إصلاحات هيكلية فسحت المجال لتطوّر اقتصادي غير مسبوق خطت الجزائر خطوات جبارة في ترقية الاقتصاد الوطني، ونجحت مجهوداتها في تحسين المؤشرات الاقتصادية، خاصة بعدما حدّدت توجهات جديدة نحو تشجيع الصادرات، وكذا البدائل الإستراتيجية خارج المحروقات، مع ربط مؤسساتها بالواقع الاقتصادي الحقيقي وتفعيل الرقمنة، إلى جانب الاهتمام بتكوين رأس المال البشري، وتحفيز المتعاملين الاقتصاديين، وإصدار ترسانة قانونية لتشجيع الاستثمارات كرّست الاستقرار الاقتصادي، وحوّلت الجزائر إلى ورشة اقتصادية كبيرة، جعلت منها قوة اقتصادية فاعلة وسط قوة اقتصادات كثير من دول العالم التي لم تصمد أمام مختلف الصدمات الصحية والنفطية والتغيرات الجيوسياسية في العالم، فقد سعت الجزائر إلى تحقيق معدلات نمو لا تعتمد فيها فقط على المواد النفطية، ما جعل الهيئات الدولية العالمية، صندوق النقد الدولي، يصنّفها كثالث أهم اقتصاد إفريقي لعام 2024، عن جدارة واستحقاق. أكّد أستاذ الاقتصاد، مختار علالي، أنّ الجزائر صارت تحتل مكانة اقتصادية هامة صنفتها المؤسسات المالية في المرتبة الثالثة إفريقيا، بناء على تقرير صندوق النقد الدولي، كثالث أهم اقتصاد إفريقي لعام 2024، حيث حلّت محل نيجيريا التي فقدت مكانتها في إفريقيا لصالح الجزائر. وعدّد الخبير علالي ما نجحت الجزائر فيه من إنجازات تاريخية، حققت نموّا اقتصاديا وفق خطة محكمة، ظهرت ثمارها على أرض الواقع، بداية من زيادة التبادلات التجارية وصمودها أمام الصدمات النفطية والصحية في فترة "كوفيد-19"، والعمل على تقليص فاتورة الواردات، وتشجيع الإنتاج المحلي وتفعيل المقايضة، وتوعية الجزائريين حول ترشيد الاستهلاك، والاعتماد على إعادة بعث اقتصاد وطني يعتني بالطبقات الاجتماعية الهشة، ويراقب تدفقات رؤوس الأموال من وإلى الجزائر، مع التركيز على المشاريع الاقتصادية العملاقة على غرار الفوسفات، بتبسة والحديد بغارا جبيلات بتندوف، والزنك والرصاص ببجاية، وما يتبعهما من بنى تحتية، وتوفير ما يحقق المنافع من تعبيد الطرقات والسكك الحديدية وتطوير النقل، ما جعلها قبلة للاستثمارات خاصة مع فتح المعابر الاقتصادية الحدودية، وإنشاء المناطق الحرة، والقوانين المحفزة منها قانون المالية 2024.
