أصبت بالذهول كباقي الجزائريين، من مشاهد الغش والتكسير والتخريب والاحتجاج، التي قام بها تلاميذ البكالوريا عقب اجتياز امتحان الفلسفة، في سابقة خطيرة لم تعرفها الأجيال السابقة، رغم الجهود التي بذلت والإمكانيات الكبيرة التي سخرت، من أجل إجراء هذه الامتحانات في أحسن الظروف. تلك التصرفات التي صدرت عن بعض التلاميذ في مراكز الامتحان بداعي صعوبة الأسئلة، يفتح الباب لطرح أكثر من علامة استفهام، حول مستوى تلميذ اليوم، وما قيمة طلب العلم عنده ومدى بدله للجهد طوال السنة، لبلوغ أعلى المراتب والحصول على أرقى الشهادات. الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، تتطلب بحثا معمقا، لكن تلك السلوكيات إلى جانب تصريحات بعض التلاميذ قبل وبعد الامتحانات، تعطي الانطباع أنهم يريدون الحصول على شهادة البكالوريا بأسهل الطرق بدون جهد، على حساب المستوى العلمي والمعرفي الذي يؤهلهم لولوج الجامعة، وما قاموا به يعبر عن اللامبالاة والاستهتار بقدسية الشهادة. ومن غرائب مطالبهم، تقليص عدد الحراس وإعادة إجراء امتحان الفلسفة، والأخذ بعين الاعتبار صعوبة بعض المواد في التنقيط، وقبلها المطالبة بتحديد عتبة الدروس. ولا أعتقد أن التلميذ المجتهد الذي يولي أهمية لهذه الشهادة ويقوم بتحضير جيد لتحقيق النجاح بأعلى العلامات، تصدر عنه مثل تلك التصرفات مهما صعبت الأسئلة. واستغلت بعض الجهات ذلك لصب الزيت على النار، ومحاولة التقليل من جهود وزارة التربية الوطنية للنهوض بالمنظومة التربوية وإنجاح البكالوريا، وراحوا يحكمون على الإصلاحات التي باشرتها منذ سنوات بالفشل، كأنهم يريدون بذلك تبرير ما قام به التلاميذ من اعتداء وتخريب وابتزاز، فعوض المطالبة بتطبيق القانون على هؤلاء ''الغشاشين'' وحثهم على الاجتهاد وتجنب مثل هذه السلوكيات المشينة، راحوا يعطون الدروس للوصاية، ويحملونها مسؤولية ما جرى، متجاهلين القرارات الجريئة التي اتخذتها لرفع الضغط عن التلاميذ، وتوفير الجو الملائم لهم لاجتياز الامتحان. المسؤولية فيما حدث يتحملها الأولياء بنسبة كبيرة، لأنهم تخلوا عن دورهم في تخفيف الضغط عن أبنائهم ومتابعتهم وتهيئتهم نفسيا لاجتياز الامتحان، وتوجيههم وإرشادهم نحو الاعتناء بمراجعة الدروس والاستذكار والحفظ واحترام الأساتذة... وبدل معاتبة أبنائهم على ما قاموا به من انتهاك لحرمة الامتحان، طالبوا بدورة ثانية للبكالوريا، وقبلها تركوا أبنائهم يخرجون للشوارع للقيام بإضرابات للمطالبة بتحديد عتبة الدروس. إن البكالوريا شهادة يتحصل عليها من يستحقها ومن يجتهد ليل نهار، لا من يغش ويستعمل وسائل غير قانونية. ما حدث لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لابد من محاسبة المتسببين في ''التمرد'' والفوضى العارمة، وأن يأخذوا حقهم من العقاب، ليكونوا عبرة للأجيال القادمة، وعدم اعطاء الفرصة مستقبلا للمساس بمصداقية هذه الشهادة. فالجامعة الجزائرية تحتاج إلى تلاميذ متخلقين متشبعين بالعلم والقيم النبيلة، لا إلى عاجزين وفوضويين. وكما يقال من لا يستنير لا يمكنه أن ينير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.