ترى الأستاذة نعيمة سعدية بجامعة محمد خيضر بسكرة، أن التراث المادي واللامادي يشكل تاريخ وثقافة البلاد ويتسم بالتنوع والاختلاف في الجزائر، كما يعكس تاريخ وثقافة الشعب الجزائري، مؤكدة أنه يتوجّب على كل واحد منا تحمّل مسؤوليته، في العناية به والحفاظ عليه للأجيال القادمة، نظرا لأهميته وحماية له من الضياع والزوال والنهب والسرقة وغير ذلك من الآفات التي قد تلحق به، وتهدّد وجوده. وأشارت سعدية في تصريح ل«الشعب"، إلى أنه تمّ فعليا رفع التحدي من قبل الوزارة المعنية والإدارات الوصية في كل ولاية عبر الوطن، سعيا لحماية هذا التراث ماديا كان أو لاماديا، في سبيل الحفاظ على الهوية الثقافية الجزائرية، وتعزيز الوعي الثقافي والتواصل بين الأجيال المختلفة، وتوجب على المسؤولين المهتمين بشؤون الثقافة والفنون، العمل على إدخال هذا التراث بنوعيه عالم الرقمنة، من أجل تحقيق مبدأ الاتصال بين الأجيال، والانفتاح على العالم، كون الرقمنة - حسب المتحدثة - تعني تحويل الموارد التراثية إلى صيغ رقمية، ما يتيح الوصول إليها بسهولة ويحميها من التلف والفقدان. وفي ظل هذه الجهود التي تبذلها الدولة الجزائرية لحماية التراث والتعريف به، وتحقيق المبادرة والمشروع، ترى سعدية أن عملية رقمنة التراث تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل ما تتعرّض له الجزائر من محاولة اعتداء على تراثها، من سرقة ونهب، خاصة عندما تسارع بعض الأطراف إلى سرقة هذا التراث، تحت مسمى العامل التاريخي والجغرافي وغير ذلك، وتسجيله في الهيئات الدولية المعتمدة، ليتم حفظه باسمها، وهنا يجب دراسة ومراجعة السبل المتبعة لحفظه في هذه الهيئات لتكون ناجعة أكثر. وقالت محدثتنا إن "عملية التخطيط الجيد والتفكير الواعي الممنهج الرشيد، ستؤدي حتما إلى آثار محمودة نسعى إليها كلنا، خاصة وأن الرقمنة في الوقت الراهن، تؤدي دورا حيويا في التوثيق والتسهيل وسرعة التوصيل، وهذا ما نحتاجه ليتحقق المطلوب، في الحفاظ على الوثائق والمواد الثقافية، إذ يمكن من خلال الرقمنة باستعمال البرمجيات والتطبيقات الذكية، تخزين المعلومات والمواد الثقافية بشكل رقمي، ما يحميها من التلف والفقدان، وحتى السرقة والسطو". ومن بين أهم التحديات، التي قد تواجه "عملية رقمنة التراث بنوعيه"، حسب محدثتنا، تحقيق مبدأ الأمان والخصوصية، من أجل حماية المعلومات الحساسة والتعامل مع مخاطر القرصنة والاختراقات، فمن الضروري وضع إطار قانوني وتنظيمي يضمن سلامة وأمان المعلومات والبيانات التراثية أثناء عملية الرقمنة، بما في ذلك حماية حقوق الملكية الفكرية والخصوصية، ويتطلب ذلك أيضا تدريب الكوادر الفنية والتقنية المعنية بعمليات الرقمنة على استخدام التكنولوجيا بشكل آمن وفعّال. وأضافت أنه فيما يتعلق بحماية التراث، يمكن للرقمنة أيضا تتبع القطع الأثرية المسروقة والمفقودة، والتي تكون عرضة للتهريب والبيع غير القانوني، من خلال إنشاء قواعد بيانات دولية تتبع حركة القطع الثقافية. وواصلت حديثها بالقول إن "التحدّي الأكبر هو ضرورة أن يستجيب الباحث في مجال العلوم التقنية والإعلام الذكي لهذا المطلب الوطني والحضاري، بإيمان وقناعة، وبتجاوز القطيعة الحاصلة بين مجالات البحث في العلوم الإنسانية بكل فروعها الفلسفية والاجتماعية والنفسية والأدبية المؤمنة بالعقل والهوية والانتماء، وبضرورة الحفاظ على هذا التراث، وبين مجالات العلوم التقنية والإعلام الذكي".. كما ترى المتحدثة ضرورة تكاتف جهود الجميع في مختلف القطاعات، العاملة في ميدان الثقافة، وكذلك في الجامعة، حيث يجب أن تنفتح هذه الميادين بعضها على بعض، وأن تتوحد الجهود وأن يتعاون الناشطون فيها من أجل تحقيق غاية أسمى، وهي الحفاظ على التراث الحضاري للأمة الجزائرية.