تفوّق جزائري في غضون سنتين
توقّع الخبير علالي أن تتبوّأ الجزائر المرتبة الأولى، اقتصاديا في غضون سنتين على المستوى القاري، بعد أن حقّقت المرتبة الثالثة ضمن أهم الاقتصاديات حسب تقرير "الأفامي"، وذلك في منتصف 2026، حيث قدّر الناتج الداخلي الخام الجزائري في 2024 بنحو 266.78 مليار دولار، وأوضح محدثنا قائلا: "بعد تحقيق مخططاتها الاقتصادية وتجديد مشروع غارا جبيلات وميناء الحمدانية، وربط طريق بشار تندوف بالسكة الحديدية وتشجيع الفلاحة الصحراوية أكثر، وبناء المخازن الكبرى بالمعايير العالمية، واستقطاب الاستثمارات الكبرى ستتحقّق الكفرة الاقتصادية الكبرى". ولهذا - يضيف المتحدّث - تستطيع الجزائر تجاوز 400 مليار دولار عام 2026، من الناتج الداخلي الخام؛ لأنّها ستتحوّل إلى دولة صناعية وفلاحية وقبلة سياحية دولية، إذا استغلت إمكاناتها الحقيقية وطوّرت من التكوين حسب ما يحتاجه سوق الشغل، في ظل تحسن المؤشرات الخاصة بتوقعات صندوق النقد الدولي بأن نسبة النمو بالجزائر تفوق 3.8 بالمائة في 2024. وذكّر الخبير الاقتصادي بتقديرات صندوق النقد الدولي المحيّنة، حيث أن الناتج الداخلي الخام يقدّر بحوالي 266.78 مليار دولار، بينما قدّر الناتج حسب الفرد ب 5720 دولار، وفي الإطار نفسه، رأى المتحدث أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، تعادل القوة الشرائية بنحو 768.52 مليار دولار، أما حصة الناتج الداخلي الخام الجزائري تعادل القوة الشرائية دوليا، فإنّه يبلغ 0.41 %، في ظل ارتفاع نسب التضخم بمتوسط سعر الاستهلاك ب 7.6 % وبنحو 7 % نهاية الفترة. وأضاف: "بينما قدّرت نسبة البطالة ب 11.4 %، يُتوقّع أن يصبح ناتج الحساب الجاري إيجابيا في 2024 في حدود 0.362 مليار دولار، و0.1 % من الناتج الداخلي الخام، بينما تقدّر الديون العمومية بنحو 46.4 % من الناتج الداخلي الخام، ولهذا فإنّ كل المؤشّرات توحي بأن تكون الجزائر مركز الاستثمارات المنتجة التي تخلق الثروة وتوفر مناصب شغل كثيرة"، وهذا - يواصل الخبير - ما يرفع من ديناميكية الدورة الاقتصادية، ويمنح الاقتصاد الوطني القوة المستدامة، ما يسمح للجزائر بأن تحتل مكانة مرموقة في الاقتصاد الإفريقي والدولي، خاصة في ظل الظروف الدولية والمستجدات الإقليمية التي تتسبب في ارتفاع تكاليف النقل البري والبحري عالميا، وتؤثر على الاقتصاد العالمي، خاصة مع انهيار الأمن الغذائي لكثير من الدول، ما دفع بالجزائر إلى وضع خطط وبرامج لتطوير الفلاحة الصحراوية، وتحفيز الفلاحين ومرافقة مشاريعهم بتخصّص محيطات كبيرة لتطوير الفلاحة. أرقام مبشّرة..
من جهة أخرى، أشار الخبير الاقتصادي، مختار علالي، إلى توقعات البنك الدولي، قال إنّها تنطلق من واقع اقتصادي حقيقي، وتقريره يعكس حقيقة التطابق في الأرقام بين الأرقام الرسمية حول الاقتصاد الوطني وأرقام صندوق النقد الدولي. واعتبر "الأفامي" - وفق محدّثنا - أنّ نمو الاقتصاد الجزائري بنسبة 4.2 % في 2023، كان يمثّل أداء قويا نتيجة انتعاش إنتاج المحروقات والأداء المتين في قطاعات الصناعة والبناء والخدمات، بمعنى التوجه الجديد والبدائل الإستراتيجية خارج قطاع المحروقات، منوها بالأداء في قطاعات مختلفة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي كذلك تسجيل نمو في الناتج الداخلي الخام بنسبة 3.8 % في سنة 2024 و3.1 % في سنة 2025. وفي السياق، أشار علالي إلى توقعات صندوق النقد الدولي التي أكّدتها الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بتسجيل 6600 مشروع حتى نهاية مارس 2024، بقيمة مالية تقارب 3200 مليار دينار، وما يعادل 24 مليار دولار، مؤكّدة أن الرقم سيتضاعف مستقبلا بفضل وفرة العقار الاقتصادي في البلاد، وهذا بالنظر إلى القرار الإيجابي بتحويل العقار المخصص للاستثمارات إلى الوكالة بقصد إضفاء الشفافية في التعامل مع المستثمرين، وإخضاع الطلب عليه لمنصة إلكترونية لتسهيل مرافقة الاستثمارات وتسهيلها وتحفيز رجال المال والأعمال، للتوجه إلى الاستثمارات الكبرى، ولهذا قامت الجزائر بتفعيل الرقمنة، ما قلّص من مساحة الاقتصاد الموازي الذي يلبغ حاليا 90 مليار دولار، وفق ما يقول محدّثنا. وأبرز الخبير علالي، من هذا المنظور، أن هذا يدفع بالجزائر التي تتوفّر على مصادر للنمو بالتوازي مع مسار مرتفع ساير فيه الاقتصاد مع بداية التعافي من تداعيات جائحة كورونا، إلى تحقيق أرقام هامة في معدل نمو الاقتصاد الوطني، حيث قدّر خلال سنة 2021 ب 3.4 % ثم 3.2 % سنة 2022، لينمو سنة 2023 بنحو 3.8 %، ويحقق نسبة 4.2 % العام الجاري.
