بوغالي في الأورغواي    رئيس نيكاراغوا يشيد بثورة الجزائر    هذا جديد انتخابات مجلس الأمة    تنصيب اللجنة الوزارية المشتركة    رخروخ يستعجل تسليم المشروع في الآجال المحددة    القيمة السوقية ستصل إلى 740 مليار دينار    هكذا غادر الأسرى سجون الصهاينة..    اليمين المتطرّف اتّخذ علاقات البلدين رهينة    العنف يتغوّل بملاعب الجزائر    عهدة جديدة لحمّاد    مرّاد يبرز الجهود المعتبرة لمنتسبي الحماية المدنية    تحسن في التزويد بماء الشرب في عدة بلديات بوهران    فتح 370 مطعم إفطار وتوزيع طرود..    أهلاً رمضان..    التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخّلية    الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في صناعة الأدوية    الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": مولودية الجزائر تعزز صدارتها وشبيبة القبائل على 'البوديوم''    الجزائر ترسل مساعدات إنسانية إلى النيجر    المخاطبة بالمهل والإنذار والتهديد مرفوضة    تعزيز التعاون لدعم الوسطية والاعتدال    تشييع جنازة شيخ الزاوية البلقايدية الهبرية في أجواء مهيبة    فتح استثنائي لعدد من المكاتب البريدية    فضح وحشية المستعمر ومحاولاته اليائسة لاقتلاع الصحراء    وزير المجاهدين يشارك في مراسم تأبين الرئيس الأسبق لناميبيا    رئيس الجمهورية يهنئ الشعب الجزائري بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم    الجيش الصحراوي يستهدف مقر دعم وإسناد لجيش الاحتلال المغربي بقطاع الكلتة    الصحفية بجريدة "المساء" هدى نذير في ذمة الله    التسيير المندمج للمناطق الساحلية يحسّن حكامة البلديات    مكتب بريدي جديد وموزعان آليان للنقود    إقبال كبير على الأسواق الجوارية الرمضانية بالعاصمة    هذا ما يجب على الصائم معرفته    إعادة فتح سوق المواشي بتلمسان    قدّمنا ملفاً قويا والقرار انتصار لاتحاد العاصمة، للجزائر وللحق    تراث ومآثر من أمجاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين    للجزائريّين قدرة غير مألوفة على الصمود    "الفاف" تفتح تحقيقا وتتوعد المتسببين    آيت نوري محل اهتمام نادي ميلان الإيطالي    اتفاقية تعاون بين جامعتي وهران 2 وتيفاريتي    وزير الشؤون الدينية والأوقاف يقدم واجب العزاء الى عائلة شيخ الزاوية البلقايدية الهبرية بوهران    السيد زروقي يتفقد عددا من المكاتب البريدية التي تم فتحها استثنائيا عشية شهر رمضان    المغرب : القفز على الشرعية الدولية يعمق عزلة النظام المخزني ويجهض كل مناوراته    مركز بيانات البنك الوطني للإسكان يتحصل على شهادة تصنيف دولية للفعالية والموثوقية    غوتيريس يدعو إلى السلام والعدالة مع بداية شهر رمضان    العمل/الصحة: التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخلية لجراحة المخ والأوعية ضمن إطار التغطية الصحية    قضية اتحاد الجزائر-نهضة بركان: إنصاف محكمة التحكيم الرياضي انتصار للجزائر وللحق    ليلة ترقب هلال شهر رمضان ل2025 سيكون غدا الجمعة    صناعة الأدوية: الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في افريقيا    تحسن في التزويد بالماء الشروب في عدة بلديات بغرب وهران بعد إطلاق مصنع تحلية مياه البحر للرأس الأبيض    المغرب يتحول إلى "مكب" للنفايات الأوروبية: جريمة بيئية تكشف فساد النظام وتثير غضب الحقوقيين    السيد قوجيل يعزي في وفاة محمد عبد اللطيف بلقايد شيخ الزاوية البلقايدية الهبرية    تحرّي هلال رمضان غداً    حماد: الحفاظ على النجاحات المحققة ومضاعفة الجهد من اجل انجازات اخرى    يوم دراسي بالجزائر العاصمة حول التعاون الجزائري العماني في مجال المتاحف    أجال دفع تكلفة الحجّ تنتهي غدا الجمعة    المنيعة..مشاريع تنموية جديدة لفائدة بلديتي المنيعة وحاسي القارة    كيف تفوز الأسرة برمضان؟    تتويج الفائرين في الطبعة الرابعة للمسابقة الوطنية للصحافة البيئية    وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تنشر إمساكية رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفح
نشر في الشعب يوم 10 - 06 - 2024

ٌ.. صمامٌ لحياةٍ لا تريدَ أن تستمرَّ معنا بهدوء، حياةٍ نجبلُها من الموت، وننحتُها من صخرٍ عنيدٍ بين ضفتي معبرٍ يعادينا كلما حاولنا فتح بابٍ مغلقٍ لمرور شعاعٍ يربت قليلاً على رؤوسنا..
رفح.. كتلةٌ بشريةٌ أكبرُ من السماء فوقها، تقاومُ قذائفَ تشبهُ وحوشاً جائعةً انفلتت من أسر الميثيولوجيا، تُمسكُ القذائفَ قبل أن تسقط على رأس طفلٍ أعرفُ جيداً تاريخَ أجداده، بل وتاريخَه الذي لم يأتِ بعد..
