عالج الأستاذ الجامعي العيد زغلامي إشكالية الصورة التلفزيونية ووظيفتها في تشكيل مخيلة الفرد الجزائري تجاه الوجوه السياسية المتعددة في الجزائر. ونال بهذا الموضوع الإعلامي الجدير بالمتابعة والاهتمام شهادة الدكتوراء بتقدير جيد جدا. وأجاب الأستاذ في حديث معه ل “الشعب" عن أسئلة عالقة تطرح في الدوائر الإعلامية وتثير الجدل في أوساط متتبعي الشأن السمعي البصري تحديدا كيف هي عملية توظيف الصورة كأداة اتصال سياسي لتسويق وترويج صورة شخص سياسي. وكيف يتلقاها الجمهور ويبني عليها انطباعات وأراء ومواقف؟ أجاب الأستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلامية بجامعة الجزائر 3 على أسئلة تخص هذا الموضوع برؤية إعلامية تمزج بين النظري والواقع مقدما مقاربة داخلة في ما يسمى بتوظيف الصورة في السياسة من خلال المعادلة الاتصالية في البيئة الوطنية المتغيرة المفتوحة. وعن سبب الاهتمام بهذه المسألة أكد الأستاذ زغلامي أن الموضوع راوده من زمان باعتباره صحفي مهتم بالقضايا الإعلامية . راودته الفكرة والسؤال لماذا هذا التهافت والانبهار اللذين تحملهما الصورة مقارنة بالصوت والنص أي اللغة. حقيقة الأمر أن الجزائر كباقي دول المعمورة هي جزء من القرية الصغيرة التي تعيش ما يعرف بعصر الصورة والذي يتميز بتفريط استعمال ثقافة الصورة من أجل الاتصال. الملاحظ الآن تعدد الوسائل، الوسائط والشاشات الأمر الذي فتح المجال الواسع لتوظيف الصورة من قبل السياسي واستعمالها إلى أبعد درجة في الترويج له وجلب متلقي رسالته الإعلامية في زمن افتراضي يقرب المسافات ويكسر الحواجز مشكلا عالم القرية الشفاف. في هذا الزمن يرى الدكتور زغلامي لا يمكن للمستهلك والمستعمل الاستغناء عن أي شاشة من هذه الأجهزة ومن ثم تبرر حالة توظيف الصورة ودلالتها ومعناها. إنها حضارة الصورة المهيمنة على الوسائل الإعلامية في أبعد مداها . حرب الصورة من هذه الزاوية ليس مجرد كلام يروج، لكن حقيقة قائمة بذاتها. ممارسات وتطبيقات توظف بلا توقف للتأثير في الضمائر والعقول. رأينا هذا في تجارب عديدة وكشفت لنا حقائق الأشياء وجوهرها. وتبين كيف أن الخبراء والاختصاصيين قاموا في حرب الخليج والشرق الأوسط ومالي وغيرها بشن معارك افتراضية في الاستيديوهات. وقليل هي الحروب التي تتم على أرضية الميدان. بل ان هناك معمل لتشكيل وبناء الصورة ثم ترويجها وبثها وتهيئة الرأي العام للأغراض التي وجدت من أجلها في حرب إعلامية لا تعترف بالحدود ولا تتوقف عند الحواجز. لكن أي موقع يحتله السياسي في هذه المواجهة الرهان؟ بالنسبة للأستاذ زغلامي فإن الرجل السياسي غير البعيد عن ساحة الوغى هو كذلك وظف الصورة لترقية شخصه وقدراته والترويج لها للحصول على منافع مادية سيكولوجية نرجسية والتموقع في المشهد المتغير. وحول تطبيق المقاربة في الجزائر أكد الأستاذ أن موضوع “الصورة الاتصالية" محور مد وجزر بين رجال السياسة ومهنيي الإعلام السمعي البصري وكذا الجمهور المتلقي الصورة الآتية من التلفزيون في ظل غياب المنافسة بين القنوات التلفزيونية الوطنية. ومع حداثة التجربة الجزائرية في فتح السمعي البصري فإن تقديم أحكام بشأنها سابقة للأوان حسب العيد زغلامي. مع ذلك هناك مبادرات وملاحظات يمكن استخلاصها وتوضح إن الصورة التلفزية توظف من رجل السياسة كأداة لترقية وجهه ومكانته. وتعطي الحملات الانتخابية والأنشطة السياسية المثال الحي عن كيفية توظيف الصورة من رجال السياسة الذين يتسابق كل واحد منهم من أجل أن يكون له حضور أقوى على الشاشة بغض النظر على وجوده الفعلي في الميدان. وعلى هذا الأساس يفهم لماذا ينجح بعض رجال السياسة حين يتعثر آخرون. ودرجة النجاح تقاس بالتأكيد بين مدى واقعية الخطاب السياسي واستعمال الصورة في إقناع الآخر المتلقي للرسالة الاتصالية.