إصلاحات..ووضع مريح
قال الخبير الاقتصادي مختار علالي إنّ معدل تراكم الأصول الثابتة في الجزائر يتراوح بين 30 و40 %، في حين أن المتوسط العالمي يبلغ 27 %، ولهذا يؤكّد الخبير أن كل المؤشرات توحي بأن الجزائر في وضع اقتصادي مريح، ما يجعل قراراتها مستقلة، لاسيما وأنها لم تلجأ إلى المديونية، وهذا بالنظر إلى موقف صندوق النقد الدولي الذي أشاد بالتزام الجزائر بالإصلاحات الاقتصادية والاستدامة المالية. وأكّد صندوق النقد الدولي - حسب علالي - على متانة الأداءات الاقتصادية المحققة في سنة 2023، والتزام السلطات الجزائرية بإجراء إصلاحات، وأشاد بالجهود الرامية إلى تشجيع الاستثمار وتحسين شفافية الميزانية ومواجهة المخاطر المرتبطة بالفساد، كما أوصى بأهمية مواصلة الإصلاحات الهيكلية من أجل تحسين مناخ الأعمال، ودعم مشاركة الشباب والنساء في سوق العمل، وتعزيز النمو المتنوع والأخضر للقطاع الخاص. وأضاف: "الهيئة الاقتصادية الدولية أبرزت أهمية الحفاظ على العدالة الاجتماعية، وما حقّقته سياسات الدعم الديناميكي للسياسة النقدية، حيث أشادت باعتماد القانون النقدي والمصرفي الذي يهدف إلى عصرنة الأسواق المالية وتحسين تسيير البنوك، ومرونة النظام البنكي، مشجّعا السلطات على تعزيز الرقابة المصرفية ومراقبة القروض غير المنتجة وتعزيز حوكمة البنوك والشركات العمومية". كما أوصى بضرورة حل مشكلة التضخم باتخاذ إجراءات تؤدي إلى تباطئه عبر تخفيض أسعار المنتجات الغذائية الطازجة؛ إذ يجب أن يبدأ في التنازل لاسيما بمنتصف سنة 2024، لينخفض إلى 7.6 % قبل أن ينخفض تدريجيا إلى 5.5 % في عام 2027، وفق علالي الذي يتوقع أن ينخفض التضخم إلى 3.2% بداية من سنة2027. وخلص أستاذ الاقتصاد إلى القول إنّ "الجزائر تسير وفق مخطّطات وجهود مبذولة لتنويع الاقتصاد، والاعتماد على الترسانة القانونية المحفزة على جلب الاستثمارات الخاصة والفعّالة، استنادا إلى الإصلاحات الهيكلية المدعمة والعميقة والعمل السريع لتنويع الاقتصاد، وتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمار واستغلال أسواق جديدة للتصدير من شأنها تشجيع النمو واستحداث مناصب شغل، انطلاقا من استغلال المناجم والثروات وتشجيع الفلاحة الصحراوية، وإعداد برنامج كبير للسياحة والخدمات المنتجة للثروة، والموفرة لمناصب العمل، التي ستدفع إلى فتح تخصّصات بالجامعات ومراكز التكوين المهنية تتماشى وسوق الشغل".