رفحٌ… تشبهني وأنا أنهض من دلالات الهزيمة، كنبتة صبارٍ تعرف كيف تُمسك الريحَ بكفيها لتصعد قليلاً قليلاً من حقيبة مسافرٍ إلى بلادٍ لا تجيء..
رفحٌ… تتآلف مع نزوحٍ لآلاف الأنجم وهي تهرب من ثقوب سوداء تلاحقها، تتكدس في بسمة طفلةٍ تجمدت من الصقيع، حاولتُ أن أجعل من دمعي لحافاً، وما إن وصلتُ حتى وجدتها قد فارقتِ الحياةَ والأنجمُ تصعد من جسدها لسماءٍ لا تكفينا جميعاً ونحن ننطلق لأعلى ما خلق الله من الوجود.
رفحٌ… تعلمتْ مني كيف تمتلك عزيمةً تكفيها لتهزم جيشاً بأسره، تعلمتْ مني وهي ترقبني وأنا أكسرُ (منعَ التجول) عندما صار عمري عاماً تماماً، في حزيران (يونيو) 1967 حين دفعتُ باب بيتنا في مخيم رفح حيثُ وُلِدتْ، زحفتُ تجاه الإسفلت متحدياً الجند وهو يشهرون بنادقهم نحوي، ولولا ركض جدتي وانتزاعي، لكنتُ الآن تراباً يئن من وتدِ خيمةٍ دُقَّ فيه حتى الوجع.
رفح…. بوابةٌ بين أقدس مقدسين على الأرض، طورٍ تجلّى الله فوقه حين كلّم موسى، ومسجدٍ أقصى تنفتحُ بوابةُ السماء فوق سطحه مباشرةً ليعرج منه أشرف الخلق إلى سدرة المنتهى، رفحٌ هذه بوابةٌ تُفتحُ من نورٍ إلى نور، من غربها نور حبسوه في قفصِ الاحتمالات، ومن شرقها نورٌ يحاول دوماً أن يكون يقيناً ويتطهر بشيءٍ من دم الشهداء.
رفحٌ.. تحاول أن تراضي طيوراً كسّرت مناقيرها عند العبور، وتجتهد أن تتأسف لوجوهٍ حُطِّمت جبهاتها عند العبور، وتسعى في حرصٍ أن لا يحزنَ ريحٌ حمل شوقاً ليعبر، لكنه اصطدم بإسمنت جدار لا يرد تحية الصباح علينا، رفحٌ تطلب من صوتِ طفلٍ جائعٍ حاول أن ينادي جندياً متخاذلاً، أن يسامحها، لأن الجندي صفع النداءات فلم تصل، ورفح مازالت تناشد نشيداً أن يخفف من عتابه، فالجندي نفسه ألقى الرصاص على النشيد فجُرح جرحاً بليغاً.
رفحٌ تحاولُ أن تبتكر معادلةً بين العبور واللاعبور لنرضى، ونصفح عنها، لكننا بقينا في رفح نزرعُ أجسادناً في رمالها بدل النخيل الذي جرفهُ الاحتلال، نصعدُ على سلم الوجع، ونختار الرحيل إلى الأعلى دائماً.
رفحٌ الآن بارجة ثقيلةٌ بأجسادِ الأسى الفلسطيني، وأسى الأجساد الباهظة، حمولةٌ أبتِ السمواتُ والأرضُ حملها، فحملتها رفح بدمائها، والدماء أثقل كتلة يمكن وزنها في الكون، إذا كانت مجبولة بالدموع والأمنيات التي لا تتحقق..
رفحٌ… نبيٌ يجلس بين آهتين، ينتظر موتاً جماعياً لمبادئه لو عمّ الكفرُ الأرضَ، أو ينتظرُ فرجاً ناداه طويلاً، وحرك له رسلاً من الملائكة ليأتي ولم يأتِ .. لعله يأتي يوماً إن سمحوا له الولوجَ من بوابةٍ أضيق من سَمّ الخِياط.
رفحٌ المتكدسة ببشرٍ يرفعون جميعاً سقف السماء بدعاءٍ جماعي استشهدَ حرقاً منذ ليلتين، تحاول أن ترفع معهم هذا السقف الأبدي، ليمنحوا السمواتِ العلا نورَ قلوبهم الذي حصدوه بالجروح، وضياءَ أبصارهم بعد أن غسلوه بالدموع.
رفحٌ تصنع معي سفينَ الخلاص من أعيننا جميعاً، ألقيتُ أبنائي طيوراً فوق الطوفان الأعظم، وأنا أنادي: أين الخلاص؟ وعندما آنستُ ناراً، ارتقيتُ لألتقط أرغفة البشارة من يد الله، فالجوع كاد أن يدهسني في غضب الطريق، ناديتُ الخيام التي تصطف في طابورٍ طويلٍ لتلتقط الخبز من قصائدي التي تنبجس فوق رمل رفح..
رفحٌ… تابوتٌ فوق لُجٍ يحمل الأنبياءَ الثائرين فينا لبعثٍ جديد، رفحٌ سفينٌ محشورٌ بين ضفتين، رفحٌ قيامتنا، وقامتنا وقارتنا، رفحٌ وصولٌ لا يصل، والناسُ تهتفُ: يا أمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.