراث بأنه ذلك المخزون الثقافي الزاخر المتوارث جيلا عن جيل، الحامل لكل القيم (دينية وتاريخية وحضارية وشعبية وإنسانية.)، والواصل للعادات والتقاليد والمعتقدات، المادي منها والمعنوي، فهو روح الأمة بماضيها ومستقبلها وحاضرها، وهويتها الممتدة في جذور التاريخ وعبقه. وانطلاقا من أن الأدب كأداة للتعبير عن خلجات النفس، ولون من الألوان التعبيرية والإنسانية التي يترجم بها المبدع عواطفه ومخاوفه وتجاربه، ومشاعره الإنسانية التي تدور في خلده، تقول أستاذة الأدب العربي بجامعة الحاج موسى أخاموك بتمنغست وردة لواتي في تصريحها ل«الشعب"، إن التراث الشعبي الجزائري منح الأدب قوة الإيحاء والتأثير، نظرا للإمكانيات الفنية والمعطيات التي يزخر بها التراث، بوصفه حصنا منيعا وذرعا حصينا يحول دون ما يتهدّد الأمة في هويتها ووجودها، خاصة في ظل الهجمة الشرسة على كل ما هو عربي، قومي، إسلامي، في ظل اتخاذ الأديب من التراث ملجأ يفر إلى أحضانه كلما قست عليه الحياة، وكشرت عن أنيابها في ظل هذا التغريب الكاسح الشرس. وأشارت لواتي إلى أن العديد من الكتاب المبدعين، عكفوا على تضمين إبداعاتهم على اختلاف أنماطها وأجناسها (نثرية أو شعرية) بهذا العبق القادم إلينا من ماضينا العريق، والحامل لتجارب وقيم وعادات ومعتقدات أجدادنا، بروح تعكس حضور السلف في الخلف". وقالت: "في مجال الإبداع المسرحي، أدرك الكاتب الجزائري قيمة توظيف التراث في نصوصه المسرحية باعتباره همزة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، وخوفا من اندثار الهوية الوطنية وضياعها، عمد إلى تضمين مسرحياته بألوان التراث المختلفة وأضفى على تجربته نوعا من الأصالة الفنية، من خلال أعمال ثلة من المسرحيين عبر أجيال مختلفة، كان لكل واحد منهم بصمته الخاصة، على غرار "سلالي علي" في مسرحية "جحا"، التي استدعى فيها التراث الشعبي، وعمد إلى توظيف شخصية تراثية مميزة لها وزنها في التراث الشعبي الجزائري، فاستحق بذلك لقب أبو المسرح الجزائري، كما استلهم شخصيات من حكاية ألف ليلة وليلة حاله حال المسرحي "بشطارزي" و«رشيد القسنطيني" اللذان وظفا التراث الشعبي في أعمالهما، واستلهما عناصره ليكون حاضرا في وجدان الأمة". وأضافت: "كما لمع نجم الكاتب المسرحي "عبد القادر علوله" تؤكد أحد مؤلفي كتاب "تأويل العقل الثقافي الإفريقي"، بمسرحياته الحبلى بالعناصر التراثية كمسرحية "الأجواد" التي قدمت بلغة شعبية بسيطة اعتمد فيها القوال، البندير، العصا، واللباس التقليدي.. فولج بها إلى عمق التراث الشعبي، ووظف عناصر الفرجة الشعبية، والخرافة والأسطورة والأمثال والحكم والعادات والتقاليد.. ومن مسرحياته الأقوال واللثام..".. وفي سياق آخر، تقول الدكتورة لواتي، "التراث الشعبي وجد طريقه للسرد الجزائري، وولجه من أوسع أبوابه عبر الرواية، التي اتخذت أشكالا مختلفة للتناص من الموروث الشعبي تتواءم والموقف السردي، واستطاعت أن تجعل من التراث الشعبي مادتها الخام لتجسد تجذره في الأصالة والعراقة، فاقتبست الخرافة والأسطورة، والأمثال والحكم، والحكاية والعادات والمعتقدات، كما هو الحال مع أعمال العديد من الروائيين الجزائريين من أمثال "الطاهر وطار" بروايته "الولي الصالح"، ورواية "رمل الماية" لوسيني الأعرج"، مشيرة إلى أن تجربة واسيني الأعرج الروائية تميزت باقتناصه لعناصر التراث الشعبي وبثها في نصوصه الروائية كما هي الحال مع رواية "نوار اللوز"، و«حارسة الظلال"، و«فاجعة الليلة السابعة بعد الألف"، فقد اقتنص شخصيات من التراث الشعبي لأعماله الروائية، واستلهمها من حكايات كألف ليلة وليلة، جاعلا منها مادة سردية، مثل طاهر وطار. ولا يمكن بحال - حسب المتحدثة - أن نتغاضى عن أعمال عبد الحميد بن هدوقة المفعمة بروح الأجداد، والتجربة الروائية لعبد الملك مرتاض بروايته "دماء ودموع" التي تضمنت مجموعة من الأمثال والأساطير، حيث جعلت مصدرا للقيم الاجتماعية، كما كانت رواية حيزية التي استعارها من الحكاية الشعبية الجزائرية رمزا للمرأة الذكية البالغة الجمال، المرغوبة من قبل كل الرجال، وغيرهم من الأدباء والروائيين الجزائريين، الذين لجأوا إلى الروافد التراثية ونهلوا منها، وجعلوا من التراث بكل أنماطه وعناصره مادة خاما لنصوصهم الروائية، فأصبحوا كالمرايا تتراءى فيها الأبعاد متداخلة، وتبدو فيها الذات رواية مروية ورائية مرئية". وفي ذات الصدد، تؤكد الأستاذة لواتي أن التراث الشعبي وجد طريقه إلى السرد عموما والرواية خصوصا ممهدا، وعودة الرواية الجزائرية إلى التراث كانت الغاية منها تأصيل خطابها في المورث السردي، والنأي بها عن النماذج الغربية، وإحياء التراث وتقديمه للقارئ بشكل جديد مبتكر، "وقد استطاعت الرواية أن تعزز حضوره، وتحافظ عليه من الاندثار عبر توثيقه ونقله من جيل السلف إلى جيل الخلف، وهذا كله ينسحب على الأدب الجزائري عموما نثرا وشعرا." تقول لواتي". وختمت حديثها بالقول، إن الأدب الجزائري نال حظه من التراث الشعبي، حيث تمكن من التوغل في عمقه ونهل من كل عناصره بشكل عصري وحديث، وبالطريقة التي تليق بمستوى الأديب الجزائري ومخيلته، وطموحه، وملكاته ووعيه، وبما يحفظ للتراث الشعبي هيبته وتجذره، وبما يرضي طموح المتلقي وأصالته وتفكيره... ويبقى هذا غيض من فيض.